أكد وزير العدل، الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، أن التشريع الجنائي الإسلامي يعتمد تدابير وقائية وإصلاحية وعقابية متنوعة، مشيرًا إلى أن الواقعة الجزائية يتم النظر إليها إصلاحيًا كما يتم النظر إليها عقابيًا، بما يحفظ أمن المجتمع، ويعيد تأهيل المدان. وخلال حديثه، أمس الأول، أثناء مشاركته في فعاليات "الأكاديمية والحقوقية والقضائية الأمريكية" بواشنطن، قال "العيسى": "هناك عقوبات إصلاحية، ونحن نُفضل في مراجعاتنا الأخيرة أن نسميها كذلك؛ لأن العقوبة يجب احترامُ نصها التشريعي أو سابقتها القضائية في نطاق مبدئها المستقر، ولا سلطة تقديرية في مقابل النص أو السابقة". وشدد العيسى على أن النص التشريعي لا يجوز العدول عنه بأيِّ بديل في أي حالٍ من الأحوال، مبينًا أن مصطلح البديل غير وارد كمصطلح قضائي في تقديرنا بعد المراجعة له. وبخصوص عقوبة الإعدام ، قال وزير العدل: "هي عقوبة مقررة في التشريع الإسلامي، ويجب العمل بنصها الإلهي، والمملكة دولة إسلامية تعتز بتحكيمها للشريعة الإسلامية، بل إن أسس كيانها قائمة على ذلك، وهذه العقوبة تعمل بها العديد من الدول، ومنها دول كبرى، ويَعْتقد بها من حيث المبدأ كتشريع سماوي حوالي مليار ونصف المليار مسلم". وأضاف: "إذا نظرنا إلى المنطق في هذه العقوبة نجد أنها بمعايير العدالة فإنه يتم من خلالها تطبيق قاعدة "الجزاء من جنس العمل"، وكون العقوبة من جنس العمل، فهذا منطق لا يقبل التفكير الصحيح سواه، وإلا لتعاطفنا مع القاتل على حساب الضحية، وليس ببعيد أن نقول إن الضحية بحجم مجتمع آمن، ونلاحظ أن بعض الجهات الحقوقية، أو حتى السياسية تصطدم في تحفظاتها أو ملاحظاتها أو حتى إداناتها الخاصة بالمنطق الجنائي، وبدساتير الدول وقوانينها، وتتجاوز الخطوط الحمراء لسيادة الدول، وتتدخل في خيارها التشريعي واستقلالها القضائي، وخاصة إذا كان هذا الخيار يمثل العقيدة الوجدانية لعموم الشعب". وتساءل الوزير: أليس المحارب في حال الحرب وإشهار العداوة وعدم الخداع في ذلك يُعدم؟ إذا كان كذلك فلماذا لا يقتل المحارب في حال السلم وهو المخادع للمجتمع الذي أمنه ووثق به، وكلاهما في جميع الأحوال مقاتل؟". وأردف: "الذي صنع الحضارة المادية الغربية بفكرها الدستوري والقانوني الوضعي بعد العصور الوسطى التي مرت بأوروبا هم في الحقيقة صناع الفقه والقضاء الدستوري والجنائي في الغرب، وهم الذين أقروا هذه العقوبة، وهل كانت أيديهم بعد إلغاء هذه العقوبة في عموم أوروبا مثلًا متلطخة في السابق بدماء بريئة بفعل نظرية عقابية أخطأوا فيها بحق الإنسانية، ثم أي خطأ؟، إنه خطأ بحجم قتل أنفسٍ بريئةٍ ،إنه وفي جميع الأحوال وكما يجب احترام عقول ونظريات أولئك الرواد الأوائل بالنسبة للحضارة المادية الغربية، يجب في المقابل احترام قناعة من يأخذ بهذه العقوبة أيًا كانت خلفية قناعته". وأبان: "لقد كانتِ الأديانُ السماوية قبل الإسلام في نصوصها الثابتة في زمن أنبيائها تأخذ بهذه العقوبة، بل إنه في النصوص التي يتلوها من يؤمن بها حاليًا ممن بعضهم ضد هذه العقوبة نجد النص على أن سافك دم الإنسان يُسفك دمه، ويقول شراح هذا النص: إنه لا يمكن أن نوجد قِيَمًا أعلى من قِيَمِ الله.. إن من يناقش في عقوبة الإعدام رافضًا لها ويتجاوز رفضه حدود إبداء الرأي والتعبير بالقناعة والعمل فيما يخصه، إلى إدانة من يطبقها فهو بجملة مختصرة لا يحترم الأديان ولا سيادة دساتير وقوانين الدول، ولا يحترم قناعة من بنى حضارته وأسس لقواعد نظرياته الدستورية والقانونية في شأن من الصعب أن أُبَدِّله من زمن لزمن، فليس هو اجتهادًا يُمكن تحديثُه بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص فموضوعه يختلف تمامًا عن الاجتهادات الأخرى لاعتبارات عديدة لا أطيل فيها". واستطرد "العيسى": "لقد كانت عقوبة الإعدام مطبقة في بعض الدول الغربية الكبرى، وهي التي صدَّرت الدساتير والقوانين للعالم حتى 1982م، بل إن المقصلة أو الجيلوتين اخترعها طبيبٌ في تلك الدولة في بدايات عصر النهضة الأوروبية، وتكاد فطرة البشر تتفق على عدالة ومنطق هذه العقوبة في وقائع الإدانة التي تستوجبها، وذلك منذ وجد الإنسان على كوكب الأرض، وفي جميع الأحوال، فإننا نتفقُ على أنّ تحقيق عامل الزجر عن ارتكاب الجريمة، يكونُ في تطبيق هذه العقوبة أكثر مما يحققه الرأي الآخر، ووجود جريمة القتل بالرغم من الأخذ بعقوبة الإعدام لا يعني أنها غير مجدية كما يتصور البعض؛ لأن هذه الجريمة مادام الإنسان على كوكب الأرض فستكون حتمًا موجودة، ومتفاوتة من مكان لمكان ومن وقت لآخر، وذلك بحسب كفاءة التحقيق والادعاء والقضاء، وبحسب تفاوت الثقافة والوعي، وفعالية تطبيق القانون وغيرها من العوامل المؤثرة". وبشأن عقوبة القطع المطبقة في جريمة السرقة، قال الوزير: "هذا نص إلهي ، بل إن مبدأ قطع يد المعتدي بسوء وُجدت حتى في الكتب الدينية المنتسبة للأديان السماوية فقد جاء فيها نص يقول: اذا تخاصم رجلان وتقدمت امرأة أحدهما لتخلّص رجلها من يد ضاربه ومدّت يدها وأمسكت بعورته فاقطع يدها، وأعتقد أن كل من يؤمن بصحة هذا النص وهم يمثلون عموم الغرب لابد أن يحترموه، وإذا تم انتقاد النص الإسلامي فلينتقد هذا بكل شجاعة وعلنًا على حد سواء كما ينتقد النص الإسلامي بغض النظر عن الجانب التطبيقي، فمحور الموضوع هو النص، هذه عدالة المساواة في الطرح، وإذا كان الدين ينفصل عن الدولة في الغرب فإن ديننا لا ينفصل لأننا نحترم تشريع الخالق وإلا فإننا عندئذ لم نَصْدُق في اتباع الدين الذي ننتسب إليه". وأضاف: "اليد التي سرقت هي يد معتدية على أمن المجتمع، بل إنها في واقع الحال خائنة له بعد أن ائتمنها ووثق بها، وهي بعد إدانتها التامة تمثل عضوًا فاسدًا فيه من شأنها أن تسري بطبيعتها الإجرامية كما يسري الفساد في أي شيء، وعندما يتم عزل المادة الفاسدة نحافظ على ما تبقى من صالحها، ولنأخذ مثلًا بالعضو المصاب بداء السرطان فإنه يتم استئصاله ولا يُعطف عليه، ولا على تأثر صاحبه بفقدانه وإلا سرى لبقية جسده، فهو يُستأصل بالرغم من الألم النفسي المترتب على فقد العضو، من أجل أن نحافظ على سلامة المتبقي، ونحن نرى سريان ذلك في الجسد كما نراه في المجتمع، أعتقد أن هذا من الناحية المادية منطق عقلي لا بد من تعميمه على كل حالة فساد متى كانت على هذا المستوى في بشاعة تصنيفها وخطورتها". واستدرك: "ومع هذا فإن النص الإسلامي في حد السرقة يغلب عليه الجانب التحذيري مع عدم إغفال الجانب الوقائي والعقابي، أقول يغلب عليه الجانب التحذيري؛ لأن الشريعة الإسلامية بحسب النصوص والشروح الفقهية تدعو صراحةً إلى عدم تطبيق عقوبة قطع يد السارق للشبهة التي قد تنال من توافر شروط القطع وانتفاء الموانع، وهو القريب فيما يُعرف في القانون الوضعي بالتماس الظرف المخفف والذي يصل في الشريعة الإسلامية بحسب بعض النصوص إلى تلقين المدان أي عذر للنزول بالعقوبة إلى الجزاء الأخف أو حتى البراءة في بعض الوقائع، ما يعني أن الشريعة الإسلامية تهدف إلى حفظ المجتمع، لا لمطلق إقامة الحدود بصفة مجردة، كما يظن بعض المسيئين للإسلام من خلال تصويره له على أنه دين دموي يتشوف للقطع". وشدد الوزير على أن: "التشريع الجنائي الإسلامي لا يحرص على إقامة هذه العقوبات بوصف مجرد، بل إنه يلتمس قدر الإمكان الأعذار حتى إنه وبحسب ما نص عليه عدد من فقهاء الإسلام يمكن أن يعرض القاضي على المتهم الظروف المخففة التي يمكن أن تكون صاحبت الواقعة". وتعليقًا على عقوبة الجلد، قال الوزير: "هذه العقوبة، بوصفها المشار إليه في الأسئلة، محددةٌ في الإسلام بنصوص على جرائم كبيرة وهي ذات وقائع مسيئة للمجتمع غاية الإساءة تتعلق بالتعدي على الأعراض والعقول، وعقوبة الجلد تحمل رسالة في التشريع العقابي الإسلامي تتلخص في أنها تشمل ألمًا حسيًا يهدف لحفظ المجتمع بنص يحقق مصالح استباقية مع تحقيق الجزاء العقابي، والجانب التطبيقي لهذه العقوبة ليس مطلقًا أو يمثل سلطة تقديرية لسلطة التنفيذ، بل يوجد لذلك ضوابط تهدف لحفظ كرامة الإنسان، وعدم المساس بحالته الصحية مطلقًا، لتكتفي هذه العقوبة بإعطاء الرسالة الاستباقية للمجتمع، حيث تتضمن حمايته من أن يقع في مثلها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طمأنته بأن واقعة الإدانة تم تطبيق الجزاء عليها، كما أنها أيضًا تحمل كما قلنا رسالة تذكيرية للمدان". وأردف وزير العدل: "إذا كان ما صدر من المدان هنا مُؤلمًا للمُجتمع فيجب أن يشعر الجاني بالألم نفسه، هذا منطق العدالة ومعادلة الجزاء من جنس العمل، مع أننا في هذا وغيره يجب أن نحترم النص التشريعي كنص مجرد ونعمل به بغض النظر عن كل ما ذكرنا، لكننا بما وضحناه لكم نشرح حكمة النص في تقديرنا". وبخصوص ما يسمى "المثلية" قال "العيسى": "في السبعينيات كانت مصنفة باتفاق كاضطراب نفسي يُعالَج، فأقرتها الحريات من دون سقف على حساب الفطرة الإنسانية والنمو البشري لحسابات حزبية وسياسية بعد التفاعل المرتد لبعض النظريات العلاجية الحديثة، وأنه في عام 1972 تم إلغاء مصطلح الجنسية المثلية كاضطراب وانحراف نفسي، وهذا يدل على أنها كانت مصنفة كاضطراب نفسي بإقرار من أسس للطب النفسي وعلم النفس، وكان المثليون قبل الستينيات يُعزلون في مصحات لعلاج اضطراباتهم". وبشأن الإصلاحات المهنية أشار الوزير إلى أنه لا يستحق المسؤولية مَن يخشى ضريبة الإصلاح، ولا مَن يبحث عن الأصوات أو يتحاشاها على حساب القيم الأخلاقية والإنسانية. وعن انتقاد الأحكام القضائية، قال وزير العدل السعودي: "كثيرًا ما أسمع تساؤلات بشأن هذا العديد من النقاشات ولا أجيب عليها إلا بالقاعدة العامة التي تقول: لا جدوى ولا قيمةَ للحديث عن الأحكام قبل نفاذها سوى محاولة التأثير على حسن سير العدالة فيها، ولذلك منعته القواعد النظامية كما منعته عندنا، نصًا، أثناء النظر القضائي في مرحلته الابتدائية، أما انتقادها في السياق الحاد الذي نسمعه، ليس على أحكامنا فقط بل نجده على أحكام غيرنا أيضًا، فهو بعد أن تكتسب النفاذ بالقطعية يعتبر في العرف القانوني المستقر ازدراءً لقضائها، وهو في توصيفه الجزائي قد يصل إلى رتبة الجناية بحسب درجة التجني والحدة في الاتهام والتأثير على الرأي العام بالقول المفضي للفعل الضار؛ لأن كل اعتراض عليها من المفترض أن يكون تم تقديمه لدرجة التقاضي الأعلى درجة في سياق ضمانات التقاضي، فلا وجه مطلقًا لطرحه بالنقد أمام الرأي العام غير المختص ولا المؤهل لمناقشتها علاوة على أنه مُغَيَّب عن تفاصيل وقائعها والتي من المستبعد أن يستعرضها المنتقد بكل دقة وحياد". وأضاف: "في مثل حواراتنا العلمية هذه نستعرض الأسس التي بنيت عليها ونتحاور فيها لا على أساس النقاش على الحكم، لكن على الأسس التشريعية لها والنظريات العلمية المتعلقة بها، وهي التي استعرضنا بعضًا منها في هذا الاجتماع الذي أعتقد أنه شفاف من جميع الأطراف بكل المقاييس، وديننا يرشدنا للحوار وبيان حكمته التشريعية والدعوة إلى قبولها والأخذ بهدايتها دون إكراه بالإلزام بها لغير المسلمين". وأردف: "الإسلام دين حكمة ودعوة للحوار ودين سلم وتعايش، ولولا ذلك لما بقي برقمه القوي "والمطرد باستمرار" أكثر من 1400 عام، وأيضًا لما خرج من مهد الرسالة الإسلامية وهي مكةالمكرمة، لكن التشريع الإسلامي للدولة التي تطبقه وهي المملكة العربية السعودية يمثل في التوصيف الدستوري والقانوني الدولي، دستور وقانون دولة ويجب تعامل الغير معه على هذا الأساس، وليس على رؤيته الداخلية على أنه تم إلزامه بتعاليم الإسلام بينما هو غير مسلم، فمثلًا منطق ديانة الإغريق واليونان المأخوذ ببعض أسسها في بعض التشريعات الأخرى عندما يطبق على المسلم المقيم في تلك البلدان يتعامل المسلم معها ليس على أنها تشريعات ديانات أخرى طُبقت عليه بل على أنها دساتير وقوانين دول لم يدخل إليها بتأشيرة الدخول أو يرضى بجنسيتها تحت أي ظرف كان إلا وهو راضٍ بما يطبق عليه منها من واقع دستور وقوانين دولتها لا على أساس قناعته أو رضاه بأيديولوجيتها". وقال: "انتقاد بعض الهيئات والمنظمات الحقوقية للتشريع الجنائي الإسلامي أصبح لزمة متكررة في تقاريرها، وقد أعجبتني نظرية أحد الفلاسفة التي تقول إن أخلاقيات النقد ربما سقطت عند توصيفه ك: "لَزْمَة" تستولي على مجمل سياقات طرح صاحبه، مع أننا في هذه الموضوعات محل تلك التقارير، قد أجبنا إجابة تفهَّمها الكثير وإن لم يقتنع البعض بها لكن يكفي التفهُّم غير أن آخرين لا يزالون يصرون على ضد ذلك وهم في تقديرنا قلة". والتقى وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى نظيره الأمريكي إيرك هولدر، وشهد الحديث استعراض الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. كما التقى رئيس وعددًا من قيادات نقابة المحامين الأمريكيين التي يتبعها حوالي 400 ألف عضو داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، وشهد اللقاء استعراض العديد من الموضوعات المتعلقة بمهنة المحاماة وسبل تعزيزها، وقال الوزير: "محامو المملكة على قدر عالٍ من الكفاءة والمهنية، أما التجاوزات اللاحقة فهي نادرة واستثنائية، ونؤكد أن دور المحامي ينحصر مهنيًا في الدفاع عن الحق الذي يعتقده أمام منصة القضاء". من جهة أخرى، التقى وفد الحريات الدينية الأمريكية وهي هيئة حكومية، وشهد اللقاء استعراض بعض الموضوعات التي طرحها الوفد عليه. وقام وزير العدل بزيارة بعض المحاكم الأمريكية واطلع على الجوانب الإجرائية والتقنية، وأحاط الجانب الأمريكي بالنقلة التنظيمية والإجرائية والتقنية التي وصل إليها مرفق العدالة بالمملكة. رابط الخبر بصحيفة الوئام: وزير العدل: التشريع الجنائي الإسلامي يتضمن تدابير وقائية وإصلاحية وعقابية متنوعة