الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد.. فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة بشرية وحاجة انسانية، يقول ابن تيمية رحمه الله: كل بشر على وجه الارض لابد له من امر ونهي، ولابد ان يأمر وينهي حتى لو انه لوحده لكان يأمر نفسه وينهاها. وهو من اخص خصائص هذه الامة، قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون). بل هو الواجب كما في قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن ابي سعيد رضي الله عنه: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل) رواه مسلم. وما ذاك الا لانه صمام الامان الذي تستقيم معه حياة الفرد والمجتمع، وبه يتحقق الامن والسلام بين الناس فضلا عن نزول البركات من السماء والارض لامتثال امر الله تبارك وتعالى وقلة الخبث في المجتمع وكثرة الصالحين. والمعروف: هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب اليه والاحسان الى عباده، وكل ما ندب اليه الشرع، وهى عنه من المحسنات والمقبحات. أ.ه. (النهاية لابن الاثير 216/3. والمنكر: هو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر. أ.ه (النهاية 115/3. يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله: فاسم المنكر يعم كل ما كرهه الله ونهى عنه وهو المبغض. واسم المعروف يعم كل ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به. (مجمع الفتاوى 348/15. ولا يخفى فضل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث عده العلماء الركن السادس من اركان الاسلام، وقرنه الله عز وجل بالايمان كما في قوله تعالى (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). كما قرنه الله سبحانه في سورة التوبة باقام الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم). وفي هذا ايضاح لعظم شأن هذا الواجب، وبيان لاهميته في حياة الافراد والمجتمعات والشعوب. فبتحقيقه والقيام به تصلح الامة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر، وباضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الامة وتقسو القلوب وتظهر الرذائل وتنتشر، ويعلو صوت الباطل ويفشو المنكر. كما انه من مهام الرسل عليهم السلام قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت). وهو من صفات المؤمنين.. قال تعالى: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين). اما اهل الفساد فصفتهم انهم (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون ايديهم نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون). الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين قال تعالى: (ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله اناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين). ومن واجبات ولاة الامر قال تعالى: (الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور). ان خيرية هذه الامة هي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). كما انه القيام به من افضل الاعمال، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما). انه من اسباب تكفير الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (فتنة الرجل في اهله وماله ونفسه وولده وجاره، تكفرها الصيام والصلاة، والصدقة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر). في القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر اعذار للامة امام الله (واذ قالت امة منهم لم تعظون قوما مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون). وفيه حفظ للضرورات الخمس: (الدين والنفس والعقل والنسل والمال). وترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي الى امور خطيرة منها: اولا: وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عزل وجل (فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن ان يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). ولما قالت ام المؤمنين زينب رضي الله عنها: (أنهلك وفينا الصالحون؟) قال لها صلى الله عليه وسلم: (نعم اذا كثر الخبث). وعن عبيد الله بن جرير قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يعمل بينهم بالمعاصي هم اعز واكثر من يعملونه، ثم لا يغيرونه الا عمهم الله بعقاب) اخرجه احمد وابوداود وهو صحيح. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اذا ظهرت المعاصي في امتي عمهم الله بعذاب من عنده، فقالت: يا رسول الله اما فيهم صالحون؟ قال: بلى، قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما اصاب الناس ثم يصيرون الى مغفرة من الله ورضوان). رواه احمد وغيره وهو صحيح. وروى البخاري عن النعمان عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعا: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم اعلاها وبعضهم اسفلها، فكان الذين في اسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فان يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا، وان اخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا). وجاء عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال: يا أيها الناس انكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتكم) وانا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب). اخرجه وابو داود واحمد والترمذي وهو حديث صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب) قال: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. والسبب في ان الله تبارك وتعالى يعم الجميع بالعذاب مع قوله تعالى: (ولاتزر وازرة وزر اخرى) قال الامام القرطبي رحمه الله: الجواب ان الناس اذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه ان يغيره، فاذا سكت عليهم فكلهم عاص، هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة). القرطبي 17/391 393. وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه فان لم يكن في الامة من ينهى عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده وفي هذا قال تعالى: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين). ثانيا: عدم اجابة الدعاء، قالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم). ثالثا: انتفاء خيرية الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: (والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأطرنه على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا، او ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم). فالذين لم يقوموا بأمر تبارك وتعالى قد لعنهم واعد لهم عذابا اليما كما لعن الله بني اسرائيل لعدم قيامهم بهذا الواجب فقال تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون). فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني اسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق اله ودع ما تصنع فانه لايحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم ذكر الآية وقال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو تقصرنه على الحق قصرا) رواه احمد والترمذي. رابعا: تسلط الفساق والفجار والكفار وتزيين المعاصي وشيوع المنكر واستمراؤه. خامسا: انتشار الجهل وقلة العلم. * ان من عظيم نعم الله تعالى علينا التي يجب شكره عليها آناء الليل واطراف النهار ان دولتنا قامت بهذه الشعيرة منذ تأسيسها حيث أنشأت (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) والتي تضم رجالا حملوا على عاتقهم تحقيق هذه الشعيرة، فنراهم في جهود تتوالى قل ان تغمض جفونهم او تستريح ابدانهم، فكم من خير نشروه، وكم من منكر في مهده قتلوه، وكم من حرمات حالوا دون انتهاكها، وقطعوا على الشيطان طريقه فيها. وان حقيقة الدور الذي يقوم به اولئك المرابطون اجلى من الشمس في ضحاها، وليس يخفى الا على من انطفأت بصيرته فانقلبت عنده الموازين. ان هذه الطائفة لما قطعت على أهل الباطل باطلهم بدأوا ينفثون سمومهم عليها فيلصقون الأكاذيب، ويهولون الأخطاء، وكأنهم يريدونها طائفة معصومة عن كل خطأ. من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ان وقوع شخص او اشخاص في خطأ عفوي او متعمد ليس مبررا للتجريح والتشهير، فلو أخطأ رجال من قوات الامن، فهل يعد ذلك مبررا للتنقص والشتم والمطالبة بتحجيم اجهزة الامن او الغائها، ولو أخطأ طبيب أو ممرض في عملية جراحية وأساء معاملة المرضى، فهل يعتبر ذلك مسوغا للتشهير به في الصحف والمجلات، ولو أخطأ قاض او قضاة، فهل يقول عاقل بوجوب حل الجهاز القضائي كاملا لأخطاء فردية بسيطة؟ ولو أخطأت صحيفة ما في نشر معلومة دون التوثق من صحتها او قامت بتحقيق يخالف الانظمة، فهل يعتبر هذا مبررا لاغلاقها او اغلاق الصحف كافة؟ ان الغمز واللمز والطعن لا يضير اولئك المحتسبين شيئا لانهم يعلمون ان ذلك سبيل قديمة قال لقمان لابنه وهو يعظه (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). وقال عمير بن حبيب بن حماسة رضي الله عنه الصحابي الجليل لأولاده موصيا لهم: اذا اراد احدكم ان يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر والأذى وليوقن بالثواب من الله، فانه من يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى، أخرجه الإمام احمد في الزهد. وهذا الامام احمد يخبر عمر بن صالح بمثل ذلك. قال عمر بن صالح: قال لي أبو عبدالله يعني الإمام احمد : يا أبا حفص يأتي على الناس زمان المؤمن بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار اليه بالاصابع، فقلت: وكيف يشار الى المنافق بالأصابع؟ قال: صيروا امر الله عز وجل يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضولا. قال: المؤمن اذا رأى امرا بمعروف او نهيا عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى، فقالوا: هذا فضول. قال: والمنافق كل شيء يراه، قال بيده على انفه، فيقال: نعم، الرجل ليس بينه وبين الفضول عمل. اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر القائمين على حدودك. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه. اللهم آمنا في اوطاننا، واصلح ائمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الداعية الاسلامي المعروف