على امتداد التاريخ كانت ولا تزال نظرة دول الشمال لدول الجنوب ملوثة بالاستعلاء ومقترنة بالفوقية، ومحكومة بالاستغلال للثروات الطبيعة المتوفرة في دول الجنوب، ويتجسد هذا الاستعلاء المقيت في العصر الحديث من خلال الحروب الصليبية، حتى جاء القرن الماضي حاملا معه لونا جديدا من الهيمنة على مقدرات الشعوب، هو الاستعمار أو الاستدمار كما يجب أن يسمى، وعندما تخلصت أو كادت دول الجنوب من السيطرة الأجنبية، أصبح الغرب لها بالمرصاد، وخلق بؤر الحروب والفتن في أكثر من موقع، وخاصة في المنطقة العربية، عندما جلب الكيان الصهيوني العنصري إلى هذه المنطقة، ليكون نصلا حادا في خاصرة العالم العربي والإسلامي، ولم يخالجه الشعور بالخوف على مصالحه في المنطقة، نتيجة هذه المؤامرة البشعة، وهذا الكيان هو الوجه القبيح المعبر عن الاستعلاء الغربي، وبه ينشغل العرب عن الحراك التنموي الذي يضعهم في موقف الند للدول الغربية، ولتضيق حولهم دائرة الآمال والطموحات في التقدم والازدهار.. وكلما حاول الشرق النهوض من كبوته.. سارعت دول الغرب لفتح باب جديد، لاستمرار نزيف الثروات العربية إلى خزائن المال الغربية.. بالحروب تارة، وبالأوبئة والأمراض والتخويف منها تارة أخرى. أن يكون الحوار مجديا لابد من توفر التكافؤ بين المتحاورين، وإلا لن يتحقق منه سوى ما يريده الطرف الأقوى، وهو بقوته الغاشمة يبرر الظلم والقهر والاستبداد، وتركيع الشعوب، دون الانتباه إلى التحول الواعي والمسؤول لدى هذه الشعوب التي تسعى لقلب موازين القوى.. لترجح كفتها في ميزان الحرية والعدالة والحقودول الغرب لا تتورع عن ارتكاب جرائمها ضد العرب والمسلمين، والوقوف إلى جانب الباطل الإسرائيلي ضد الحق العربي، وتبديد كل الجهود الرامية لإدانة الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة، من خلال (الفيتو) العدو اللدود للعدالة الدولية، كما انها تعمل على خلق مناطق التوتر في العالم وجني ثمار ما ينجم عنها من حروب طاحنة وأزمات حادة، والكل يعرف أحلام التقسيم التي تراودها لتمزيق الدول العربية، وتحويلها إلى دويلات ضعيفة تسهل السيطرة عليها والتحكم في مصيرها، ولتصبح في النهاية لقمة سائغة لإسرائيل، التي لاتحد أطماعها حدود، كما أنها لا تتورع عن التنكر لأصدقائها والتضحية بهم دون تردد، عندما يصبحون بأمس الحاجة إليها، حيث لا صداقات دائمة بل مصالح دائمة، وما جرى في دول ما يسمى بالربيع العربي، هو بداية طريق جديدة للهيمنة الغربية على مقدرات شعوب المنطقة. ما يقال عن حوار الغرب والشرق، أو المسيحية والإسلام، أو دول الشمال ودول الجنوب، ما هو في حقيقته سوى حوار من جانب واحد، يتحكم الغرب في مساره وفق آليات محددة، وأهداف معلنة، غايتها الحد من محاولات دول الجنوب وفي مقدمتها الدول العربية.. للنهوض والقيام بدورها المؤمل في تقدم شعوبها وتحقيق أمن المنطقة والإسهام في ازدهار العالم، ودرء الأخطار التي تتبناها الدوائر الرسمية والمؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية ضد العرب والمسلمين منذ ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر المعروفة، والتي فجرت كوامن الحقد الغربي ضد العرب والمسلمين، لدرجة تحريض كل العالم ضد كل ما هو عربي أو إسلامي، في سياق الاستعلاء والفوقية والفرعنة على العالم، وهي مؤشرات لا تتيح أي حوار متكافيء، بل هو حوار يهدف لفرض الهيمنة الغربية، وتمرير مشاريعها المشبوهة في المنطقة، وتأصيل ثقافتها بقيمها الانهزامية والهجينة، والعمل على احتكار التقنية المتقدمة، والسيطرة على البحث العلمي، وعلوم الفضاء والتجسس وأسلحة الدمار الشامل. أن يكون الحوار مجديا لابد من توفر التكافؤ بين المتحاورين، وإلا لن يتحقق منه سوى ما يريده الطرف الأقوى، وهو بقوته الغاشمة يبرر الظلم والقهر والاستبداد، وتركيع الشعوب، دون الانتباه إلى التحول الواعي والمسؤول لدى هذه الشعوب التي تسعى لقلب موازين القوى.. لترجح كفتها في ميزان الحرية والعدالة والحق.