يتطرف المشجع في عشق ألوان قمصان فريقه ، ويمجده ويرفعه فوق كل بقية الألوان ، ولاضير ، فالتنافس الرياضي لايحلو دون جرعة تعصب وحماس . لكن أن يخرج التعصب والحماس في المجال الرياضي عن مساره ، ويتجاوز ألوان القمصان إلى ألوان الرياضيين وأعراقهم ومذاهبهم ، فإن هنا خلل ، يجب الوقوف أمامه بحزم . العنصرية في الملاعب السعودية ، موجودة ، ووقائع كثيرة تشهد على ذلك ، وهي تتمدد وتتقلص قياساً على موقف المسؤولين منها ، سواء بحزم أو تراخي ، وشواهدها كثيرة ، وضحاياها كثر ، والحلقة الأضعف دائماً هم الذين يتعرضون للمز في ألوانهم ومذاهبهم . هذه الهتافات العنصرية ليست حديثة عهد في الملاعب السعودية ، فقد سجلت الذاكرة الرياضية شواهد قديمة لوجودها وتكريسها ، وظل نجوم المنتخب قبل الأندية تلاحقهم هذه الألفاظ ، وكان ماجد عبدالله أول من تعرض للمز في كونه سوداني الأصول، وهي جملة تلاحقه حتى اليوم ، بدليل استخدامها من قبل أحد المحللين في القنوات ضده ، عندما وصفه بأنه غير سعودي ، وانتهت القضية بالصلح ، وكذلك سعيد العويران الذي تطارده كلمة " الله يرحم الملك فيصل " حتى من بعض الشبابيين ، ونجح في تجاوز العنصريين بسخريته المعهودة ، وسامي الجابر و تهمة الأصول اليمنية ، ومحمد نور وتهمة الأصول النيجيرية ، والصورة الشهيرة المفبركة لاستقباله عائلة نيجيرية في المطار ، وفهد الهريفي والانتقاص منه بمقدمه من محافظة بيشة الصغيرة ، وحسن اليامي وانتماءه لمدينة نجران حيث الكثير من المواطنين المنتمين للمذهب الشيعي ، وقبلهم بفترة طويلة كان أمين دابو المجنس ، وسعيد غراب ، وغيرهم يدافعون عن أنفسهم بأداءهم المتميز ، ويصمّون آذانهم عن هتافات المدرجات القاسية حد الجرح في الكرامة . ولم يكن الطرف المتجاوز هو المشجع في المدرج السعودي فقط ، فقد خرج الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في لقاء تلفزيوني سياسي ، وجر النقاش إلى مشاركات المنتخبات العربية في المونديال ، ووصف لاعبي المنتخب بالعبيد ، وأنهم من أصول أفريقية ! وفعل كذلك ناشط كويتي عبر تويتر ، عندما وصف المنتخب السعودي بأنهم " بقايا حجاج " وعاد ليعتذر بعد أن مزقت الصحافة السعودية أطرافه . وإن كان بوسعنا أن نتجاوز أحداث الماضي ، بحجة ضعف الوعي ، وسطوة التعصب ، فإن ملاعبنا اليوم تشهد استمرار هذه الأحداث ، وتكرارها في ظل وجود قرارات سياسية تنبذ التصنيف والتعصب ، وفتاوى دينية تحذر من هذا الأمر ، ووسائل إعلام تنشر الوعي . يتهم نادي الهلال وجماهيره بأنهم طرف ثابت في مثل هذه الحوادث ، ويستشهد ضدهم بماحدث في الأول من نوفمبر عام 2006 رددت جماهير الهلال عبارة " نيجيريا " في إشارات عنصرية إلى لون بشرة اللاعبين ، فتم نقل المواجهة المقبلة بين الهلال والطائي إلى مدينة حائل بدلاً من الرياض . ومافعلته جماهيره في 26/8/2009 في مواجهة فريقها أمام نجران بترديدها هتافات " شيعي ، شيعي " ، حينها غضب النجرانيون ، ومر غضبهم دون موقف . وكذلك في 26 ديسمبر 2011 حيث شهدت مباراة الاتحاد والهلال في الرياض هتافات عنصرية فغرمت لجنة الانضباط الهلاليون 60 ألف ريال ، وحذرته من تكرار المخالفة لكي لاتضاعف الغرامة ويحرم من حضور جماهيره . لكن إدارة النادي تذمرت من التحامل على فريقها وجماهيره ، ونفت أكثر من مرة أن تكون سبباً ، وردت بأن عبارة " نيجيريا" تأتي رداً على عبارة " نيفيا" ، وكان آخر مواقفها عندما أصدرت بياناً تتظلم من تحميل جماهيرها المسؤولية دون جماهير الأندية الأخرى ، واستشهدت بماحدث لللاعبها نواف العابد . الجهات المسؤولية ، وهي تسمع وترى ، تحركت فأصدرت لائحة جديدة للانضباط في الثامن من أغسطس 2012 ، ولكن عادت الهتافات من جديد في 9 مايو 2013 في مباراة الهلال والاتحاد ، دون عقوبة ، ودون أن يسجل مراقب المباراة أية ملاحظة ! الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب ، أشار إلى استخدام الكاميرات ومكبرات الصوت لمراقبة الجماهير خلال زيارته لنادي الاتحاد في 16 مايو 2013 للسيطرة على عنصرية الجماهير ، بعد قمة الهلال والاتحاد في كأس الملك التي ظهرت فيها الألفاظ العنصرية بشكل واضح عبر التلفزيون ، وتبادل الفريقان الاتهامات فيمن بدأ أولاً ؟ وقال نواف " نحن ضد التعصب بكل أشكاله ، وضد الألفاظ العنصرية بكل أشكالها …. والرفض موجود من الجميع .. الأنظمة موجودة لردع هذا الأمر ، ويجب أن ندرس الأنظمة الحالية لو كانت غير كافية ، وإذا اثبت أنها غير كافية يجب زيادتها ، ولايجب ظلم العموم بما يحدث من فرد أو فردين " . رغم حديث أعلى مسؤول رياضي ، إلا إن الهتافات العنصرية لم تختفي ، وكانت مباراة الهلال والاتحاد الأخيرة شاهداً . ويبقى السؤال قائماً : متى نضع حداً للتمييز العنصري في ملاعبنا ، ومتى تختفي عبارات " نيجيريا وأخواتها " من ملاعبنا ، ومتى نتدخل لحماية نسيج مجتمعنا من هؤلاء الذين يستمرؤن التطاول على أبناء الوطن متجاهلين نصوص القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، وقرارات القيادة ، وحدود الأدب واللباقة ؟ رابط الخبر بصحيفة الوئام: «نيجيريا وأخواتها» في الملاعب السعودية .. إلى متى ؟