فقد الوطن علماً من أعلامه، ورجلاً من رجالاته أمضى حياته أستاذاً مفكراً ومنافحاً عن الحق والعدل والخير والسلام لوطنه المملكة العربية السعودية، وابناً باراً بمسقط رأسه؛ الأحساء وبأهلها، في حين كانت حدود فكره وتعّلقة ومحبته تمتد إلى كل شبر من الأرض العربية والإسلامية، التي عاصر كفاحها مع الاستعمار والتخلص من نيره، أطربته نجاحاتها، وما توخّاه من نهضة كانت توشك أن تبدأ في ربوعها، وعاصر إخفاقاتها، وآلمه بل وأمرضه الانحدار الذي دخلت فيه الأمة، في حال رديئة، جاءت في أيامه الأخيرة. راشد بن عبدالعزيز المبارك، لم يكن رجلاً عاديّاً تصاحبه وتنساه، بل كان مدرسة في العلم والأدب واللغة، مجالسته تثري الإنسان وتنير له سبلاً كانت غائبة عن الفكر، أدرك أن تخلف الأمة كان بسبب تخلفها العلمي، فصار داعية للتقدم العلمي، كان يسأل: ماذا قدمنا للبشرية في عصرنا الحاضر، من مخترعات وابتكارات تسهم في حياة أفضل للإنسان، وكان يرى أن العلم هو الطريق لنهضة الأمة ورقيها. كان يجمع بين رقة الحس ومحبة الجمال في الخلق والتكوين والمعاني، وصلابة الدفاع عن اللغة العربية وأصولها وقواعدها، كان راسخا في عروبته وانتمائه واعتزازه، رغم انتقاده لحال الأمة وشتات أمرها، ولا أنسى يوماً عاتبني، عندما نطقت اسم أحد الاشخاص، واسمه «العمرو» نطقت الواو كما ينطقها بعض أهلنا في القصيم فقال معترضا يجب أن لا تنطق الواو في «عمرو». كان لا يجامل ولا يداهن عندما يشعر أن هناك خطأ ما في اللغة أو التاريخ أو العلوم، بل يصحح ويعدل، يحاول أن يعطي كل ما عنده من علم للآخرين. كان أبا بسام رحمه الله كريما معطاءً لا يبخل بماله أو بجاهه على من يقصده ويتحقق من سلامة قصده، بل ويتبنى في حالات أموراً قد تحرجة، وكان المسؤلون يحترمونه ويقدرونه، ويعرفون أمانته و طيبته وحسن مقاصده. أبو بسام، من شعور عمق بتجربته الإنسانية، وسجيته المحبة للخير وبغضه للشر وأهله. هو من كتب عن الكراهية وحلل مصادرها واسبابها، باعتبارها مرض الشعوب الذي يجب اجتثاثه. رحمك الله أبا بسام بفقدك، فقد الوطن مواطناً باراً ناصحاً، وفقدت الأوطان العربية والإسلامية، أحد المنافحين عن الدين والعروبة، وفقد أهلك وأصدقاؤك سنداً وأخاً يصعب تعويضه، وفقدت الرياض نجم أحديتها، التي جعلتها منارة للعلم والعلماء، من جميع أقطار الأمة العربية والإسلامية، وكانت مقصداً لطلاب المعرفة والمهتمين بجميع فروعها. لقد كان الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك إنسانا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان راقية ونبيلة وجميلة. غفر الله له ورحمه رحمة واسعة.