في هذا الحي، تتزاور بعض نسائه في منتصف الليل، وذلك بعد أن ينصرف أزواجهن للعمل ليلا في معامل البترول والغاز وحقن المياه التابعة لأرامكو السعودية. هؤلاء الجارات، يتشاركن في أكل الهريسة الحساوية وأكلة "المطازيز" النجدية وطبخة "الوفد" النجرانية، كما يستبشرن بأكل "الفقع" و"الاقط" القادمين من حفر الباطن. بعد الاكل، تبدأ سوالف الجارات فيما بينهن، حيث تحكي كل واحدة منهن عن موطن ولادتها وأخبار أهلها وحنينها لهم.. تنوع الطبخات والسوالف بين الجارات سببه أن هؤلاء النسوة وأزواجهن قدموا من أماكن مختلفة من الاحساء، والبعض قدم من مناطق مختلفة من المملكة، وذلك للسكن في هذا الحي النموذجي الذي وفرته شركة أرامكو السعودية لموظفيها. بسبب بعد جارات حي محاسن عن اهاليهن، فقد شكلن فيما بينهن بعفوية رابطة جيرة قوية.. فتجد إحداهن تقوم برعاية الاخرى عندما تلد، وتقوم إحداهن برعاية أخرى مريضة ورعاية بناتها وإطعامهن، بالإضافة إلى ذلك، فإن أبناء وبنات الجيران يتزاورون فيما بينهم بعفوية، وقد كونوا صداقات عميقة فيما بينهم. عندما تضطر إحدى الجارات للذهاب للظهران للعلاج، فإنها توصي بنياتها بالذهاب لبيت جارتها حتى تعود.. وفي هذا الحي، عندما تبحث عن ابنتك الصغيرة فستجدها تلعب في بيت أبي حسين أو بيت أبي سلطان. من جهة أخرى، فإن كبيرات السن في حي محاسن يتحولن لطبيبات نفسيات لإسداء النصح والمشورة للقادمات الجدد للتعامل مع ظروف الحياة، حيث يصبحن أمهات لهن. في حي محاسن، تتعدد ينابيع العطف والرحمة بين سكانه ولكن بصمت وخجل، لأنهم يريدون الأجر من الله.. فليس غريبا أن تسمع أن معلمي ومعلمات مدارس محاسن يعطفوا على تلاميذهم المحتاجين بشراء كراسات واقلام وملابس لهم.. الخ. وليس غريبا في حي محاسن أن تجد جارا يتذكر جاره المحتاج، حيث يهدي إليه ما تجود نفسه ولكن بصمت.. إنسانية سكان حي محاسن شملت الأجانب الذين يعملون في البقالات هناك. حيث أصبح هؤلاء جزءا من النسيج الاجتماعي في هذا الحي.. وبما أن كثيرا من سكان محاسن من موظفي أرامكو، فقد تأثروا بثقافة التميز واحترام الوقت واحترام قيم الآخرين.. فتجد كثيرا من أبنائهم وبناتهم مبتعثين في تخصصات مميزة، وتجد أبناءهم وبناتهم ما زالوا أوفياء لجيرانهم، فيزورونهم في الأعياد ويواسونهم في العزاء. من ناحية أخرى، يضم حي محاسن مساجد وحسينيات تغمر سكانه بسحب الإيمان و التقوى.. وقد تميزت دور العبادة هناك بانتشار حلق تحفيظ القرآن واستضافة العلماء الأجلاء.. ففي شهر رمضان وغيره تجد الرجال والنساء يتسابقون لإعمار بيوت الله بالذكر والصلوات. نموذجية حي محاسن تكمن أيضا في تخطيط بنيته التحتية من شوارع وحدائق وتصريف مياه الأمطار، والتي جعلته جاذبا للسكنى فيه. بل ويتندر أهل الأحساء بذكره عندما تهطل الأمطار، حيث تُصرف مياهه إلى برك ضخمة أعدت لاستيعاب مياه الأمطار. بعد الحادث الإرهابي الذي أصاب مسجد الرضا في محاسن يوم الجمعة الماضي، أحس سكان محاسن أن رمحا قد غرس في قلوبهم؛ لأن الشهداء والمصابين من أبنائهم الذين عرفوهم صغارا وكبارا، فهبوا لإسعافهم وزيارتهم وتشييع شهدائهم. حي محاسن النموذجي هو امتداد لقيم المجتمع السعودي الإنسانية التي تحب الخير و العطف والشفقة والتآخي.. حادثة مسجد الرضا الإرهابية جعلت أهالي محاسن أكثر تماسكا وعطفا وإنسانية.