رئيس وزراء جُزر سليمان يستقبل الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية    مصر وفرنسا توقعان سلسلة اتفاقيات للتعاون في قطاعات الصحة والنقل والصناعة    بطاريات جديدة مقاومة للحرارة تُحدث فارقًا في تخزين الطاقة    أديرا" و"أرماح الرياضية" توحدان جهودهما لتقديم تجارب لياقة متميزة للضيوف    أسماء الفائزين والشخصية الثقافية ل جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال 19    انتظام أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة في مقاعد الدراسة بعد إجازة عيد الفطر المبارك    عسير في خريطة العمارة السعودية.. تعزيز لأصالة البناء وجماليات التصميم    ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 1%    فرنسا تدشّن مركزها الجديد لاستقبال طلبات التأشيرة في جدة    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    الخارجية الفلسطينية ترحب بمخرجات القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة    «سلمان للإغاثة» ينفذ 642 مشروعًا لدعم القطاع الصحي في 53 دولة    دوري عنيد    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    الجسر البري السعودي يُشعل المنافسة بين الشركات العالمية    هل حان الوقت لالغاء الموافقات التأمينية؟    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    في ظهوره الثاني هذا الموسم.. جماهير الاتحاد تشيد بمستوى الأسباني هيرنانديز في ديربي الغربية    "يلو 28".. قمة الوصافة وديربي حائل في أبرز مواجهات الجولة    موهبة عالمية جديدة على رادار الهلال    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في ختام التعاملات    الأميرة هيفاء آل سعود: الفعاليات الرياضية استقطبت 14 مليون سائح    لك حق تزعل    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    في أسبوع الصحة العالمي.. الأمومة والطفولة تحت الحصار والإبادة.. 90 % من الحوامل والمرضعات بالقطاع يعانين سوء تغذية حاد    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    رجال الأمن صناع الأمان    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأميركي تطورات الأوضاع الإقليمية    الأراجيف ملاقيح الفتن    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    25% انخفاضا بمخالفات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    الموظف واختبار القدرات    6% نموا سنويا في سوق الصدامات بالمملكة    يوم الصحة العالمي.. المملكة تعزز الوعي    أكثر من 8000 مستفيد من خدمات " إرادة" في رمضان    حضور لافت لثقافات متعددة بمعرض ليالي في محبة خالد الفيصل    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «طويق»    فيصل بن بندر يستقبل محافظ الدرعية وأمين الرياض    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    أمانة جمعية الكشافة تقيم حفل معايدة لمنسوبيها    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: إن وجود القدوةِ الحسنةِ في حياة المسلم ضرورةٌ حتمية، ليُقتدى بها وتُكتسبَ منها المعالمُ الإيجابية, وتكونَ دافعا حثيثا لتزكية النفس واستنهاض همتها والارتقاء بها في مدارج الكمال .
وأوضح أن من فضل الله على أمة الإسلام أن اختار صفيَّه ومصطفاه وخيرتَه من خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون خيرَ قدوة لها في امتثال هذا الدين، والالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، مستشهداً بقوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ).
وبين فضيلته أن من جوانب القدوة في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثباتَه على الدين حتى أتاه اليقين ، مبيناً أن الله تعالى ثبّت نبيه على دينه وأيده بنصره وأعزه ومكنه وأعانه في كل أحواله، فكان مثالا يحتذى في التزام الإسلام حتى الممات .
ولفت الشيخ غزاوي الانتباه إلى أن من صور ثبات الرسول الكريم صل الله عليه وسلم التمسك بالوحي كما أمره الله بقوله : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ) ، مفيداً أن النبي صلى الله عليه وسلم التزم هدي ربه وتمسك به على الرُّغم من محاولة المشركين صرفه عن حُكم القرآن وأوامره، قال الله تعالى ممتنا على رسوله ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتّخَذُوكَ خَلِيلاً , وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلا﴾.
وأشار فضيلته إلى أن من الصور الجلية في هذا الجانب ثباتُه على عبادته لربه ومواظبتُه واستمراره في العمل , وهذا يتمثل في صبره على طاعة الله واجتهاده في اغتنام القربات وكسب الحسنات فعن عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ: لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال:( أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا ).
// يتبع //
16:11ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي / إضافة أولى
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "إن السائر الى ربه عز وجل مشفقاً على خواتيم أعماله ونهاية مآلاته ، ويجب الا يركن ولايدل على ربه بعمل ، أنما يسأل الله القبول ويرجوه حسن الختام"، مؤكداً أن العبرة بالخواتيم هي حقيقة تشرع الأبواب وتفتح الآمال لمن فرط في سالف أمره .
وكشف فضيلته أن من صور ثباته صلى الله عليه وسلم ثباته على الأخلاق والمبادئ والقيم , حيث بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذروةَ الكمال الإنساني في سائر أخلاقه وخصاله، وفي جميع جوانب حياته ، وقال أن التوازن في صفاته صلى الله عليه وسلّم مثالٌ على ثباته، فحاله على منوال واحد ثابتة مع تغير الأحوال والظروف, فنجده هو نفسه في رضاه وفي غضبه، فلا يظلمُ ولا يسيءُ عند الغضب، وكان لا يغضبُ لنفسه ولا ينتقمُ لها بل كان غضبُه عندما تنتهكُ حرماتُ الله , كما أنّه لا يتغيّر في حال الحرب عن حال السِلم فلا يغدُرُ، ولا يُمثِّلُ، ولا ينقضُ العهود والمواثيق ولا يقتل وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا كبيرًا ، وهو رحيم من دون ضعف وحليم بلا عجز ومتواضع من غير ذلة ، آمن خصومه لِمَا رأوه من صدقه وأمانته ووفائه وكريم خصاله.
وبين أن من الصور ايضاً ثباته صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله إذ ظل في مكة يدعو الناس إلى "لا إله إلا الله" وإلى عبادة الله، ويحذرهم من الشرك بالله ومن عبادة الأوثان، سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً ، لايكل ولا يمل ، كما أن من صور ثباته صلى الله عليه وسلم كذلك وقت الشدائد والمحن ، ففي يوم حُنين تعرّض المسلمون إلى محنة شديدة وبلاءٍ عظيم حينما اغتروا بكثرة عددهم فلم تغن عنهم شيئاً ،وانقض عليهم المشركون وكادوا أن يهزموهم لولا أنْ أنزل اللهُ السكينةَ عليهم وثبت رسولَه صلى الله عليه وسلم الذي أخذ يدعو الفارين من المعركة، ويقول: "هَلُمُّوا إليَّ أيها الناس، أنا رسولُ الله، أنا محمدُ بنً عبدالله"، ولم يبقَ معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار، ثم بدأ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ وهو يقول : "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطلب في شجاعة عظيمة وثبات عجيب .
ولفت فضيلة الشيخ غزاوي إلى إن الثبات في أيام الفتن ووقت المحن والبلاء فضله عظيم وأجره كبير ، ولذلك بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتَ على دينه بأجر خمسين من الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من ورائكم أيامَ الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبيَّ الله أو منهم ؟، قال: بل منْكم )، مشيراً إلى أن الثبات بيد الله وحده , وهو نعمة إلهية ومنحة ربانية والنبي الكريمُ المؤيدُ بالوحي والموعودُ بالنصر والتمكينِ يطلب عونَ ربه ويدعوه أن يثبته.
وقال: فما أحرى المؤمن أن يسأل الله الثبات من قلب صادق ويلجأُ إليه متضرعا ألا يُزيغَ قلبَه ولا يفتنَه بشيء من زهرة الحياة الدنيا , وفي المقابل يحذر أن يكون ممن وصف الله عاقبتهم بقوله : { فتزل قدم بعد ثبوتها } ، محذراً أن يكون المرء على الاستقامة فيحيدَ عنها ويزلَّ عن طريق الهدى والحق.
وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن الثبات على الدين لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ إنما يكون بفعل هذه المواعظ وامتثالها في واقع الحياة ، والثبات معناه الاستمرار في طريق الهداية والالتزام بمقتضيات هذا الطريق والمداومة على الخير والسعي الدائم للاستزادة من الإيمان والتقوى .
// يتبع //
16:12ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي / إضافة ثانية
وفي المدينة المنورة،بيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان أن الصبر على الفتن والمحن والابتلاء عاقبته نصر من الله وتمكين لعباده المؤمنين الموحدين, مشيراً إلى ما مرّت به الأمة في سابق عهدها من ابتلاء وظلم للصدّ عن دين الله, حتى تحقّق وعد الله بنصر هذا الدين وأوليائه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: إن ما تمرّ به الأمة الإسلامية اليوم من فتن وبلاء, ومحن ولأواء, وتسلّط الأعداء, إنما هو امتحان وتمحيص ومقدمة لنصر مبين, وعزّ وتمكين بإذن الله رب العالمين, فقد قال تعالى : " مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" وقال عز وجل " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ".
وأضاف فضيلته قائلاً : لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار, فيوضع على رأسه فيجعل على نصفين, ما يصرفه ذلك عن دينه, ويمشّط بأمشاط الحديد من دون عظمه ما يصرفه ذلك عن دينه, والله ليتمنّ الله هذا الأمر, وقال عز وجلّ " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، مستشهداً بما كان عليه المسلمين في عصر النبوة من ابتلاء ليتركوا هذا الدين.
وأوضح أن أول من أظهر الإسلام سبعة, رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق, وعمار, وأمه سمية, وصهيب, وبلال, والمقداد رضي الله عنهم, فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمّه أبو طالب, وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه, وأما سائرهم فأخذهم المشركون فساموهم سوء العذاب, فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا, إلا بلال, فإنه هانت عليه نفسه في الله, وهان على قومه, وقام المشركون بإيذائه وتعذيبه لعله يرجع عن دينه, فقابلهم بالصلابة والثبات, فزادوا في تعذيبه وبلاءه, فكان سيده أمية بن خلف, يخرجه إذا حميت الظهيرة, فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة, ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره, ثم يقول : لا تزال على ذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد, ويقول أي شؤم رمانا بك يا عبد السوق؟ لئن لم تذكر آلهتنا بخير لأجعلنك للعبيد نكالاً, فيرد بلال رضي الله تعالى عنه, وهو ثابت لا يتزعزع : ربي الله, أحدٌ أحدٌ, ولو أعلم كلمة أغيض لكم منها لقلتها, فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيبه أتى الفرج فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه, وأعتقه لوجه الله عز وجل, وفي ذلك نزل قوله تعالى " وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى".
وقال فضيلته : وتمضي الأيام, ويهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة, ويهاجر بلال رضي الله تعالى عنه, ويصبح مؤذن الإسلام, ويخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معركة بدر, وقد أقبل المشركون من قبل مكة بأسيادهم, ومنهم أمية بن خلف وأبو جهل, يتقدمون في خيلاء الكبر والغرور, جيشهم نحو الألف, ومعهم القيان يضربن بالدفوف, ويغنين بهجاء المسلمين, ويقولون والله لا نرجع حتى نرد بدراً, فننحر الجزور ونطعم الطعام, ونسقى الخمر وتعزف لنا القيان, وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا, فلا يزالون يهابوننا أبداً.
ومضى فضيلته قائلاً :هول الموقف الذي كان عليه المسلمون في معركة بدر وما كانوا عليه من ثبات وإيمان, مذكراً أن المسلمين كان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشراً, وليس فيهم فارس سوى المقداد, وتبدأ المعركة, ويشاء الله أن يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثون, ويرى بلال سيده أمية بن خلف الذي طالما آذاه في مكة, فيشقّ الصفوف وهو يزأر ويقول : "رأس الكفر أمية بن خلف, لا نجوت إن نجى" فمكّنه الله منه, فحمل عليه فكان كأمس الدابر واليوم الغابر, فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه, هنيئاً زادك الرحمن عزاً, فقد أدركت ثأرك يا بلال, أما عدو الله أبو جهل, فقد أقبل في كبر وغرور, يرتجز فقد أذاقه الله الهوان على يد فتيان صغار من المدينة, وهما ابنا عفراء, فجعل يتحسّر ويقول : لو غير أكّار قتلني لكان أحبّ إليّ, وأعظم لشأني, ولم يكن عليّ نقص في ذلك, ويأتي ابن مسعود رضي الله عنه, ويضع قدمه على عنقه ويقول: أخزاك الله يا عدو الله, فينتقص أبو جهل منه ويقول قبل مفارقة الحياة : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً.
// يتبع //
16:12ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي / إضافة ثالثة واخيرة
ولفت فضيلته الانتباه إلى أنه لما فتحت مكة صعد بلال رضي الله تعالى عنه على ظهر الكعبة ليجهر بكلمة التوحيد على بعد خطوات من المكان الذي يعذّب فيه, وفي وقت الظهيرة, وعلى رؤوس الأشهاد يؤذن, الله أكبر الله أكبر أشهد ألا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله, فلم يتبوأ بلال رضي الله عنه هذه المنزلة السامية في الإسلام, إلا بعد امتحان وابتلاء وصبر ومجاهدة, إذ يقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
وأشار إلى أن الله يمهل ولا يهمل, ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته إذ قال سبحانه "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" فما حلّ بالمستضعفين في مكة, في بداية الإسلام من المحنة والبلاء, إنما كان لإعداد جيلٍ جديدٍ حديث, وتمكينٍ ونصرٍ حثيث, وتمحيصٍ وتصفية, ليميز الله الخبيث, وما هي إلا فترة ويمنّ الله على المضطهدين والمظلومين الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين, ويمكّن لهم في الأرض, وإذ بصناديد الشرك والكفر والظلم يقتلون بسلاحهم, وأيدي مواليهم, كبلال وأمية, وابن مسعود وأبي جهل, فيشفون غليلهم ويأخذون بثأرهم, مستشهداً بقوله تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ".
وبيّن الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان أن موازين الفضل عند الله بالعمل, وليست بالنسب والمنصب والمال والجاه, فالناس سواسية كأسنان المشط, كلكم لآدم وآدم من تراب, لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى, فقال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
وقال: ولما نال أبو ذر من بلال, وقال له, يا بن السوداء, غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أبا ذر أعيرته بأمه, إنك امرؤ فيك جاهلية, وقد بشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة, فقال : " يابلال, حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام, فإني سمعت دفّ نعليك بين يدي في الجنة".
واستطرد قائلاً : لقد ضاق بالمشركين ذرعاً, لما سمعوا صوت بلال يصدع بالأذان على ظهر الكعبة, ولئن كان آذان بلال يؤذي المشركين, فإنه يهيّج قلوب المسلمين ويشتاقون سماعه, فكان إذا أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك نفسه, فيهيج الحزن ويصير البكاء, ويغشى عليه ويفزع الناس, وترتجّ المدينة لذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أذن ذات ليلة في السحر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاعتلى سطح هذا المسجد, ولما قال , الله أكبر الله أكبر, ارتجّت المدينة, ولما قال أشهد ألا إله إلا الله زاد ارتجاجها, ولما قال أشهد أن محمداً رسول الله, خرج الناس من بيوتهم, فما رأي يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم, ولما فتح بيت المقدس, وقدم أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه إلى الشام, أمر بلالاً أن يؤذن, فقال يا أمير المؤمنين ما أردت أن أؤذن لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنني سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها, فلما أذن بلال وسمع الصحابة أذانه بكوا بكاءاً شديداً, لقد ذكرهم بحبيبهم وقرة أعينهم, الذي أثار الإيمان في القلوب, وكان سبباً في نجاتهم, فاشتاقت إليه النفوس, وحنّت إليه الأفئدة, واستكانت لذكره المشاعر, وخالط حبّه سويداء الفؤاد وشغاف القلوب.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الصبر مفتاح الفرج, وأن الجنة حفّت بالمكاره, وحفّت النار بالشهوات, وسينصر الله دينه, كما نصر المستضعفين في مكة, وكما نصر أوليائه من قبل ومن بعد " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
ودعا فضيلته الله جل وعلا أن ينصر الإسلام والمسلمين, وينصر عباده الموحدين, وأن يجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين, وأن يحفظ بلادنا من الفتن, ومن كيد الكائدين وشر المفسدين, وأن يوفّق ولاة أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.