هل أصبحت القصة القصيرة فناً مغترباً؟ سؤال انبثق بعد صعود نجم الرواية وولادة القصة القصيرة جدا من رحمها بعد مسيرة شارفت على خمسين عاماً لها، حتى إن البعض أصبح يصف القصة القصيرة بأنها الفن الغائب، وذهب آخرون للحديث عن موتها، مقارنة بفن الرواية الذي يواصل حقبة ازدهاره والتي بدأت منذ نحو عقد من الزمان. وهذا ما يطرح أمام المهتم والباحث عدة تساؤلات حول مصير القصة القصيرة التي قطعت خلال مسيرتها شوطاً لا بأس به من التطور حتى كادت تنافس الشعر أكثر الفنون التصاقاً بحياتنا. فهل تعاني القصة القصيرة اليوم بوصفها أدباً مقروءاً من الانحسار؟ وهل بات الإقبال على هذا الجنس الأدبي في تضاؤل؟ أما زال هناك كتاب ينتجون قصصاً جيدة ومتميزة؟ ولماذا اختفت نجومية كتاب القصة مقارنة بكتاب الرواية؟ وهل أثرت عليها طبيعة العصر التقنية والاجتماعية؟ هل تتلاشى القصة القصيرة بشكلها الحالي لتحل محلها (القصة القصيرة جداً) لتكون بديلاً أكثر رشاقة؟ أم إنها تفسح المجال للرواية؟ أسئلة متعددة مطروحة أمام كل باحث في هذا الفن، فيما يتعلق بهذه التساؤلات أعتقد أن القصة بوصفها فناً لم تنحسر، بدليل توالي صدور المجموعات القصصية خلال عام 2014 - إذا أخذنا السعودية كمثال - واستمرار صدور الكتب النقدية عن هذا الفن، وهناك مؤشر آخر وهو كثرة القصص التي تنشر في الملاحق الأدبية والمواقع الإلكترونية، وبشكل مستمر. ولا أرى أن فن القصة القصيرة بدأ يتضاءل، بحكم متابعتي المشهد السردي أجد ولادة كتاب جدد للقصة القصيرة باستمرار. وما أقصده بالجدة، هم الكتاب المتمكنون من اللغة، ومن فن سرد القصة القصيرة بشكل متصاعد ومن أغلب البلدان العربية، إن لم يكن كلها. وحول اختفاء جماهيرية القصة مقارنة بالرواية، القصة فن قديم وراسخ، وله متابعوه، أما الرواية، فهي حديثة - بالنسبة لمجتمعنا السعودي بالذات - ومع انتشار وسائل النشر، وصدور روايات سعودية تجاوزت الكثير مما هو مسكوت عنه أخذت هذه المكانة العالية، بمعنى أن شهرة الرواية لأنها اشتغلت على جانب المسكوت عنه أكثر من الحالة الإبداعية والنضج الفني بعكس القصة القصيرة التي تعتبر متطورة تقنيا وفنيا أكثر من الرواية في المشهد السردي السعودي. ولو لم يلعب إعلام (الإثارة) ورقيا وإلكترونيا دوراً أساسياً في الحديث عن الروايات الجديدة، وتناول موضوعاتها بالقراءة والنقد (سلباً أو إيجاباً)؛ لبقيت في مسار صغير لا يتابعه غير النخب. القصة القصيرة لن تتلاشى بشكلها الحالي لتحل محلها (القصة القصيرة جداً) كبديل أكثر رشاقة. لأن القصة الصغيرة (ق. ج. ج.) فن صعب ولم ينضج بعد، رغم كثرة كتابه، إلا أن المبدع منهم قليل. لكنه لا يزاحم النصوص القصصية القصيرة التي تكتب بفن وإبداع، وبأدوات، ولغة متجاوزة. وحول ما يقال عن اختفاء صوت كتاب القصة مقارنة بالروائيين لا أظن أنه اختفاء بقدر ما هو صوت أعلى لنقاد ومحبي الرواية ومجال أوسع للحديث وتبني بعض عشاق الرواية الاحتفاء بشكل مذهل نوعاً ما. أما فيما يتعلق بالتقنية فحتما أثرت إيجاباً وليس سلباً على القصة، وأوصلت أصواتا لم نكن نعلم بوجودها، وكسرت حاجز النشر الورقي. فلا يجب أن نفرض فرضيات الانقراض لأي نوع من أنواع الأدب أو الفن، هناك شيء في الحياة عامة اسمه التطور، ستتطور القصة وتواكب العصر، ولا ننسى أن للقصة جمهورها ولست مع مثل هذه الأسئلة التي تتجه للمقبرة لتدفن القصة وتستخرج لها شهادة وفاة، الفنون موجودة باستمرار الحياة..