صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية قد تكون عبارة ""مداد القلم"" في طريقها إلى الزوال، بعد أن أصبحت لوحة المفاتيح في أجهزة الكمبيوتر البديل عن القلم، إلا أن القارئ يظل هو مصدر اهتمام الكاتب ومحط أنظاره، وهو الشريك الذي يسعد بردة فعله، موافقاً، أو معارضاً، أو موضحا، ولهذا فالعلاقة بين القارئ والكاتب علاقة تكاملية، كلٌ منهما يبحث عن الآخر، وإن كان الكاتب أكثر احتياجاً للقارئ. البعض يعتقد أن الكاتب يسعد بمن يثني على طرحه فحسب، وهذا وإن كان صحيحاً في بعض جوانبه، إلا أن ما يبحث عنه الكاتب هو تفاعل القارئ، فالقارئ يمتلك من الرأي ما يفوق رأي الكاتب في أحايين كثيرة، والقارئ يتميز عن الكاتب بتعدد تخصصاته بقدر تعدد القراء، وإذا طرح الكاتب رأينا فقد يعلق عليه قارئ متخصص فيكون التعليق أقوى وأشمل. القارئ في زمننا الحاضر حينما يتابع كاتباً ويسعى للتواصل معه، سواء بالتعليق على المقال عبر بريد الصحيفة، أو في موقعها على الإنترنت، أو يتواصل مع الكاتب على بريده الإلكتروني، فهذا دليل اهتمام يجب أن يقدره الكاتب، ويوليه ما يستحقه من عناية، فالقارئ الذي خصص جزءاً من وقته لقراءة مقال والتعليق عليه، أمامه من مجالات المعرفة الشيء الكثير، ويستطيع في جلسة واحدة أن يقرأ لعشرات الكتاب، بعد أن جعلت التقنية هذا الأمر سهلا ومتاحاٍ للجميع، ولم يعد القارئ محصوراً بحدود كما كان سابقاً، فيتلهف على الصحيفة أو المجلة وينتظر صدورها ليقرأ ما يطرح فيها من آراء. والكاتب الذي هو قارئ قبل أن يكون كاتباً، لا ينجح إلا إذا احترم عقل القارئ، وأدرك أن لديه القدرة على التفريق بين طرح هادف، وطرح هايف، طرح يسعى إلى المصلحة العامة، وطرح ضدها. مناسبة هذا الحديث مرور ثلاث سنوات منذ بدأت الكتابة في صحيفة الاقتصادية، كتبتُ خلالها 356 مقالا، كان لتعليقات القراء ورسائلهم دورٌ بارز في الاستمرار، وفي إثراء ما طرحته من موضوعات، وبهذه المناسبة أستأذن القارئ الكريم بالرجوع إلى أول تجربة لي في الكتابة، وهي تجربة تعود إلى ما يزيد على ثلث قرن، حينما نُشر أولُ موضوع لي، وأنا في المرحلة المتوسطة، وذلك في مجلة الخواطر التي كانت تصدر أسبوعيا. أما لماذا في مجلة الخواطر اللبنانية، وليس في صحيفة أو مجلة محلية، فيعود ذلك إلى أنني كنتُ من المتابعين لمجلة الخواطر، بسبب زاوية كانت تأخذ حيزاً جيداً من المجلة، في تلك الزاوية وعنوانها ""اسألوني"" كان القراء يطرحون أسئلة فيجيب عليها محرر الصفحة، وكانت غالبية الأسئلة تتناول موضوعات تاريخية وسياسية وجغرافية، في وقت لم تكن وسائل المعرفة متاحة كما هي الآن. متابعة تلك الزاوية دفعتني إلى متابعة المجلة ككل وقراءة ما ينشر فيها من مقالات ومراسلتها، وكانت مجلة الخواطر تتيح للقراء من داخل المملكة فرص المشاركة في الكتابة فيها، حتى لا يكاد يخلو عددٌ من أعدادها من مقالات السعوديين. تلك كانت تجربتي الأولى في الكتابة، ثم كتبتُ في عديد من الصحف والمجلات، حتى حطيت عصا الترحال في صحيفة الاقتصادية الغراء، لأسعد بمشاركة زملاء أعزاء، وبتفاعل قراء كرام.