كل الميزانيات القومية تعتبر سياسية بقدر ما هي اقتصادية. لكن خطط الإنفاق التي قدمها في الأسبوع الماضي جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني، تعتبر نموذجا للمكافيلية، من سياسي مصمم للوصول إلى ما سماه بنجامين ديزرائيلي «قمة العمود اللزج». يشكل كل ظهور لأوزبورن في السنوات القليلة القادمة جزءا من عملية إجراء المقابلات في طلبه الحصول على وظيفة مرموقة في البرلمان. قال ديفيد كاميرون بالفعل إنه لن يترشح كزعيم لحزب المحافظين في الانتخابات القادمة، وبمجرد أن ينتهي الاستفتاء في الاتحاد الأوروبي، من المرجح أنه سيختفي. وهذا سوف يجعل منصب رئيس الوزراء شاغرا أمام أي شخص من المحافظين الذي يمكنه حشد دعم وتأييد الحزب الحاكم. يعتبر أوزبورن هو الشخص المفضل حاليا ليخلف كاميرون، وفقا للمراهنات. لكنه يفتقر إلى كاريزما بوريس جونسون، عمدة لندن، ووقار تيريزا ماي، وزيرة الداخلية، منافسيه الرئيسييين. المدخل الوحيد في سيرته هو إدارته وإشرافه على الاقتصاد، وقد عزز سمعته من خلال القضاء على عجز الميزانية وإعادة الاقتصاد إلى الفائض مع نهاية العقد. لذلك فإن خصمه، جون ماكدونيل، وزير المالية في حكومة الظل لحزب العمال، على حق في وصفه بيان الميزانية اليوم بأنه «إطلاق بيان بهدف انتخاب قيادة حزب المحافظين». بالنسبة للمكون الرئيسي، تراجع أوزبورن في مقترح غير شعبي كاد يثير أزمة دستورية الشهر الماضي. كان يعتزم خفض برنامج الإعفاء الضريبي الذي يساند العائلات البريطانية الفقيرة. لكن معهد الدراسات المالية حسب أن 13 مليون عائلة قد تخسر ما متوسطه 260 جنيها استرلينيا (393 دولارا) سنويا، من بينهم 7.4 مليون شخص في مجال العمل، وقد يخسرون 280 جنيها سنويا. قال المكتب المستقل للمسؤولية الميزانية إن الزوجين العاملين الذين لديهما طفل واحد قد يخسران جميع المزايا بمجرد أن يصل دخل الأسري السنوي إلى 21 ألف جنيه، حيث كانت الأسرة في السابق تكسب مزايا ضريبية تصل إلى 27 ألف جنيه. في تحرك غير مسبوق، رفض مجلس اللوردات مشروع القانون. اليوم، تخلى عن المقترح- ما أدى إلى تحويل الكارثة إلى انتصار ضئيل من خلال مقاومة الرغبة في العبث بالتخفيضات أو ببساطة تأخير اعتمادها. تبين عاصفة الانتقادات أن ذلك كان قرارا متنافرا بشكل غريب من قبل وزير للمالية ساعد حزبه في الفوز بأغلبية الانتخابات حتى في الوقت الذي كان يدافع فيه عن الحاجة إلى التقشف. إنها بمثابة تذكير لأوزبورن بأنه، حين تكون من الناحية العملية سياسيا يؤيد قضية منفردة، لا يمكنه تحمل أي عثرات اقتصادية على مسار الوصول إلى رئاسة الوزراء. عرض أوزبورن أمرا على سكان لندن كان بمثابة الرشوة. فقد اقترح تقديم قروض معفاة من الفائدة تصل إلى 40 بالمائة من تكلفة المنزل المبني حديثا، للأشخاص القادرين على وضع دفعة أولى بنسبة 5 بالمائة. وهذا ينبغي أن يساعد مرشح حزب المحافظين زاك جولدسميث عندما ينتخب الناخبون في العاصمة العمدة الجديد العام القادم. تتمسك الحكومة برسالة التقشف، التي تتطلب 12 مليار جنيه من تخفيضات الإنفاق على الرعاية، مع تنبؤ مكتب المسؤولية الميزانية بأن انخفاض الفوائد على الديون، والدخل الأعلى الخاضع للضريبة، سوف يعملان على تحسين مالية الحكومة. بحلول عام 2020، التنبؤ هو حدوث فائض في ميزانية المملكة المتحدة بمقدار 10.1 مليار جنيه استرليني، مقارنة مع عجز مقداره 74.1 مليار جنيه استرليني هذا العام. وهذا يعتبر أمرا طموحا. إذ ان الأهداف السابقة تراجعت وضاعت، ومع تنبؤ مكتب المسؤولية الميزانية بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لن يتجاوز 2.5 بالمائة في أي من السنوات الخمس القادمة، لن يستغرق الامر طويلا لأي رياح معاكسة جراء التباطؤ في الاقتصاد العالمي من أن تَحْرف المملكة المتحدة بعيدا عن مسارها. رغم جميع مهارات أوزبورن السياسية والاقتصادية، من غير المحتمل أن يكون مسؤولا عن مصيره في الوقت الذي تبدأ فيه انتخابات قيادة حزب المحافظين بشكل جدي.