لقد نزل القرآن الكريم من الله العزيز العليم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الداعي الأمين الى توحيد الله بالعبادة ونبذ كل ما سواه من المعبودات التي خضع لها الانسان احقابا متعاقبة إما جهلا أو انسياقا وراء اغراءات الشيطان الذي ازل والدينا عليهما السلام عن الالتزام بأمر الله تعالى واخرجهما مما كانا فيه من نعيم وعدهما اياه ربهما سبحانه وتعالى.. وعندما جاء الاسلام لينير عقول البشرية لم تكن مهمته الدعوة الى الالوهية بالمعنى الحصري للدعوة, وانما هي دعوة عامة شاملة كل خير.. دعوة تجلب السعادة والطمأنينة وصدق اليقين لمن يلتزم بشروطها ويسلك مسالكها الواضحة كالمحجة البيضاء وكان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احدى صفات المؤمنين من اهل الكتاب. قال سبحانه تعالى (ليسوا سواء, من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين ) الآية 113 - آل عمران. ففي هذه الآيات ميز الحق سبحانه وتعالى اولئك المؤمنين الذين يعبدون الله على بصيرة ويتبعون ما نزل في كتبهم الصحيحة من اوامر الله فهم بعد ان كملوا انفسهم بالعلم والعمل يسعون الى تكميل غيرهم إما بارشادهم الى ما ينبغي من الفضائل (الطاعات) او بمنعهم عمالا ينبغي من الرذائل (المحرمات). وأنيط هذا الأمر بأئمة اهل الكتاب في التربية والسياسة من الربانيين والاخيار حيث مسؤوليتهم (النهي عن المنكر) في قوله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) الآية 63 - المائدة. وقد روي عن ابي عباس انه قال: (ما في القرآن اشد توبيخا من هذه الآية) فهي توبيخ لعلمائهم اذا هم قصروا في الهداية والارشاد وتركوا النهي عن الشرور والآثام التي تفسد نظم الحياة للفرد والمجتمع. بعد ذلك التوبيخ لأصحاب النفوذ من اهل الكتاب الذين يتهاونون في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, جاء الأمر على المسلمين في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون). الآية 104 - آل عمران. يقول الإمام احمد مصطفى المراغي في تفسيره لهذه الآية: بعد ان امر الله سبحانه المؤمنين بتكميل انفسهم وتزكيتها عما يشوبها من الأدناس والأرجاس, والاعتصام بحبل الله المتين باتباع كتابه والجري على سنة رسوله اذا اختفلت الأهواء وتضاربت الآراء. ثم امرهم بتكميل غيرهم من افراد الأمة وحثهم على اتباع اوامر الشريعة وترك نواهيها تثبيتا لهم جميعا على مراعاة ما فيها من الاحكام والمحافظة على ما فيها من الشرائع والنواميس وان يكون في نفوس افرادها من حب الخير والحرص على ما فيه المصلحة لمجموعها ما يكون لحب الفرد لمصلحته وبهذا تكون بينهم رابطة تجمعهم في طلاب الخير لهم جميعا حتى تكون الأمة كأنها جسد واحد كما جاء في الحديث: (... إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) رواه مسلم. ثم اراد سبحانه وتعالى ان يؤكد لعباده المؤمنين مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميز الله بهما عباده الاخيار مما تنطبق عليهم الخيرية من اولئك الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر فقال سبحانه وتعالى (كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فقرن الخيرية لهذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الأمر الذي عابه سبحانه وتعالى على اصحاب الديانات الاخرى ممن لم يلتزموا بأوامر الله ولم ينتهوا بنواهيه.. ولم يقم زعماؤهم وحكامهم وعلماؤهم بحثهم على فعل الخيرات ونهيهم عن فعل المحذورات التي تتنافى مع فطرة الانسان او مع الذوق العام والاخلاق الحميدة. ولقد وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بعدة صفات كان واسطة العقد منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) الآية 112 من سورة التوبة. فهؤلاء الذين خصهم الله بهذه الصفات الطيبة اذا لم يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيكون ايمانهم غير مكتمل العناصر لأن الله وعد هذه الأمة بالتمكين في الأرض.. لأداء مهمات جليلة من صلب العقيدة هي الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله تعالى (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) الآية 41 من سورة الحج. ان هذه الآيات تدعو المسلمين دعوة عامة وصريحة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجزء من الدعوة التي توجه المسلمون وغيرهم للدخول في دين الله على هدى وارشادهم الى سبل الرشاد التي تقودهم الى الفلاح في الدنيا والآخرة وفي كتاب الله الكثير من الآيات التي تشدد على التذكير بهذا الموضوع الهام في حياة المسلمين منذ ان سطعت شمس الهداية برسالة محمد صلى الله عليهم وسلم على الجزيرة العربية.