طلت علينا بواكير النخل في ديارنا هجر المحروسة، ممثلة في الرطب.. بعد عام من الغياب. اجل.. اننا متلهفون لمذاق تلك البواكير الشهية، المشهورة منها: كالغر، والمجناز، وقبلهما "الطيار".. وغير المشهورة كالكاسبي، والعدابي، والشكيمي، والحليلي. و"الغر" هو شيخ هذه البواكر وله يتعصب معظم الاحسائيين. واصله بضم الغين الموحدة، ونظرا لسهولة الفتح على اللسان آثروا فتح الغين، قلت وغرة الشيء اوله ومنه غرة الفرس وهو البياض المشرق كالشمس على لطاة الفرس قال احد الشعراء القدامى يصف فرسا ادهم اللون، وقد احسن في تشبيه غرته بالثريا وكأنها نور الصبح حينما يشرق ويتنفس بين استار الليل البهيم اثناء وداعه.. وادهم يستمد الليل منه وتطلع بين عينيه الثريا ومن ذلك قولنا: غرة المحرم، لكونها الشهر السنوي الاول.. الخ وبسرته صفراء.. ما أحلاه حينما يخرف في زنبيل من الخوص.. وقد حف بالدخن "ارقى انواع الحشائش الباسقة" او بأوراق اللوز العريضة من يره بهذه الصورة الطبيعية الخالبة فانه يرى لؤلؤا منثورا. وتسمى نخلته "الغرة" و"الغراء" وهي نخيلة طيبة اصيلة ترتفع طويلا وتعمر، وجذعها قوي، وعذوقها كثيفة وثقيلة وقل ان تشيص اذ انها ليست بالشرهة اثناء التأبير "التلقيح" فخمسة شماريخ مذكرة من عذق ذكر النخل "الفحال" تكفيها وهذا عكس الخلاص والشيشي التي تلحق البواكير، فترطب في منتصف الموسم الصيفي. وقد تبارى الشعراء في التغزل ب "الغراء" وهي تعد من المواحيد "الموحد" وتمرها لا ينفع الا لمن يشتهيه اذ تعلف به الحيوانات "اكرمكم الله" شأنها شأن معظم تمور الاحساء غير الخلاص "اطيب انواع نخيل الاحساء" والشيشي "ابو طوق" او "ابو عمامة"، والرزيز. وجماله في رطبه. هاهو الشاعر الكبير عبدالرحمن بن عبدالله العمير يقول: ان البواكير في الاحسا طليعتها وخيرها رطبا لاشك غراء! وللشاعر الكبير ابراهيم العبدالقادر معلقة رائعة في "الغراء" .. منها عجبت لمشتاق تغزل في الغرا وفاقت ثناء من بدائعه الغرا وقد عارضها الشاعر الاحسائي الكبير الفقيه اللغوي الرحال في طلب العلم حيث مكث في مكةالمكرمة نصف قرن قبل وفاته العام الماضي اذ نظم على البحر الطويل العميق قائلا: لقد هيجت قلبي قصيدتك التي اثارت لاشجاني لما قلت في الغرا وللشيخ ناصر الداوود "رئيس محاكم المبرز سابقا" مداخلة نقتطف منها: خليلي.. ان النخل شخص خريدة لانواعها شبه بأغصانها الاخرى ف "طياره" ساق، "رزيزاؤه" صدر و"شهلاؤه" ظهر، و"غراؤه" الثغرا لم يكتف العلامة الشيخ عبدالرحمن الملا بما قال سابقا في معارضته الشيخ العبدالقادر بل تفاعل مع المداخلة الداوودية حيث غرد شاديا: اتتني فتاة منك تلتمس العذرا اخي يافتى العلياء ياحئزا فخرا لئن كان هذا الشيخ زل لسانه فأخطا بما قد قال في ذمه الغرا وللشيخ احمد الماجد زائيه لطيفة نظمها على البحر البسيط: ان النخيل لفي الاحساء مفخرة وكل انتاجها في الذوق ممتاز وفي البواكير منها خير فاكهة وافضل الكل "غراء" ومجناز ومعظم هذه الاشعار مداخلات رائعة خالدة ابتدأها مربي الاجيال الاديب الكبير الشيخ عثمان الصالح. وحمى الله جمار نخلنا "الجذب" من السوس وحمى عذوقها من داء (الغفار) وابعدها عن الغبار (مصيبة هذا العصر) مهما بالغنا فيه؛ قائلين: انه كحل العيون!!