لم تكن بداية عهد محمود عباس باعثة على التفاؤل فيما يخص استئناف عملية السلام. فقد أعلنت حكومة ارييل شارون أنها تعلق اتصالاتها بالمسؤولين الفلسطينيين (عادت وتراجعت فيما بعد مثيرة شروطا ينبغي توفيرها)، ولم يمض على وصول خليفة عرفات الى رئاسة السلطة سوى بضع ساعات. كانت تلك طريقة غريبة في التعامل السياسي، لا تترك كثيرا من الخيارات أو الحظوظ للجانب الآخر. صحيح أن عملية انتحارية أخرى وقعت قتل على اثرها جنود إسرائيليون، وهو ما جعل الإسرائيليين عصبيين بشكل خاص. أضف الى ذلك أنه منذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000 سقطت مئات القذائف اليدوية الصنع على سديروت مما جعل حكومة شارون تعقد اجتماعا في هذه المدينة، لتوجه منه رسالة تحذير الى الفلسطينيين. وبالرغم من صعوبة الوضع، فإن انتخاب عباس يحمل رسالة ممن اختاروه رئيسا الى العالم كله... رسالة تقول: يعرف الأمريكيون والإسرائيليون أن هذا الرجل (أبو مازن) كان من مهندسي عملية السلام. أفلا يستحق أن يمنح فرصة لتحقيقه؟ المشكلة الآن تتمثل في معرفة ما هي نسبة الذين يوافقون على تمشي السلام الذي يمثله عباس بين الفلسطينيين ؟ من الواضح أن الذين يريدون الاستمرار في الكفاح المسلح لم يفقدوا الكثير من قوتهم، ومن الواضح أيضا أن السياسة الفلسطينية التي سترسمها وتنفذها السلطة بقيادة محمود عباس ستكون الى حد ما رهينة للمسلحين، الذين يمكنهم في أي وقت تعطيلها ودفع الإسرائيليين إلى الرد بعنف على عملياتهم. أي أن اتفاق الهدنة بين الفصائل وإسرائيل الذي يحاول عباس تثبيته قد لا يصمد أمام أول استفزاز من هذا الطرف أو ذاك. بعبارة موجزة : الوضع فعلا هش. وهو ليس هشا فقط بسبب حسابات الربح والخسارة بين اللاعبين الفلسطينيين، وإنما أيضا لأن بعض الأطراف الخارجية - العربية - تشجع على تسخين الجبهة الداخلية، حتى لا يقع سلام أبدا، بحيث تتمكن الأنظمة من توجيه الأنظار بعيدا عن المشاكل الداخلية نحو إسرائيل، أو العراق، أو أية حرب أخرى. لماذا تساند أنظمة ديكتاتورية يمينية متخلفة ما تسميه بالمقاومة المسلحة في العراق؟ ينبغي أن تسأل. هل الحكومة العراقية المؤقتة أكثر تحالفا مع الأمريكيين من تلك الأنظمة؟ ونفس الشيء يقال فيما يتعلق بالفلسطينيين. عن ميدل ايست اونلاين