«سدايا» تعزز مشاركة السعوديات في مستقبل الذكاء الاصطناعي    الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    الإدارة الجديدة تكبح الفلول وتبسط سيطرتها.. سوريا.. العمليات في الساحل تقترب من نهايتها    الاحتلال الإسرائيلي قتل 12316 في غزة.. نساء فلسطين يواجهن التهجير والتجويع    زيارات أوكرانية وروسية وأمريكية مرتقبة.. السعودية تحتضن حراكاً دبلوماسياً عالمياً لترسيخ السلام    في ختام الجولة 24 من" روشن".. التعاون يقسو على ضمك.. والاتفاق يعبر العروبة    قطبا مدريد يخوضان ديربيين في سباقهما على اللقب    في الجولة 25 من دوري" يلو".. الحزم يواجه الجبلين.. والبكيرية في اختبار الجندل    1340 حالة ضبط ممنوعات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    ضبط أكثر من 20.7 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    نادي الأخدود الرياضي يحتفي بيوم المرأة بشراكة مجتمعية    عبر أنشطة وفعاليات ثقافية.. برامج رمضان في جدة التاريخية تعزز التراث والأصالة    الموت يغيب أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح    أسعار الذهب تتراجع بشكل طفيف مع تحقق مكاسب أسبوعية    المرأة السعودية.. شريك أساسي في بناء المستقبل بفضل رؤية القيادة الرشيدة    أمين منطقة القصيم يفتتح مقر حملة جود القصيم    «الزعيم» يختلف عن «السداسي»    كنو يمدد عقده مع الهلال    النجم الأزرق .. المصيف .. القارة والعلمين تصعد لدوري الدرجة الثالثة    سباق أشباه الموصلات    المملكة ترأس "وضع المرأة بالأمم المتحدة"    الدوادمي الأعلى في الأمطار    سارة بنت خالد ترعى حفل السحور السنوي ل"إنسان"    370 كشافاً يقدمون خدمات إنسانية لزوار المسجد النبوي    الفاخري: الإصلاحات في المملكة عززت مكانة المرأة    الملك وولي العهد يتبرعان ب70 مليون ريال ل«حملة العمل الخيري»    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تحصل على شهادة الريادة الذهبية في تصميم الطاقة والبيئة النظيفة LEED    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    "مشروع الأمير محمد بن سلمان" يجدد مسجد الدويد بالحدود الشمالية    «رواشين» التوسعة.. لمسة تراث وتخليد تاريخ    تقنيات عالية لأنظمة الصوت بالحرم المكي    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    حملة "صم بصحة" تسجل ملياري خطوة    الصيام الإلكتروني    أمير نجران يقلد الشمري رتبته    نائب أمير حائل يستقبل العياد    فلسفة الطير: حكمة العلوّ ورؤية ما لا يُرى    حين تربي طفلك فأنت تصنع مجتمعا    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لأمن وطمأنينة قاصدي الحرم النبوي    المرأة ومأزق المربع الأول    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    "حارة الأحمدي" تقيم أطول مائدة رمضانية في جازان من صنيع الأمهات    %59 من السعوديين لا يمارسون الأنشطة الثقافية.. وجازان تتصدر    براءة اختراع لكشف سوسة النخيل    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    موقف لودي من مواجهة الهلال وباختاكور    الفتح يعاود تدريباته و "دجانيني" يواصل برنامجه العلاجي    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    Pressreader: السعودية الخيار الجذاب للدبلوماسية العالمية    أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    صناعة المدير الجنرال    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب المسجد الحرام: القدوةِ الحسنةِ ضرورةٌ حتمية في حياة المسلم
دافع لاستنهاض الهمم
نشر في الوئام يوم 27 - 10 - 2017

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: إن وجود القدوةِ الحسنةِ في حياة المسلم ضرورةٌ حتمية، ليُقتدى بها وتُكتسبَ منها المعالمُ الإيجابية, وتكونَ دافعا حثيثا لتزكية النفس واستنهاض همتها والارتقاء بها في مدارج الكمال .
وأوضح أن من فضل الله على أمة الإسلام أن اختار صفيَّه ومصطفاه وخيرتَه من خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون خيرَ قدوة لها في امتثال هذا الدين، والالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، مستشهداً بقوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ).
وبين فضيلته أن من جوانب القدوة في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثباتَه على الدين حتى أتاه اليقين ، مبيناً أن الله تعالى ثبّت نبيه على دينه وأيده بنصره وأعزه ومكنه وأعانه في كل أحواله، فكان مثالا يحتذى في التزام الإسلام حتى الممات .
ولفت الشيخ غزاوي الانتباه إلى أن من صور ثبات الرسول الكريم صل الله عليه وسلم التمسك بالوحي كما أمره الله بقوله : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ) ، مفيداً أن النبي صلى الله عليه وسلم التزم هدي ربه وتمسك به على الرُّغم من محاولة المشركين صرفه عن حُكم القرآن وأوامره، قال الله تعالى ممتنا على رسوله ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتّخَذُوكَ خَلِيلاً , وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلا﴾.
وأشار فضيلته إلى أن من الصور الجلية في هذا الجانب ثباتُه على عبادته لربه ومواظبتُه واستمراره في العمل , وهذا يتمثل في صبره على طاعة الله واجتهاده في اغتنام القربات وكسب الحسنات فعن عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ: لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال:( أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا ).
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "إن السائر الى ربه عز وجل مشفقاً على خواتيم أعماله ونهاية مآلاته ، ويجب الا يركن ولايدل على ربه بعمل ، أنما يسأل الله القبول ويرجوه حسن الختام"، مؤكداً أن العبرة بالخواتيم هي حقيقة تشرع الأبواب وتفتح الآمال لمن فرط في سالف أمره .
وكشف فضيلته أن من صور ثباته صلى الله عليه وسلم ثباته على الأخلاق والمبادئ والقيم , حيث بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذروةَ الكمال الإنساني في سائر أخلاقه وخصاله، وفي جميع جوانب حياته ، وقال أن التوازن في صفاته صلى الله عليه وسلّم مثالٌ على ثباته، فحاله على منوال واحد ثابتة مع تغير الأحوال والظروف, فنجده هو نفسه في رضاه وفي غضبه، فلا يظلمُ ولا يسيءُ عند الغضب، وكان لا يغضبُ لنفسه ولا ينتقمُ لها بل كان غضبُه عندما تنتهكُ حرماتُ الله , كما أنّه لا يتغيّر في حال الحرب عن حال السِلم فلا يغدُرُ، ولا يُمثِّلُ، ولا ينقضُ العهود والمواثيق ولا يقتل وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا كبيرًا ، وهو رحيم من دون ضعف وحليم بلا عجز ومتواضع من غير ذلة ، آمن خصومه لِمَا رأوه من صدقه وأمانته ووفائه وكريم خصاله.
وبين أن من الصور ايضاً ثباته صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله إذ ظل في مكة يدعو الناس إلى "لا إله إلا الله" وإلى عبادة الله، ويحذرهم من الشرك بالله ومن عبادة الأوثان، سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً ، لايكل ولا يمل ، كما أن من صور ثباته صلى الله عليه وسلم كذلك وقت الشدائد والمحن ، ففي يوم حُنين تعرّض المسلمون إلى محنة شديدة وبلاءٍ عظيم حينما اغتروا بكثرة عددهم فلم تغن عنهم شيئاً ،وانقض عليهم المشركون وكادوا أن يهزموهم لولا أنْ أنزل اللهُ السكينةَ عليهم وثبت رسولَه صلى الله عليه وسلم الذي أخذ يدعو الفارين من المعركة، ويقول: "هَلُمُّوا إليَّ أيها الناس، أنا رسولُ الله، أنا محمدُ بنً عبدالله"، ولم يبقَ معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار، ثم بدأ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ وهو يقول : "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطلب في شجاعة عظيمة وثبات عجيب .
ولفت فضيلة الشيخ غزاوي إلى إن الثبات في أيام الفتن ووقت المحن والبلاء فضله عظيم وأجره كبير ، ولذلك بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتَ على دينه بأجر خمسين من الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من ورائكم أيامَ الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبيَّ الله أو منهم ؟، قال: بل منْكم )، مشيراً إلى أن الثبات بيد الله وحده , وهو نعمة إلهية ومنحة ربانية والنبي الكريمُ المؤيدُ بالوحي والموعودُ بالنصر والتمكينِ يطلب عونَ ربه ويدعوه أن يثبته.
وقال: فما أحرى المؤمن أن يسأل الله الثبات من قلب صادق ويلجأُ إليه متضرعا ألا يُزيغَ قلبَه ولا يفتنَه بشيء من زهرة الحياة الدنيا , وفي المقابل يحذر أن يكون ممن وصف الله عاقبتهم بقوله : { فتزل قدم بعد ثبوتها } ، محذراً أن يكون المرء على الاستقامة فيحيدَ عنها ويزلَّ عن طريق الهدى والحق.
وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن الثبات على الدين لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ إنما يكون بفعل هذه المواعظ وامتثالها في واقع الحياة ، والثبات معناه الاستمرار في طريق الهداية والالتزام بمقتضيات هذا الطريق والمداومة على الخير والسعي الدائم للاستزادة من الإيمان والتقوى .
وفي المدينة المنورة، بيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان أن الصبر على الفتن والمحن والابتلاء عاقبته نصر من الله وتمكين لعباده المؤمنين الموحدين, مشيراً إلى ما مرّت به الأمة في سابق عهدها من ابتلاء وظلم للصدّ عن دين الله, حتى تحقّق وعد الله بنصر هذا الدين وأوليائه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: إن ما تمرّ به الأمة الإسلامية اليوم من فتن وبلاء, ومحن ولأواء, وتسلّط الأعداء, إنما هو امتحان وتمحيص ومقدمة لنصر مبين, وعزّ وتمكين بإذن الله رب العالمين, فقد قال تعالى : " مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" وقال عز وجل " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ".
وأضاف فضيلته قائلاً : لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار, فيوضع على رأسه فيجعل على نصفين, ما يصرفه ذلك عن دينه, ويمشّط بأمشاط الحديد من دون عظمه ما يصرفه ذلك عن دينه, والله ليتمنّ الله هذا الأمر, وقال عز وجلّ " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، مستشهداً بما كان عليه المسلمين في عصر النبوة من ابتلاء ليتركوا هذا الدين.
وأوضح أن أول من أظهر الإسلام سبعة, رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق, وعمار, وأمه سمية, وصهيب, وبلال, والمقداد رضي الله عنهم, فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمّه أبو طالب, وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه, وأما سائرهم فأخذهم المشركون فساموهم سوء العذاب, فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا, إلا بلال, فإنه هانت عليه نفسه في الله, وهان على قومه, وقام المشركون بإيذائه وتعذيبه لعله يرجع عن دينه, فقابلهم بالصلابة والثبات, فزادوا في تعذيبه وبلاءه, فكان سيده أمية بن خلف, يخرجه إذا حميت الظهيرة, فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة, ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره, ثم يقول : لا تزال على ذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد, ويقول أي شؤم رمانا بك يا عبد السوق؟ لئن لم تذكر آلهتنا بخير لأجعلنك للعبيد نكالاً, فيرد بلال رضي الله تعالى عنه, وهو ثابت لا يتزعزع : ربي الله, أحدٌ أحدٌ, ولو أعلم كلمة أغيض لكم منها لقلتها, فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيبه أتى الفرج فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه, وأعتقه لوجه الله عز وجل, وفي ذلك نزل قوله تعالى " وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى".
وقال فضيلته : وتمضي الأيام, ويهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة, ويهاجر بلال رضي الله تعالى عنه, ويصبح مؤذن الإسلام, ويخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معركة بدر, وقد أقبل المشركون من قبل مكة بأسيادهم, ومنهم أمية بن خلف وأبو جهل, يتقدمون في خيلاء الكبر والغرور, جيشهم نحو الألف, ومعهم القيان يضربن بالدفوف, ويغنين بهجاء المسلمين, ويقولون والله لا نرجع حتى نرد بدراً, فننحر الجزور ونطعم الطعام, ونسقى الخمر وتعزف لنا القيان, وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا, فلا يزالون يهابوننا أبداً.
ومضى فضيلته قائلاً :هول الموقف الذي كان عليه المسلمون في معركة بدر وما كانوا عليه من ثبات وإيمان, مذكراً أن المسلمين كان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشراً, وليس فيهم فارس سوى المقداد, وتبدأ المعركة, ويشاء الله أن يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثون, ويرى بلال سيده أمية بن خلف الذي طالما آذاه في مكة, فيشقّ الصفوف وهو يزأر ويقول : "رأس الكفر أمية بن خلف, لا نجوت إن نجى" فمكّنه الله منه, فحمل عليه فكان كأمس الدابر واليوم الغابر, فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه, هنيئاً زادك الرحمن عزاً, فقد أدركت ثأرك يا بلال, أما عدو الله أبو جهل, فقد أقبل في كبر وغرور, يرتجز فقد أذاقه الله الهوان على يد فتيان صغار من المدينة, وهما ابنا عفراء, فجعل يتحسّر ويقول : لو غير أكّار قتلني لكان أحبّ إليّ, وأعظم لشأني, ولم يكن عليّ نقص في ذلك, ويأتي ابن مسعود رضي الله عنه, ويضع قدمه على عنقه ويقول: أخزاك الله يا عدو الله, فينتقص أبو جهل منه ويقول قبل مفارقة الحياة : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً.
ولفت فضيلته الانتباه إلى أنه لما فتحت مكة صعد بلال رضي الله تعالى عنه على ظهر الكعبة ليجهر بكلمة التوحيد على بعد خطوات من المكان الذي يعذّب فيه, وفي وقت الظهيرة, وعلى رؤوس الأشهاد يؤذن, الله أكبر الله أكبر أشهد ألا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله, فلم يتبوأ بلال رضي الله عنه هذه المنزلة السامية في الإسلام, إلا بعد امتحان وابتلاء وصبر ومجاهدة, إذ يقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
وأشار إلى أن الله يمهل ولا يهمل, ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته إذ قال سبحانه "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" فما حلّ بالمستضعفين في مكة, في بداية الإسلام من المحنة والبلاء, إنما كان لإعداد جيلٍ جديدٍ حديث, وتمكينٍ ونصرٍ حثيث, وتمحيصٍ وتصفية, ليميز الله الخبيث, وما هي إلا فترة ويمنّ الله على المضطهدين والمظلومين الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين, ويمكّن لهم في الأرض, وإذ بصناديد الشرك والكفر والظلم يقتلون بسلاحهم, وأيدي مواليهم, كبلال وأمية, وابن مسعود وأبي جهل, فيشفون غليلهم ويأخذون بثأرهم, مستشهداً بقوله تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ".
وبيّن الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان أن موازين الفضل عند الله بالعمل, وليست بالنسب والمنصب والمال والجاه, فالناس سواسية كأسنان المشط, كلكم لآدم وآدم من تراب, لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى, فقال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
وقال: ولما نال أبو ذر من بلال, وقال له, يا بن السوداء, غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أبا ذر أعيرته بأمه, إنك امرؤ فيك جاهلية, وقد بشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة, فقال : " يابلال, حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام, فإني سمعت دفّ نعليك بين يدي في الجنة".
واستطرد قائلاً : لقد ضاق بالمشركين ذرعاً, لما سمعوا صوت بلال يصدع بالأذان على ظهر الكعبة, ولئن كان آذان بلال يؤذي المشركين, فإنه يهيّج قلوب المسلمين ويشتاقون سماعه, فكان إذا أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك نفسه, فيهيج الحزن ويصير البكاء, ويغشى عليه ويفزع الناس, وترتجّ المدينة لذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أذن ذات ليلة في السحر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاعتلى سطح هذا المسجد, ولما قال , الله أكبر الله أكبر, ارتجّت المدينة, ولما قال أشهد ألا إله إلا الله زاد ارتجاجها, ولما قال أشهد أن محمداً رسول الله, خرج الناس من بيوتهم, فما رأي يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم, ولما فتح بيت المقدس, وقدم أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه إلى الشام, أمر بلالاً أن يؤذن, فقال يا أمير المؤمنين ما أردت أن أؤذن لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنني سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها, فلما أذن بلال وسمع الصحابة أذانه بكوا بكاءاً شديداً, لقد ذكرهم بحبيبهم وقرة أعينهم, الذي أثار الإيمان في القلوب, وكان سبباً في نجاتهم, فاشتاقت إليه النفوس, وحنّت إليه الأفئدة, واستكانت لذكره المشاعر, وخالط حبّه سويداء الفؤاد وشغاف القلوب.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الصبر مفتاح الفرج, وأن الجنة حفّت بالمكاره, وحفّت النار بالشهوات, وسينصر الله دينه, كما نصر المستضعفين في مكة, وكما نصر أوليائه من قبل ومن بعد " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
ودعا فضيلته الله جل وعلا أن ينصر الإسلام والمسلمين, وينصر عباده الموحدين, وأن يجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين, وأن يحفظ بلادنا من الفتن, ومن كيد الكائدين وشر المفسدين, وأن يوفّق ولاة أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.