إن إبقاء اليونان داخل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي يعد مسألة سياسية. مع ذلك، تتعلق هذه القضية أيضا بالمال، وقد يكون من المفيد الأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن أن يكون تصرف أوروبا فيما لو كانت مصرفا يواجه مدينا جانحا كبيرا. وهذا قد يكون سؤالا سهل الإجابة فيما لو كان الخيار فقط بين إعسار اليونان على جميع ديونها (أي عدم قدرتها على سداد أي منها) وبين شطب جزء من ديونها. بعض الشيء أفضل من لا شيء ومع ذلك، يعتبر الوضع أكثر تعقيدا: تريد اليونان قرضا بقيمة 53.5 مليار يورو (حوالي 60 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاثة القادمة. هل يمكن لمصرفي إقراض مثل هذا المبلغ من أجل الاحتفاظ بفرصة للحصول على بعض المال المستثمر أصلا؟ إن مسألة حساب مقدار الخسارة التي يمكن أن تتكبدها البلدان الأوروبية فيما لو قُطِع التمويل عن اليونان ليست واضحة. فهذه البلدان معرضة لمخاطر اليونان جديا من خلال أربع طرق: من خلال قروض ثنائية مباشرة تم إصدارها كجزء من أول عملية إنقاذ في عام 2010؛ ومن خلال ضمانات على القروض الصادرة من قبل «هيئة الاستقرار المالي الأوروبية» وصندوق الإنقاذ التابع للاتحاد الأوروبي؛ ومن خلال مقتنيات البنك المركزي الأوروبي من السندات اليونانية؛ ومن خلال الهدف الثاني، نظام التسوية التابع للبنك المركزي الأوروبي الذي يمتلك فيه جميع أعضاء اليورو مطالبات مستحقة واجبة السداد على اليونان. ومن المشكوك فيه أن مطالبات الهدف الثاني، ما مجموعه 100.3 مليار يورو، ينبغي أن تكون حتى جزءا من المعادلة. هنالك أربع بلدان من غير الأعضاء في اليورو، وهي بلغاريا والدنمارك وبولندا ورومانيا، وهي جزء من النظام، وحتى لو تخلت اليونان عن عملة اليورو، فإنها سوف تستمر بتنفيذ كميات كبيرة من التعاملات التجارية باستخدام اليورو. إلى جانب ذلك، جزء من هذه التعاملات يعتبر مؤمنا مقابل رهان مقبوضة. المصرفي قد يقلق فقط حول ما تبقى من الديون، التي يبلغ مقدارها 211 مليار يورو بالقيمة الاسمية. وإن الإعسار اليوناني على سداد القروض الثنائية قد يعني خسارة مباشرة للبلدان الدائنة، لكنه قد يندرج تحت التعريف الكلاسيكي للتكاليف الهالكة: بمعنى أنه لا ينبغي على البلدان سد الثغرة في أي ميزانية عمومية من خلال اقتراض المزيد، كل ما في الأمر أنها لن تسترد أبدا أموالها البالغة 52.9 مليار يورو. هذا قد يكون أمرا مؤلما، لكن المدفوعات يتم نشرها على مدى 22 عاما، بدءا من عام 2020، وأسعار الفائدة ستكون فقط أعلى بمقدار 50 نقطة أساس من معدل فائدة يوريبور على القروض لأجل لثلاثة أشهر، الذي يقبع في نطاق سلبي حاليا. إذن تعتبر الديون أساسا بدون فوائد. بمعدل خصم يصل إلى 2 بالمائة، قد تكون القيمة الحالية للتسديدات حوالي 40 مليار يورو. وكذلك قروض «هيئة الاستقرار المالي الأوروبية» هي أيضا بلا فوائد تقريبا، مع انتشار التسديدات على مدى 32 عاما، بدءا من عام 2023. قد يطالب الصندوق أعضاءه بالضمانات فيما لو تعرضت اليونان للإعسار- رغم أن هذا لن يحدث إلا حين يتم تستحق الدفعات الأولى. قد تحتاج معظم البلدان إلى إصدار سندات جديدة لتغطية الضمانات، بمبلغ ضخم يبلغ 130.9 مليار يورو، ولكن من حيث القيمة الحالية، يصل المبلغ إلى أقل من 100 مليار. إلى جانب ذلك، الضمانات محتسبة أصلا في مستويات الديون للبلدان الأوروبية. والمدفوعات الوحيدة التي ينبغي على الأوروبيين القلق بشأنها الآن هي تلك المستحقة على السندات التي يملكها البنك المركزي الأوروبي. إجمالي المبلغ الذي تدين به اليونان هو 27.2 مليار يورو، مع 4.4 مليار مستحقة في يوليو وأغسطس من عام 2015، ومعظم الديون المتبقية من المقرر أن يتم تسديدها في عام 2017 وعام 2019. على أية حال، إذا أصيبت اليونان بالإعسار ولم تستطع الوفاء بالتزاماتها، فإن البنك المركزي الأوروبي لن يكون بحاجة حتى إلى إجراء أي مطالبات لرأس المال من المصارف المركزية في دول منطقة اليورو. وقالت شركة آر بي سي كابيتال مؤخرا: إن مقدار خسارة القدرة الاستيعابية للبنك المركزي الأوروبي نفسه كانت 36.3 مليار يورو في نهاية العام الماضي، أما خسارة نظام اليورو فهي حوالي 500 مليار الآن، وهو مبلغ تتضاءل أمامه الديون اليونانية. وفي المجموع، يبدو أن الخسائر المحتملة الناجمة عن إعسار اليونان الهائل تفوق الألم المترتب على استثمار مبلغ آخر يصل إلى 53.5 مليار يورو على مدى السنوات الثلاث القادمة. مع عدم احتساب تعاملات كل من البنك المركزي الأوروبي والهدف الثاني، قد تكون أوروبا تشرف على خسارة بالقيمة الحالية تقدر بحدود 140 مليار يورو. لو كنتُ أتصرف مثل أحد البنوك، قد تشعر أوروبا بالإغراء لتقديم المزيد من الأموال من أجل مساعدة اليونان على الوقوف مرة أخرى وسداد ديونها الضخمة. لكن المشكلة هي أن اليونان ترغب أيضا في إعادة هيكلة الديون، ومن الناحية المثالية هي تفضل شطبها، ولديها الكثير من المؤيدين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، الذي يَعتبر أن العبء الحالي غير قابل للاستدامة. ولا أحد يعلم كيفية تنظيم عملية شطب الديون، لكن إذا تم شطب نصف القيمة الحالية للديون القائمة، يصبح قرار الاتحاد الأوروبي كمصرف أمرا أصعب، وماذا لو كانت اليونان لا تزال غير قادرة على البدء بتسديد القروض القديمة بعد سنوات قليلة وعملية الإنقاذ الثالثة تضاف فقط إلى جبل الديون التي لا يمكن تسديدها أبدا؟ إنها قد تصبح مسألة ثقة بين المقرض والمقترض. وقد يميل المصرفي العادي إلى تقديم عرض جزئي للإعفاء من الديون، لكن دون تقديم أية قروض جديدة. فما الذي يدعو البنك إلى التضحية بالمال الجيد مقابل المال السيئ؟ بالنسبة للمساهمين في البنك - في هذه الحالة، دول الاتحاد الأوروبي - قد يكون من الأسهل أيضا قبول تكاليف هالكة بدلا من تبرير إنفاق جديد بنتائج غير مؤكدة. على أية حال، من الصعب تحديد مدى الفائدة التي يمكن أن تجنيها اليونان من مثل هذا الحل، نظرا لأن معظم الديون المعنية هي ديون مؤجلة وليست عبئا على الحكومة اليونانية اليوم. لو كانت فقط شخصا مدينا، وليست دولة ذات سيادة، فقد تشعر ببساطة بالإغراء في أن تصاب بالإعسار على جميع ديونها والبدء من الصفر. لذا، من المتصور أن بنكا عاديا قد يقوم فقط بتجاهل الأمر والموافقة على القرض الجديد فقط لتجنب عمليات الشطب الفوري. نظرا لجميع الآثار السياسية المتعلقة بخروج اليونان من اليورو وتعب السياسيين الأوروبيين من الأزمة - لم يكن أي أحد منهم قادرا على أخذ إجازة هذا العام بسبب المحادثات اليونانية! - فإن مثل هذه النتيجة هي الأرجح، أيضا. ولكن كما هي الحال بالنسبة لبنك يعزف عن تكبد الخسائر، سوف يأتي يوم الحساب في النهاية، ومن الصعب الاعتقاد أن حكومة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس، التي قبلت مطالب الدائنين بتطبيق إجراءات تقشفية لضمان الحصول على المزيد من المال، سوف تكون جيدة في تنفيذ برنامج تمت إزالته حتى الآن من البرنامج الذي آتى به إلى السلطة، وأن اليونانيين سيكون لديهم الكثير من الصبر لتحمل تجارب هذا البرنامج. قد يكون من الممكن تجنب الكارثة لسنة أو سنتين، لكن يبين الاقتصادي بول كروجمان بأن هنالك حجة تدعو لخروج اليونان أفضل من الحجة التي أتى بها تسيبراس بهدف تمديد قيام الدولة بتعذيب نفسها.