اتهمت المباحث الفيدرالية الأمريكية الأربعاء سورياً مقيماً قرب واشنطن بالمشاركة في جمع معلومات عن تحرّكات المعارضين للنظام السوري في البلاد، في الوقت الذي تتجه الأنظار إلى مخطط اغتيال السفير السعودي في الولاياتالمتحدة. وتنبّه الأمريكيون إلى أن السوري محمد أنس هيثم سويد يجهد في جمع المعلومات عن المحتجين والمتظاهرين ضد نظام الأسد، ما أثار علامات استفهام حول توافق سوري إيراني على تعطيل النشاطات المعارضة لنظام الأسد والتي قد تسهم في حشد رأي عام ضاغط على الحكومة الأمريكية لمنعها من استصدار قرار أممي ضده. وتشير مصادر الى أن هناك تحقيقات حالية لمعرفة الجهود التي قام بها السوري محمد سويد وأشخاص آخرون لمراقبة نشاطات الجبير، ولتسهيل عمل الإيرانيين في مؤامرة الاغتيال. ومن الأسئلة التي طرحت في واشنطن بعد إعلان وزير العدل الأمريكي ومكتب التحقيقات الفيدرالي عن المؤامرة الإيرانية لقتل السفير السعودي في واشنطن: لماذا عادل الجبير بالتحديد؟ وما فائدة إيران من المخاطرة بهذه العملية التي قد يكون ثمنها باهظاً؟ التحالف الايراني السوري الإجابة عن السؤال الأول يعرفها الكثير من النواب الأمريكيين وهي أن الجبير يقود حملة تتزايد قوتها يطالب نظام بشار الأسد بحل يقي الشعب السوري ويلات آلة التصفية النظامية التي تزداد شراسة يوماً بعد آخر. كان الجبير يتنقل يومياً بين أروقة الكونجرس الأمريكي والدوائر الحكومية مثل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لإطلاعهم على قلق العرب مما يحدث في سوريا. لكنه كان يواجه مجموعة قوية من نواب الكونجرس كانت تقف مع إسرائيل وتعترض على اي تدخّل دولي أممي في سوريا تبعاً لتوجيهات إسرائيلية تشير الى وجوب المحافظة على النظام السوري الحالي والذي يخدم إسرائيل وتطلعاتها لإبقاء الجولان ضمن حدودها. وواجه اللوبي الصهيوني في الكونجرس محاولات عصيّة من السفير عادل الجبير لثني اللوبي عن ايقاف تداول قرار بدعم الولاياتالمتحدة لمنع النظام السوري من ابادة شعبه. ويبدو ان الجبير اقترب من تحقيق اختراق مهم بعد تأسيس المجلس الانتقالي السوري ودعم تركيا وقطر له وتعهّد المعارضة السورية بأن تعمل من أجل السلام وضمن حل أممي للصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة. لكن الجبير صادف العديد من الصعوبات أولاها إصرار العرب على استعادة الجولان كاملة أسوة بالأراضي العربية المحتلة عام 1967، الأمر الذي أخّر السعي الأمريكي لتشريع الذهاب للأمم المتحدة لإصدار القرار الأممي ضمن الفصل السابع تجاه سوريا. وراقبت ايران وسوريا عن كثب الجهود السعودية والقطرية في واشنطن، وأصبح إيقاف مساعي السفير الجبير هدفاً مهماً للدولتين الحليفتين. وبدت مؤامرة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير التي اطلق عليها «شيفروليت» كمحاولة لإيقاف نشاطه المضاد لنظام بشار الأسد في واشنطن وكمساعدة إيرانية لحليفهم الذي يخشون فقدانه للأبد واضمحلال نفوذهم في المنطقة. تفاصيل المخطط لم يكن المخطط الإيراني الذي كشفت عنه اللقاءات بين العميل الأمريكي من أصل إيراني والضباط الإيرانيين وتجار المخدرات المكسيكيين يشمل قتل الجبير في بادئ الأمر، بل تشير الوثائق الأمريكية الى أن المخطط كان يهدف إلى تفجير السفارتين السعودية والإسرائيلية فقط. لكن في بداية أغسطس تم الطلب من العميل منصور اربابزيار الاتفاق مع العصابة المكسيكية على إضافة السفير السعودي عادل الجبير الى رأس قائمة الأهداف. كان اربابازير يتلقى التعليمات من علي غلام شاكوري وهو ضابط في فيلق القدس ومسؤول عن وحدة حزب الله الحجاز بحسب معلومات سرّبها معارضون ايرانيون.ويبدو أن الخطة الإيرانية تقضي بالاستعانة بعصابات المخدرات المكسيكية لإبعاد الشبهات عن ايران والإيحاء بأن الجريمة تتخذ طابع الجريمة الدولية المنظمة. ويقول المحقق الامريكي روبرت وولسزن الذي تابع القضية في تحقيقاته انه اصبح من متابعة القضية خبيراً في نشاطات الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس على وجه التحديد. وفي 24 مايو الماضي قام اربابزيار بالسفر الى المكسيك حيث قاده حظه العاثر وسوء تقديره إلى لقاء أحد رجال العصابات المعروفين الذي لم يكن سوى متعاون مع مكتب مكافحة المخدرات الأمريكية في المكسيك. وطلب العميل الايراني من رجل العصابات المكسيكي القيام بهجوم على السفارة السعودية في واشنطن عبر تفجيرها بشحنة من المادة شديدة التفجير «سي فور». وأطلع العميل المكسيكي رؤساءه الأمريكيين في مكتب مكافحة المخدرات على المخطط وبدورهم نقلوا المعلومات لمكتب التحقيقات الفيدرالية.وفي 23 يونيو الماضي سافر اربابزيار الى المكسيك مرة أخرى ليطلع العصابة المكسيكية على تغييرات في المخطط، ويضيف عادل الجبير ان رأس قائمة الأهداف حسب رغبة رؤسائه في ايران، وكان ذلك بالتزامن مع ارتفاع وتيرة نشاط الجبير داخل الكونجرس لتأييد التدخُّل الأممي ضد نظام بشار الأسد. العالم يستنكر أدان العالم اجمع المحاولة الدنيئة لاغتيال سفير المملكة في واشنطن عادل الجبير، وأعلنت الكثير من دول العالم عن تضامنها الكامل مع المملكة التي تقف دوماً الى جانب أشقائها العرب والمسلمين وتذود عن مصالحهم، كما أدانت البلطجة الإيرانية. وأعلنت بيانات الإدانة رفضها الشديد أي تعرّض بأي سوء ومن أي جهة كانت للمملكة أو أي من رموزها الوطنية أو أي شخص يمثلها». وأكدوا جودة وجوب أن تأخذ العدالة مجراها الكامل فيما يتعلق بالمخطط الذي تم الكشف عنه والذي كان يستهدف الجبير، وعلى ضرورة أن ينال من سوّلت له نفسه هذا العمل الشائن وأي جهة تقف وراءه الجزاء القانوني الرادع الذي يجعله عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يصبح أداة للنيل من قوى الخير في هذا العالم، خاصة المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يجسِّد كل قيم الإباء والتسامح والشهامة العربية الحقة. وأعلن أن واشنطن ستتشاور مع حلفائها بشأن هذه المؤامرة. وقالت مصادر سعودية إن المملكة لن تتسامح مع الاعتداء على سلامة مواطنيها، متوقّعة أن تعمّق محاولة اغتيال السفير السعودي الأزمة بين المملكة وإيران مشيرة إلى أن هذه المحاولة الاعتدائية قد تقطع شعرة معاوية بين البلدين، وأردفوا: «إن المملكة صبرت كثيراً على تصرّفات إيران العدائية وهي لن تسكت بعد اليوم». واعتبرت دوائر دبلوماسية أن استهداف السفير عادل الجبير يأتي باعتباره دبلوماسياً مهماً جداً يعرف واشنطن بشكل جيد وعلاقاته ممتازة مع الإدارة الأمريكية، وبالتالي هو هدف مهم جداً للإيرانيين. وزادوا: «لم يكن الهدف من العملية المزمعة دافعاً انتقامياً، ولو كان الأمر كذلك لقاموا باغتيال دبلوماسي سعودي في كراتشي، ولكن الإيرانيين اختاروا مكاناً صعباً جداً، مما يعني أنهم كانوا يستهدفون شخص الجبير لأهميته. من التسجيلات اتضح للمدعي العام الامريكي ما يلي: العصابة المكسيكية اقترحت على الايرانيين استعمال اربعة اشخاص لتنفيذ عملية اغتيال السفير السعودي وان العملية ستكلف مليوناً ونصف المليون دولار أمريكي.* * طلب رجل العصابات المكسيكي من العميل الايراني القيام بجمع معلومات متكاملة عن تحرّكات السفير السعودي في واشنطن، ووافق العميل الإيراني مفضلاً ان يكون اغتيال السفير أول العمليات المطلوبة من قبل الحرس الثوري الايراني.. بعد ذلك علق المكسيكي «أنتم تريدون الرجل المهم أولاً». * بعد القاء القبض على اربابزيار اعترف للمحققين الامريكيين بصحة المحادثة والتسجيل وانه طلب من المكسيكيين قتل السفير السعودي، وان تلك كانت العملية الأولى على أن تتبعها عمليات أخرى ضد مصالح سعودية. * واشار اربابزيار للمكسيكي إلى أن ابن عمه المطلوب للولايات المتحدة هو من يقف وراء العملية في ايران.. وظهرت صورة ابن عمه على شاشة محطة «سي إن إن» وهو لواء في جيش القدس وله علاقة بأعمال تفجيرات في العراق. وتشير تحقيقات المدعي العام إلى أن العميل الإيراني طلب من العصابة المكسيكية ان تقوم بعمليات لصالحه في المستقبل بعد ان تنجح عملية السفير السعودي، وتتضمن عمليات داخل وخارج الولاياتالمتحدة. ويفسّر محللون هذه المعلومات بأن ايران ستستعين بعصابات جريمة منظمة ضد أهداف سعودية في أماكن عديدة في العالم. * في 17 يوليو التقى العميل الايراني اربابزيار برجل العصابات المكسيكي حيث دار حوار مسجّل قال فيه المكسيكيللايراني ان احد رجال عصابته يتواجد حالياً في واشنطن. بعدها اطلع المكسيكيالايراني على صورة السفير عادل الجبير، حيث أكد الايراني أن الصورة هي صورة الجبير. بعدها بدأ المكسيكي يستعرض معلوماته عن السفير، حيث قال ان السفير السعودي يأكل مرتين اسبوعياً في احد المطاعم المفضّلة له.. وأن هناك من سبعة الى ثمانية رجال أمن يحيطون به. سأل رجل العصابات المكسيكي اربابزيار: ماذا يريد ابن عمك مني ان افعل؟ فردّ الايراني: اقتل الرجل.. حينها تساءل المكسيكي: سيكون هناك أمريكيون في المطعم، تريدني ان أفعلها في خارج المطعم أم داخله؟ ردّ الإيراني اربابزيار: لا يهم، لو فعلتها فيه وحدها قد يكون هذا جيداً، لكن احياناً ليس هناك خيار آخر. * في لقاء 17 يوليو زوّد المكسيكيالايراني برقم الحساب الذي يريد تحويل المبلغ إليه وكان في الولاياتالمتحدة، وخلال الحوار تطوّع ليعلم المكسيكي بأن ابن عمه ارسل له شخصاً يبدو انه ضابط كبير، حيث زوّده بمصاريف شخصية بلغت خمسة عشر ألف دولار في مظروف. ويشير المدعي العام الامريكي إلى أن الضابط لم يكن سوى «علي غلام شاكوري» العامل في جيش القدس التابع للحرس الثوري الايراني. خلال لقاء 17 يوليو، تموز بدا تخبط العميل الايراني واضحاً في مسألة الاضرار البشرية حيث عاد ليؤكد أهمية تنفيذ العملية ولو كلفت مئات الضحايا، المهم ان يقتل السفير الجبير.. وقام الايراني اربابزيار بسؤال المكسيكي: كيف ستنفذ العملية؟ فردّ الاخير بأنه سيفجّر المكان او سيطلق الرصاص عليه، ايهما يفضّل الايرانيون.. فكان الرد الايراني: «نعم لا يهم، المهم أيهما أسهل لكم، ومتاح». بعد الاتفاق بين رجل العصابات المكسيكي اربابزيار تلقى الحساب البنكي في الاول من اغسطس الماضي مبلغ 49.960 دولاراً من حساب بنكي خارجي لم تعلن عنه التحقيقات. وفي السادس من اغسطس اتصل اربابزيار برجل العصابات المكسيكي الذي سجّل المكالمة الهاتفية والتي تضمّنت تساؤل المكسيكي: هل تم دفع النصف الثاني من مبلغ المائة الف دولار الدفعة الاولى المطلوبة لتنفيذ عملية قتل السفير السعودي؟ كان رد الايراني إنه ارسلها في اليوم السابق وكشفت تحقيقات المدعي العام في التاسع من اغسطس أنها وصلت بالفعل إلى حساب رجل العصابات. كان العميل الايراني في20 يوليو قد سافر الى ايران للقاء ابن عمه كما يدّعي.. وهذا مما ساعد في الحصول على المال اللازم للدفعة الاولى في بداية اغسطس. في الثاني عشر من سبتمبر 2011 اتصل اربابزيار بزميله المكسيكي ليشجّعه على انهاء المهمة، وان المهام الاخرى في الطريق لكن الايرانيين يريدون من المكسيكيين القيام بأول عملية لإثبات جديتهم. وفي 20 سبتمير 2011 اتصل عبر الهاتف الايراني اربابزيار بالمكسيكي الذي قال له انه جاهز لتنفيذ العملية، فإما ان يزوّد بنصف المبلغ أي750 الف دولار او ان يحضر العميل الايراني اربابزيار شخصياً كرهينة حتى استلام بقية المبلغ بعد تنفيذ العملية. كان رد الايراني على الطلب المكسيكي انه سيذهب الى المكسيك «خلال يومين او ثلاثة، لا تنتظروني قوموا بالعملية». وفي الثامن والعشرين من اغسطس سافر العميل الإيراني اربابزيار الى المكسيك تحت عين الأمن الامريكي ليمنع من دخول المكسيك فيعود على الطائرة نفسها وبجواره على المقعد كان عملاء المباحث الفيدرالية الامريكية يرقبونه في صمت ليصلوا جميعاً إلى مطار جون كيندي في نيويورك، حيث تم اعتقال اربابزيار، وبالتالي انتهاء عملية دامت شهوراً من المراقبة الامريكية الناجحة والتخطيط الايراني الفاشل والمشاركة المكسيكية المتواطئة. الاغتيال 11 سبتمبر مصغر اعتبر المحلل السياسي السعودي عبدالله الشمري أن مؤامرة اغتيال السفير عادل الجبير كانت عبارة عن «11 سبتمبر» صغير لو كان قد كُتب لها النجاح.. وقال الشمري «إنه لم يعُد أمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوى الحزم تجاه إيران بعد الكشف عن محاولة الاغتيال الفاشلة، مشيراً إلى أنه لم يعُد هناك مناص أمام أوباما سوى الأخذ بآراء «الصقور» في إدارته. وأوضح أن مثل هذه العمليات ليست غريبة عن طهران، حيث سبق لها ان استعانت بعصابات مسلحة وتنظيمات إرهابية مثل القاعدة لاغتيال دبلوماسيين سعوديين في أنقرة وبانكوك. من جانبه أوضح الإعلامي الخبير بالشؤون الإيرانية نجاح محمد علي أن من الصعب التكهّن بمن يقف وراء محاولة عملية الاغتيال هذه، مشيرا إلى أن هناك خلافات كبيرة بين الفريق المؤيد للمرشد آية الله خامنئي المعروفين ب»التيار الأصولي» وبين المؤيدين للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقال في حديثه ل»العربية»: «ربما يكون أحمدي نجاد يعمل مع جهة في (فيلق القدس)، حيث كان هو أحد اعضاء هذا الفيلق، وبعد توقف الحرب العراقية الإيرانية كان أحد الضالعين في اغتيال الناشط الإيراني الكردي البارز عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي تم قتله في النمسا في 13 يوليو/ تموز 1989، كما كان أحمدي نجاد ضالعاً في اغتيال خلفه صادق شرفكندلي في مقهى بالعاصمة الألمانية برلين في عام 1992.