بعد أسبوعين من مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في مسقط رأسه يشتاط بنو عشيرته في القرية التي حولها الى مدينة أثيرة غضبا وخوفا ويحذرون من أن دماء فاسدة ستسمم ليبيا لسنوات مقبلة. ومن الصعب معرفة الى مدى قد يترجم الحديث عن الثأر الى أفعال لكن لا مجال لانكار الكراهية التي يضمرها أهالي سرت للثوار المنتصرين الذين أطاحوا بابن عشيرتهم وهي كراهية فاقمتها الاساءة التي تعرض لها القذافي بعد القبض عليه والتمثيل بجثته قبل أن تدفن في مكان سري. قال الحاج أبو محمد أحد أفراد عشيرة الزعيم المخلوع متسائلا : هل ستنسى اذا قتل شخص ما ابنك ظلما ؟ لا لن تنسى. الناس هنا لن تنسى أبدا. وكان الحاج أبو محمد يقف في مكان في وادي الجرف وهو واد في الصحراء قريب من سرت، حيث ولد القذافي ويقول سكان محليون: إنه مكان قبر والدة القذافي وثلاثة آخرين من أقاربه قام مقاتلون معادون للقذافي بنبشه وتدنيسه أثناء معركة سرت التي أنهت حربا دامت ثمانية أشهر. وقال : ستكون هناك عداوات دامية، والناس في سرت يضمرون عداء خاصا للمقاتلين من مصراتة تلك المدينة الكبيرة التالية لسرت التي تبعد حوالي 250 كيلومترا الى الغرب وينحون عليهم باللائمة في تدنيس القبور ومعظم أعمال التدمير والقتل في سرت, بما في ذلك مقتل القذافي نفسه. وهناك ثناء مسهب لعائشة بن نيران والدة القذافي مكتوب على الجدران خلف القبور ، وبجوار الثناء كتب حديثا على الجدار عبارة "لجنة هدم الأصنام". ويعتقد كثير من الليبيين خصوصا في مصراتة التي تضررت بشدة جراء القصف أثناء الحصار الذي فرضته عليها القوات الموالية للقذافي أن مقاتلي مصراتة يسوون الحساب مع شعب سرت لدفاعه عن القذافي وينتقمون لتدمير مدينتهم. وكانت قصص القتل والاغتصاب على أيدي قوات القذافي تروى خلف الأبواب المغلقة وتؤجج نار الغضب، ويشعر الموالون للقذافي في سرت وفي مناطق صحراوية أخرى حولها بمرارة تجاه الثورة التي أدت الى نزوح الآلاف من بيوتهم. ولا يزال بعض سكان سرت يحتفظ بصور القذافي مدسوسة سرا بين أمتعتهم، بينما يطلق كثيرون عليه اسم "الزعيم الشهيد" ، وقالت فتاة صغيرة من سكان سرت تعيش الآن مع عائلتها في مدرسة مهجورة في وادي الجرف وهي ترفع أربعة من أصابعها : لدينا فقط أربعة أشياء في حياتنا .. هل تفهمينني؟ ثم أخذت دفتر هذه المراسلة وقلما وكتبت فيه "الله. معمر . ليبيا. و... بس" كان هذا هو الشعار الذي يردده الليبيون في كل مكان في العهد السابق. وقالت الفتاة : عشنا في أمان مع معمر . لم نفكر قط في أن الحال سينتهي بنا للعيش في مدرسة. وأثار مشهد جثة القذافي البشع وهي معروضة في غرفة باردة في مصراتة أربعة أيام أيضا حنق أفراد عشيرته وأبناء سرت، وكذلك القرار اللاحق بدفنه في مكان سري في الصحراء ورفض طلب أبناء عشيرته بتسلم جثمانه ودفنه طبقا للاعراف. وقال الحاج أبو محمد : ذهب شيوخ عشيرتنا الى طرابلس لتسلم جثمان معمر ، لكن أهالي مصراتة رفضوا تسليمه، قالوا: لن يدفن مع المسلمين.. حفرنا بالفعل قبرا هنا لدفنه.. لكنهم رفضوا. وقال شخص آخر كان يقف على مقربة .. يخافون منه حتى بعد موته. ربما يخافون أن تندلع انتفاضة أو شيء ما اذا عرف الناس مكان قبره. ويخشى كثير من الليبيين من اندلاع حرب أهلية بين العشائر والمناطق اذا لم يقم المجلس الوطني الانتقالي بتخفيف حدة العداء الناجم عن الحرب والتعامل مع تركة الاسلحة التي تراكمت في شتى أنحاء البلاد. وقال عبد الله وهو شاب من عشيرة القذاذفة : ليبيا ثقافتها قبلية واذا لم يحققوا مصالحة بين العشائر فانها ستتحول الى حمام دم.