أتابع، باهتمام شديد، نشاط وزير التعليم الجديد معالي الدكتور أحمد العيسى لاعتبارات كثيرة؛ منها أهمية الوزارة في منظومة الوزارات على المستوى العالمي ومقدار تأثيرها على مستقبل الوطن ثم شخصية الوزير ذاته ورؤيته لواقع التعليم في المملكة ومعايشته لمشكلات التعليم ومعوقاته وخاصة التعليم العالي. والحقيقة الأولى التي يدركها خبراء ورجال التعليم أن مسؤولية الوزير عظيمة والتحديات التي يواجهها التعليم أعظم على المستوى المحلي والدولي، حيث يسود المجتمع قلق كبير تجاه أداء مؤسسات التعليم العام والعالي، كون مخرجاته لا تلبي الاحتياجات الوطنية بالشكل المطلوب، إضافة إلى تقليدية الممارسات داخل المؤسسات التعليمية واهتمامها بالجوانب النظرية أكثر من التطبيقية ووجود فجوة ظاهرة بين التعليم العام والعالي. وقد أدركت القيادة السياسية هذا الواقع مبكرا وارتأت اتخاذ قرار دمج وزارتي التربية والتعليم العالي منذ أكثر من عشرة أشهر تقريبا، أملا في ردم هذه الفجوة والارتقاء بمستوى التعليم وأداء العنصر البشري ومواكبة تطلعات المواطنين والتحول نحو مجتمع المعرفة. والحقيقة الأخرى، أننا متفائلون كمجتمع ومؤسسات تربوية بتسلمكم مهام الوزارة، وهو ما يجعلنا نأمل في سرعة إعلان استراتيجيتكم وتوجهاتكم تجاه قضايا التعليم الكبرى. ومن وجهة نظر شخصية، فإن أهم الأولويات أن تحوي استراتيجية معاليكم تفعيل قرار الدمج على أرض الواقع وفق خطة عمل ذات أولويات واضحة توفر بيئة عمل مؤسسي يشترك فيها أكبر عدد ممكن من مسؤولي التعليم العام والعالي بحيث تتضمن إعادة هيكلة الوزارة واعتماد هيكلها التنظيمي الجديد مع السياسات والإجراءات التنظيمية التي تكفل اندماج تكاملي يحقق الغايات الوطنية المنشودة من عملية الدمج، ثم التعجيل بإصدار نظام الجامعات الجديد الذي يكفل استقلاليتها في إدارة شؤونها لتكون قادرة على قيادة عملية التطوير والتنمية في المجتمع ومنح الجامعات فرصة المشاركة الفعلية في تطوير أبعاد وعناصر التعليم العام (المعلم، المنهج، البيئة المدرسية، الإدارة والتنظيم، القيادة، الرقابة والتقويم) وتكييف بعض الوظائف القيادية في الهياكل التنظيمية لإدارات التعليم في المناطق مع هياكل مؤسسات التعليم العالي والاستعانة بالكفاءات القيادية الجامعية الإدارية والتربوية المميزة في إدارات التعليم لخلق نوع من التجانس في الرؤية والممارسة ووضع الآليات الإجرائية والمالية المناسبة لتبادل الخبرات التعليمية، وكذلك وضع آليات لربط خطة (آفاق) بالخطط الاستراتيجية للجامعات وإدارات التعليم وإشراك مسؤولي التعليم العام في تطوير الخطة في مرحلتها الثانية الحالية. إن الرهان على نجاح عملية الدمج وتطوير واقع التعليم يتوقف بالدرجة الأولى على الإدارة وممارساتها العلمية وكفاءتها وفاعليتها في استثمار الموارد المتاحة، وخاصة البشرية منها وتفعيل تطبيقات الحوكمة بما تتضمنه من الشفافية والمساءلة والمحاسبة، فالتجارب النهضوية الإقليمية والدولية تؤكد أن نجاح تلك التجارب وتحقيق التقدم مرهون بالعمل الإداري الناجح. كل ما نرجوه يا معالي الوزير ألا يطول انتظارنا حتى لو كانت استراتيجية مرحلة لتجنب الفراغ الإداري الراهن والانطلاق نحو تحول وطني حقيقي يكون التعليم أداته ومفتاح سره. والله من وراء القصد…. د. طلال بن عبد الله الشريف