كان العرب في جاهليتهم بما تحمله من ثقافات وأخلاق انفرجت عليهم وعلى الجزيرة العربية من خارج حدود المنطقة العربية وهو ما نسميه في عصرنا هذا المد الفكري الذي تخلق من خلاله العرب بأخلاق بعض الأمم، وكان أسوأ ما ترسخ في أذهانهم عدم تقديرهم للمرأة والامتناع عن كل قول وفعل يذكر فيه اسمها حتى قال بعضهم ان اسم المرأة عورة لا يحسن كشفه أمام الآخرين والتحدث به حتى جاء الاسلام وقضى على كل مظهر من مظاهر ذلك الاحتقار والإهانة وأعاد للمرأة كرامتها بالقرآن عندما حملت احدى سور القرآن الكريم اسم (مريم). وذكر اسمها في سورة آل عمران (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم) وقد ذكر هذا الاسم الكريم في سورة (البقرة الآية 253) وفي سورة (آل عمران سبع مرات الآيات 36, 37, 41, 42, 43, 44) و(سورة مريم الآية 19, 33) وفي الحديث أن بعض الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحب إليك يا رسول الله» قال: «عائشة». قالوا ومن يا رسول الله؟ فقال «ابوها». ثم توالت صفحات التاريخ خلال عقود وعقود امتلأت خلالها آلاف الكتب في التاريخ والسير والحديث بملايين الأسماء من النساء البارزات المتميزات عقلاً وفكراً وريادة منها آلاف المحدثات ومعلمات القرآن ثم في الوقت الحاضر الطبيبات والمهندسات والمعلمات والشاعرات والأديبات ومنهن من تولين قيادة المؤسسات العلمية والثقافية والاقتصادية.. ومنهن من وصلت الى مرتبة وزير ولكل هؤلاء النسوة طلاب وطالبات ومريدون ومريدات، فأصحاب الحديث لم يجد أحدهم حرجاً في الانتساب الى المحدثة فلانة أو الرواية عن فلانة وترديد أشعار الشاعرات وأقوال الأديبات ولا يزال على توالي الحقب التاريخية رجال يفخرون بأمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم الا أن ذلك يظل محدوداً وفي نطاق ضيق لأن العقلية الجاهلية لا تزال مسيطرة على الذهنية العربية بالخجل من ذكر اسم الأم أو الأخت أو الزوجة بل ومحاولة نسيانها والتقليل من دورها واحترامها فتجد أحدهم عندما يريد ذكر اسم والدته أو زوجته يحمر وجهه خجلاً وعندما يسير في أي مكان ترافقه فلابد ان يسير الرجل (الذكر) أمامها وتسير التابعة خلفه ذليلة مكسورة الخاطر يحاول أن يواري وجهه عن الناس حتى لا يراه أحد وهو يسير مع رفيقته مهما كان مقدارها لديه وقدرها لدى المجتمع.. وكانوا لا يرون ذكر اسم التابعة الا متبوعا بكلمة أكرمك الله الرضيعة أو الحليلة أو الكريمة دون ذكر الاسم, ولا أدري إن كان هؤلاء النسوة يختلفن عن النساء ذوات الأسماء اللامعة في التاريخ: مريم وعائشة وحفصة وخديجة وغيرهن من نساء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وزينب ورقية وسكينة بنت الحسين, ولا أدري الى متى نظل ننتهج هذا النهج مع الأم والأخت والزوجة والابنة حيث لا يتورع بعضنا عن نهر المرأة إذا كانت في حضرة القاضي أو كاتب العدل وفي أي دائرة حكومية أن يقول لها: اسكتي يا حرمة، في إشارة إلى أنه لا يحق لها أن تتحدث أمام الناس في أي شأن حتى وإن كان ذلك الحضور متعلقاً بشأن من شؤونها أما إن كان بحق من حقوقها فإن الإسكات يكون أشد ضراوة وأقوى عدوانية.