قد تعجب من هذه العبارة وتتساءل عن معناها وما المقصود بها.. هذا ان لم تستغربها ولكن دعنا نكن صرحاء أكثر مع بعضنا البعض ونتساءل دونما حرج او تردد: ترى ما الذي أتعب الناس وارهقهم نفسيا وعاطفيا غير قلوبهم الطيبة التي ما فتئت تقودهم نحو أشياء ما زال صعبا عليهم الوصول اليها وتجاه أشيائهم أنفسهم غير قادرين على السير فيها؟ ماذا أتعبهم لولا جريهم وراء كل عواطفهم الجياشة واصرارهم على السير وراء سراب خادع أحيانا ووعود ليس لها أول من آخر؟ وأناس لا يستحقون الثقة التي منحوا إياها ولا يقدرون العواطف الصادقة المعطاة لهم ولا يشعرون بأحاسيس غيرهم من بني البشر؟ أشياء كثيرة عاطفية نتعامل معها بقلوبنا فتتعبنا ومع ذلك لا نستطيع سوى الاستمرار فيها! نعاهد أنفسنا على عدم المضي فيها واذا بنا نجد أنفسنا وبشكل يومي نعاود الكرة من جديد ونفعل الشيء الذي فعلناه بالأمس وما قبل الأمس لأن قلوبنا تريد ذلك, ولأن عواطفنا ترفض من يملي عليها شروطه ويحرمها من أجمل ما تشعر به وتتفاعل معه من مشاعر الحب الصادقة والاحاسيس النبيلة..خذ عندك ان شئت ما يجري للوالدين.. لك انت كولي أمر.. ترى ما الذي يتعب الوالدين في علاقتهما مع أبنائهما سوى إحساسهما بأنهما السبب في دلالهم الزائد مثلا او عقوقهم؟ إنهما في واقع الأمر وبكل حسن نية يريدان من هذا الابن مثلا ان يكون رجلا يعتمد على نفسه.. رجلا يفخران به. يريدانه ان يكون أفضل منهما في كل شيء ولكنهما يفاجآن به عكس ذلك لأن معاملتهما له إما أنها لم تكن حاسمة كما يجب او ان قدره هكذا ومع ذلك لا يستطيعان الضغط عليه لتقويمه لانهما يخافان عليه وعلى مشاعره ولديهما أمل في اصلاحه ولو بعد حين. انه قلب الأب الذي لا يمكن ان يقسو على ابنه إلا بهدف المصلحة وقلب الأم الذي لا يمكن إلا ان يكون رؤوما حنونا حتى لو كان هذا الحنان على حساب الابن فيما بعد وبشكل سلبي. الأمر الذي يجعلهما يشعران بالذنب تجاهه فيما بعد حينما يفرط منهما كل شيء ولا يعود لإصلاح ذلك الأمل الكبير وبالصورة المرجوة. والأمثلة على ذلك كثيرة.. وكثيرة جدا وكلها تدل على ان مشكلتنا الحقيقية في هذه الحياة هي مع قلوبنا. فنحن نعرف أحيانا بل كثيرا ان الوقوف مع شخصية ما بهدف مساعدته سوف يسبب لنا مشاكل عديدة لا حصر لها.. نحن في غنى عنها وغير مهيئين لها. نحن نعرف ان هذا الإنسان الذي نمد له أيدينا بكل صدق ونتعامل معه بكل ثقة هو إنسان سيىء السلوك غير منصف في تعامله معنا. ولنا معه تجارب سيئة او ان له تجارب سيئة مع غيرنا, ولكننا لسبب أو لآخر نعطيه الفرصة تلو الأخرى لعل وعسى! ونسمح لأنفسنا بأن نكلفه في ظروف معينة ومن ثم تكون الطامة التي نخشاها ولم نحسب حسابها وحينئذ نقول (ليت الذي جرى ما كان).. لقد كان كل شيء بأيدينا منذ البداية وكان بامكاننا ان نحكم العقل منذ أول تجربة ولكننا لم نحكم سوى لغة العاطفة التي (سحبتنا معها في داهية وأي داهية). ونحن حينما نقول ان مشكلتنا مع قلبنا فلا نبالغ ابدا لان الشواهد الحياتية والتجارب اليومية التي نمر بها شخصيا كثيرة وحتى مع أقرب الناس إلينا مع أسرنا وأقربائنا ومن ذلك مثلا انه قد يكون هناك خلاف عائلي مع احد اقربائنا فتحمل النفوس على بعضها وتبدأ مؤشرات القطيعة بين الارحام ولكنك وبحكم أصلك الطيب وقلبك النظيف ترفض ذلك وتقول (لا) للقطيعة.. لن أسمح بأن تصل الأمور الى هذا الحد من الجفاء وقطع صلة الرحم ووشائج القربى, بل سوف اتواصل معهم ولو من بعيد او من حين لآخر.. المهم ان تكون النفوس صافية. بل الأكثر من ذلك فانك تقول (سوف اثبت لهم انني الأفضل منهم) ولكن المشكلة انك لست وحدك المعني بهذا الموضوع, فهناك اخوتك مثلا وهناك زوجتك او والداك او أبناؤك فهل تستطيع ان تجبرهم على ان يكونوا مثلك اقصد ان يكونوا متسامحين مثلك.. على طول الخط وكأن شيئا لم يكن؟ هل تستطيع ان تطلب منهم دوما ان يستمروا في التواصل وزيارة أولئك الذين لم يعد في قلبهم لك تلك المودة المرجوة؟ انك قد تتحامل على نفسك وتتواصل مع الطرف الآخر سواء بالزيارات المنزلية او عبر الهاتف مثلا ولكنك حينما تشعر بأن هذا الطرف الآخر لا يحرك ساكنا ولا يبادر ولو مرة واحدة برد الزيارة او المكالمة الهاتفية ولو مجاملة ويشعرك من خلالها بأنه ما زالت لك مكانة لديه وانه لم يعد في النفوس شيء يستحق القطيعة فاذا وصلت الى هذه المرحلة من التفكير والقناعة حينئذ سوف تقول لنفسك ليكن من يكون فهو ليس أفضل مني ولم أحاول التواصل معه وهو لا يهتم ولا يكترث بي؟ هنا فان المسألة تتحول الى مسألة كرامة بالفعل وهي كانت كذلك لدى اخوتك مثلا ولكنك تحاول ان تقنعهم بعكس ذلك ولكنك اليوم لا تملك سوى ان توافقهم الرأي وان كان قلبك يتفطر الى ما آلت اليه الأمور ولكن عزاءك أنك حاولت وحاولت حتى آخر لحظة ولم تفلح ولكن بطيبة قلبك أيضا سوف يظل هذا القلب صافيا نقيا لا يحمل حقدا له بمعنى انك مع أول فرصة تقابله فيها لن تشعره بذلك وتعود اليه ان رحب هو بذلك وان كان هذا شبه مستحيل أحيانا لان هناك أشخاصا سبحان الله اذا كرهوا كرهوا واذا بقي في نفوسهم شيء فلا يزول مع مرور الأيام.. علما بأننا جميعا لا نأخذ من الحقد والحسد والتحامل سوى الاضرار بأنفسنا وكره الناس لنا ونفورهم منا لأن من يحقد ويحاول ان ينال من غيره لا بد ان يتضح كل ذلك على تصرفاته التي لا يمكن له ان يخفيها او يداريها ويكفي انك لا ترتاح اليه ولا تتقبله في أي مكان فماذا أكثر؟ ألم أقل لكم انها قلوبنا الطيبة هي ما تتعبنا وتسلب الراحة منا وتسرق النوم من أعيننا؟ ألم أقل لكم انها قلوبنا المتسامحة جدا هي ما تجعلنا نفقد حقوقنا من أناس لا يخافون الله فينا ولا يهمهم أمرنا او تعنيهم مشاعرنا؟ ألم اقل لكم انها قلوبنا الضعيفة جدا وشعورنا بالعجز هي من يجعل الآخرين ممن لا يستحقون فوق كل شيء بينما نحن من نستحق كل شيء تحت في كل شيء؟ وهي ما يجعلهم يفرضون علينا أوامرهم ويتوقعون منا ان نستجيب لهم فورا وفق ما يريدون دون نقاش او حتى مجرد تفكير؟! اعرف انك قد تحزن الآن وقد تتضايق ويتكدر خاطرك وانت تسمع هذه الكلمات توجه لك وكأنك أنت المعني بها واعرف انك ربما قلت لنفسك هذا صحيح ولكن ماذا أفعل وهكذا وجدت نفسي؟ ولماذا الآن بالذات احاول التغيير وانا غير قادر عليه؟ ان البعض منا ولعلهم كثر يتمنى الإنسان منهم ان يكون قاسي القلب ليست لديه مشاعر تضعفه كي يستطيع أخذ حقوقه بنفسه دون ان يسلبها منه الآخرون وهو يشاهد ولا حول له ولا قوة لان قلبه ضعيف لا يستطيع الرد او لأنه غير قادر على قول كلمة (لا) في الوقت الذي يقول فيه (نعم) ومع ذلك فنحن لا ندعو الى ان نكون بهذه الشخصية الضعيفة وبتلك الصورة المتشائمة مهما نظر الينا الآخرون على اننا أقل منهم او اننا اضعف من ان نكون مثلهم. نحن لا نطالب بذلك أبدا بل بالعكس ان أجمل ما فينا قلوبنا الكبيرة الرحيمة التي وهبنا الله إياها. نحن بحاجة لقلوبنا الطيبة كي نعرف كيف نتسامح ونغفر لمن أساء لنا. نحن بحاجة لقلوبنا الضعيفة لانها تمنعنا باذن الله تعالى من عمل أي شيء يغضب ربنا او يسيء إلينا او ينتهك حقوق الآخرين ونحن لا نرضاها لأنفسنا. هذه القلوب التي نتضايق منها أحيانا لانها توقعنا في مآزق محرجة نحن بحاجة اليها لأن تشعرنا كم نحن ضعفاء أمام مخلوقات الله عز وجل وكم نحن بحاجة لأن نكون معا وسط أجواء رائعة ليس أقلها روعة سوى وجودك فيها وأنت تظلل من حولك بحبك وتغمرهم بحنانك وتحيطهم بمشاعرك الحلوة ومع ذلك أقول ان المشكلة قلبي فهل أنت كذلك؟ آه لو يطاوعني قلبي ويسير وفق هواي آه لو يصغي إلي قليلا ويعيرني انتباها! آه لو يستمع الي مرة واحدة دون ان يقاطعني آه لو يلتفت الي حينما أنصحه ولا يعطيني ظهره @@@@ آه لو يدري هذا القلب مدى خوفي واشفاقي عليه ومدى حبي وحرصي الشديد له اذن لما وصل إلى ما وصل اليه من تعب وقلق وتردد لما أتعبني واشقاني معه وكأنه مكتوب علي التعب معه ولما أشعرني بالذنب تجاهه وكأنني المتسبب فيما هو فيه @@@@ ولكن.. ما حيلتي؟ ماذا أفعل معه؟ وأنا غير قادر عليه؟ ماذا أقول له؟ وهو لا يصغي لي أصلا؟ ولا يعترف بشيء. سوى ما يمليه عليه قلبه؟ قلبه الذي طالما أضناه وأشقاه؟ @@@ وكيف أقنعه؟ بأن هذا القلب الذي بداخله هو مصدر ألمه وسبب تعاسته واخفاقاته واحباطاته؟ هو سبب ما هو فيه من هم وغم.. @@@@ كيف أوضح له أن يرى الحقيقة بمرآة الواقع من دون غشاوة على عينيه وألا يثق بأي إنسان لمجرد مظاهر خداعة او كلمات مغشوشة وعبارات جوفاء. @@@@ كيف أقنعه بأن الواقع هو أنا.. ولا أحد سواي وان الحقيقة موجودة لدي أنا يا من يحبك ويخاف عليك ويتمنى لك الخير في كل خطوة تخطوها وفي كل لحظة تقضيها مع نفسك.