«أروح لمين.. وأقول يا مين ينصفني منك!» كلمات أغنية أم كلثوم هذه تنشد الإنصاف، وفي شؤون القلب فإن اللائم المعنف (العاذل) أقرب من المنصف (العادل). إلى أين تذهب طلبا للإنصاف عندما يكون حبيبك أو حتى غريمك كما يصفه الشاعر: «فيك الخصام.. وأنت الخصم والحكم»! لا تملك إزاء هذه الحالة إلا أن تسأل: «أروح لمين». وهو سؤال يكرره كثير من الحائرين الذين لا يعرفون إلى من يبثون شكواهم. فهنالك حالات تبقى فيها الإجابة عن هذا السؤال عائمة، خلافا للحالات ذات المعالم الواضحة المحددة. عندما يعتدي أحدهم جسديا على غيره يعرف المجني عليه إلى أين يتجه. وليس بحاجة إلى أن يسأل: «أروح لمين»؟ لكن حين يفقأ أحدهم مرارتك من الغيظ بسبب تصرف غير حضاري مثير للاشمئزاز، ولا يوجد ما ينص على تجريم ذلك التصرف، فإنك لا تملك إلا أن تقول: «أروح لمين»؟ إلى من تشكو حالك إذا ابتليت ذات يوم بثقيل كذلك الذي قال فيه الشاعر» «لَخَرطُ قتادةٍ ولَحَمْلُ فيلٍ، وماء البحرِ يُغْرفُ في زبيلِ/ وفكّ الماضِغَينِ وقلعُ ضرسٍ/ لأهون من مجالسة الثقيلِ»! يحال المجانين إلى المصحات العقلية، لكن حين يتعلق الأمر بالثقلاء فإنه لا توجد وزارة أو إدارة عامة لشؤون الثقلاء، كما لا توجد مادة في قانون العقوبات تدين الثقيل. هل تشكو الثقيل إذا ابتليت به إلى نفسه فينصفك؟ ذلك أمر محال. وقد أكد هذه الحقيقة الدكتور غازي القصيبي في كتابه الساخر: «100 من أقوالي غير المأثورة» فقال: «رابع المستحيلات: الثقيل الذي يعرف أنه ثقيل»! «أروح لمين» نقولها للثقلاء والبخلاء والمتعالمين والمتظارفين وذوي النفخة الكاذبة.. والقائمة تطول. ولعل من المفارقات العجيبة أن يعرف المجني عليه إلى أين يتجه، لكنه يحجم عن فعل ذلك. فالزوجات المعنفات والأطفال المعنفون يعرفون إلى أين يتجهون. هذه ليست مشكلة. المشكلة هي حين تعرف إلى أين تتجه لكنك لا تحرك ساكنا. ففي بعض بلدان أوروبا يجري التفكير في إيجاد ملاذات آمنة لإيواء الأزواج المعنفين، وفي أمريكا شكاوى كثيرة مقدمة من الأزواج، لكن شكاواهم تنصب حول إكراه زوجاتهم لهم على القيام بأعمال منزلية لا يستطيعون أداءها. أو التصرف في رواتبهم دون ترشيد. ولم يشتكِ رجل واحد تعرض للضرب على يد زوجته الناعمة. ولم يطرح زوج واحد سؤال أم كلثوم : «أروح لمين» رغم معرفتهم بالإجابة. لذلك تقبر حالات العنف الناعم في المهد «ولا من شاف ولا من درى!». وإزاء تلك الحيرة التي تلخصها عبارة: «أروح لمين» يلجأ الناس إلى النكتة للتعبير عن مواقفهم حيال بعض القضايا الاجتماعية والسياسية التي لا حول لهم فيها ولا طول؟ فالنكتة، كما يقال، رأي من لا رأي له. وهي شكل من أشكال النقد المر المغلف بطبقة رقيقة من السكر، أو هي مشنقة من حرير. فإذا لم تعالج النكتة وضعا شاذا فإنها تخفف قليلا من حدة الاحتقان الناجم عن أي سلوك مقيت أو وضع شاذ. لا أراكم الله مكروها! [email protected]