خلال تواجدة بمدينة جده، كان الفنان التشكيلي اللبناني أجود أبو زكي محل حفاوة أصدقائه التشكيليين السعوديين، ومحبيه من الوسط الفني عموماً؛ لدماثة أخلاقه ورقي تعامله ولتجربته الفنية المتميزة. أبو زكي وخلال زيارته للمملكة، زار العديد من صالات العرض بمدينة جدة، واطلع عن قرب على تجارب فناني المحترف السعودي وأعجب بالحراك التشكيلي.. وهذا الزخم من المعارض الفنية. وشارك ضمن فعاليات المعرض اللبناني (أسبوع لبنان في جدة)، والذي أقيم بمركز المعارض بمدينة جدة. (الجسر الثقافي) التقي الفنان أبو زكي عبر هذا الحوار: موضوع إنسانيّ ماذا تود قوله عن نصوصك البصرية وخصوصا "لوحة المغترب"؟ - في كل لوحة أرسمها هنالك رسالة ما أود إيصالها للمتلقي، وهناك موضوع إنسانيّ أحكي عنه. فأنا رسام تشكيلي مفاهيمي، أي أبني عملي الفني منطلقا من فكرة محددة العنوان ولكنها شاملة في مضمونها. وأضاف أبو زكي: "في لوحتي "حنين المهاجر"، وهي اللوحة الأساس في مجموعة لوحاتي التي نفذتها لمعرضي الأخير في جدة، قصدت أن أحكي قصة الاغتراب اللبناني، ليس من باب التأريخ أو التوثيق، فأنا لست صحافيا، بل تناولته من وجهة نظري كفنان تشكيلي، فدخلت إلى موضوع الاغتراب من باب تأثيره على نفسية المغترب وأحاسيسه وتفاعله الإنساني تجاه هذه النقلة المصيرية من حياته، فتكلمت عن حنينه الى كل ما ومن تركه خلفه.. تكلمت عن ذلك الوجع الذي يقطع الظهر، وذلك العزم الأكيد على ركوب موج الغربة بكل ثقة وقدرة على تحمل الفراق وقسوته، وكذلك أمل العودة. اللوحة والمتلقي كفنان تشكيلي.. ماذا تعني لك اللوحة؟ وهل يمكن اعتبارها كياناً.. أم فضاء إبداعيا.. أم ماذا؟ وكيف تقيمون الحوار بين اللوحة والمتلقي؟ اللوحة ومنذ لحظات ولادتها الأولى تبدأ مشوارها بالانسلاخ عنك كفنان، فأنت تُودع فيها كل أحاسيسك وخبراتك، وتأتمنها على اسمك وعالمك وعواطفك، ثم تُطلقها في سماء الإنسانية وعوالمها، فهي إذن في النهاية كيان مستقل بذاته، له فضاءاته الرحبة. اما الحوار ما بين اللوحة والمتلقي، فهو أولا وأخيرا مجموعة تساؤلاتك انت كفنان، وفلسفتك في آن معا، مضافا إليه المدى الذي تمكنتَ من عبوره في دواخل الذات الإنسانية عند المتلقي.. وهنا يكمن نجاح عملك أو عدمه. التقنية اللونية يعزو بعض النقاد والمتابعين لمسيرتك الفنية إلى اهتمامك المفرط بالتقنية اللونية على حساب عناصر رئيسية أخرى في العمل الفني.. ما تعليقك؟ - كما ذكرت سابقا، أنا رسام مفاهيمي أعتمد ما يسمى Conceptual Art، وهذا النوع من الرسم هو أصعب وأرقى وأعمق أنواع الفن التشكيلي؛ كونه يعتمد على أسس ثلاثة في عملية بناء العمل الفني، وهذه الأسس الثلاثة هي: الموضوع. التقنية التي ينفذ بها العمل. الألوان المختارة لبناء العمل وتنفيذه. إذا لا يمكن لك أن تفاضل بين دعامة وأخرى من تلك الدعامات الثلاث، ومن غير المنطقي أن تهتم بناحية منهم دون الأخرى، وهذا واضح جدا في كل أعمالي، فأنا لا أتّبع أسلوبا واحدا أو نمطا واحدا في بناء لوحتي، وأنت لن تجد لوحة من لوحاتي تشبه الأخرى حتى ولو في المعرض نفسه أو المرحلة ذاتها. وبرأيي، فقد اختلط هذا الأمر ربما في ذهن بعض المتابعين لأعمالي؛ كوني قد أسست معملا لتركيب ألوان الرسم، وهو الوحيد من نوعه في العالم العربي وربما الشرق الأوسط، وغالبا ما اتكلم عنه. وقد دخلت في هذا المضمار أولا لأخلق الواني الخاصة بناءً على متطلباتي انا، وحين بدأ الكثير من الزملاء الفنانين في لبنان يبدون إعجابهم ورغبتهم في الحصول على هذه الألوان توسعت في مجال إنناج اللون. وبرأيي قد يكون هذا ما جعل البعض وبشكل متسرّع يعتقدون أنني أركز اهتمامي على اللون أكثر من الموضوع، أو الأسلوب في لوحاتي وهذا خطأ. دور الفنان ماذا يعني اقتناء عمل فني لفنان.. وهل هاجس الاقتناء يؤرقك شخصياً ويؤثر على مسيرتك الإبداعية؟ - أبدا.. وهذا الأمر لا يشكل عندي أيَّ هاجس على الإطلاق، بل وبالعكس أتمنى أن يأتي يوم أستطيع فيه الاحتفاظ بغالبية أعمالي. أما أن يقتني الناس أعمالك، فهذا شيء جميل بلا شك. كفنان.. هل تضطلع صالات العرض في مجتمعاتنا العربية بدورها في تعزيز دور الفنان ومفهوم اللوحة في المجتمع؟ - بعض الصالات نعم والبعض الآخر لا، فالصالة كي تعزز دور الفنان أو تقرّب مفهوم اللوحة الى الناس، يجب أن تكون حاملة رسالة نشر الفن الحقيقي في المجتمع، حتى ولو لم يجلب لها هذا الربح الكبير. أما الصالات التي هدفها الربح فقط، فتؤذي الفنان وتحدّ من إمكانية استمراره. والجدير بالذكر هنا، هو تصنيف المقتنين للعمل الفني، فهم نوعان مختلفان: الأول يقتني حبا وإعجابا باللوحة. والثاني هو مستثمر بالفن التشكيلي، بعد أن اكتشف أن استثمارا في هذا المجال رابح بالمطلق. وفي النهاية فلن يبقى او يستمر سوى الفن الحقيقي والفن الأصيل. الفنان السعودي عرضت أعمالك في السعودية موخراً بالمركز الدولي للمعارض بمدينة جدة وحظيت بإعجاب الزاور، كيف تنظرون إلى الحراك التشكيلي السعودي؟ وهل هناك تجارب فنية لفنانين سعوديين أثارت اهتمامك؟ - في الواقع وكما تعلم أنها ليست المرة الأولى التي أعرض فيها بالسعودية، فقد كانت لي في العام 2010 جولة من ثلاثة معارض فنية، بدأت في السفارة اللبنانية في الرياض برعاية سفيرنا آنذاك اللواء مروان الزين، وله الشكر الكبير، ثم في جدة في غاليري العالمية ايضا مشكورة، وفي الظهران في أرامكو. وهذه السنة كانت في جدة في المركز الدولي للمعارض بمناسبة اسبوع لبنان في جدة، ولا بد لي من أن أشير أنه وبعد انتهاء المعرض الذي بيع فيه البعض من أعمالي، قد عرض لي ما تبقى منها، وايضا بعض الأعمال التي انجزتها هنا في جدة، اثنان من أهم الغاليريهات، وهما غاليري رؤية وغاليري العالمية. أما الحراك التشكيلي السعودي، فهو ناشط جدا، وقد لا يستطيع المرء أن يتابع كل المعارض التي تقام بشكل شبه يومي وربما أكثر من معرض في نفس اليوم. أما نظرتي لهذا الحراك وكل التساؤلات التي تُطرح أو التحليلات حوله مثل: هل أصبح للفن السعودي هويته الخاصة به؟ وهل وصل الى مصاف العالمية؟ أو استقل عن المدارس الغربية؟ هذه التساؤلات جميعها من الأولى أن يجيب عليها الفنان السعودي نفسه، أو الناقد السعودي بشكل خاص. وقد لفتتني فعلا تجربة الفنان السعودي الكبير والصديق عبدالله النواوي، وقد التقيته في معرض مهرجان الألف لوحة الذي نظمته أجنحة عربية في نادي الفروسية، وكان يعرض بضعة أعمال مائية إضافة الى اعماله المعتادة، وقد استوقفتني فعلا رغم انها ما زالت في طور الولادة؛ وذلك كون هذا النوع من الفن التشكيلي غير متداول في الأوساط التشكيلية الخليجية، وقد شجعته على المضي في هذا المجال، وأسعدني انه يحضر لمعرض خاص بالمائيات، وأتمنى أن تتحول تجربة النواوي الى خط جديد يُعتمد من قِبل غيره من الفنانين؛ لسد هذا الفراغ الذي يشكله غياب اللوحة المائية عن الفن التشكيلي السعودي والخليجي. أجوَد أبو زَكي.. سطور مضيئة فنان تشكيلي لبناني. وُلد في جبل لبنان، في مدينة عالية السياحية الجميلة، وترعرع بين أحضان الطبيعة اللبنانية الخلاّبة، حيث تشبّع من ألوانها وهوائها. درس الهندسة الداخليّة والفنون الجميلة. وبعد أن ابتدأ مشواره مع الرسم والشعر في سنٍّ مبكّرة. ابتدأ أعماله الفنيّة برسم المنظر اللبناني المميّز بتميّز طبيعة لبنان، وذلك بتقنية الرسم المائي، ثم انتقل الى الرسم الانطباعي التعبيري بتقنيات الألوان الزيتية والأكريليك. أقام العديد من المعارض الفنيّة الخاصة في لبنان، والعديد من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. تُعرض له مجموعة مميزة من الأعمال الفنيّة في اثنين من أهمّ جاليريهات مدينة جدة، وهما جاليري رؤية وجاليري العالميّة. أسّس في لبنان معملا خاصاً لتركيب الوان الرسم الفني من الأكريليك والزيت. لديه مدرسته الخاصة به حيث يعلّم الرسم الفنيّ والتصميم الداخلي، والعديد من برامج الكمبيوتر المساعدة للرسم والتصميم.