قبل زهاء ثلاثين عاماأطلق المفكرالسعودي القصيمي عبارته الشهيرة ( العرب ظاهرة صوتية ) عنوانا لكتابه الشهيرالذي أحدث جدلاً فكريا عنيفاً في حينه ، شخص به العقلية العربية المسلوبة الإرادة والتفكير ، المسكونة بعشق الضجيج والصراخ، ووصمها بأقذع ماجاد به عليه قاموسه الذهني من أوصاف ! فهل كان العربي بحق يستحق هذا الوصف العنيف ؟ أم كان الفتى القصيمي مجحفاً بحق قومه وبني جلدته ؟! متجنيا على أهله وعروبته ، جالداً لذاته المتضخمة قبل مجتمعه !؟ لقد قفزت تلك العبارة القاسية إلى ذهني وأنا أشاهد بكل مرارة وأسى واقع الأمة العربية المرير مستسلما لسارح فكري يصول ويجول في ذاكرة التاريخ العربي بأمجاده ومغانيه ! قفزت تلك العبارة بكل ثقلها وعنفواها لتسترجع أحداثا جساما وتستعرض نكبات عظاما ظلت تنهش في جسد الأمة المغلوبة على أمرها ردحا من الزمن ! لقد بدأ عقد هذه الأمة ينفرط منذ تآمِر دول الاستعمار الغربي على العالم العربي والإسلامي ، بإسقاط الخلافة الإسلامية ، وإنشاء دولة تركيا الفتاة على يد مصطفى كمال أتاتوك عام 1908م بتأييد ودعم ومباركة من الغرب ! ومن ثم تقسيم الوطن العربي إلى أجزاء ودويلات متفارقة متناحرة ! وتقاسم المستعمر كعكته من هذا الوطن الجريح وانتهاب خيراته ، وطمس هويته العربية والثقافية والفكرية ، وماصاحبه من تقديم الإنجليز ” بريطانيا ” ( الدولة الصديقة ) فلسطين على طبق من ذهب للصهاينة اليهود ! ثم ماتلاه من (نكسة الجيوش العربية المهزومة عام 1967م ) هكذا مات “الرجل المريض” ووري جثمانه ، وتقوسمت تركته من لدن ورثة الظلم والعدوان !! كل هذه الطعنات في قلب الأمة العربية على يد القوى الاستعمارية أدخلت العالم العربي في حالة غيبوبة تامة ردحا من الز من ، أضحى معها كالجثة الهامدة بين يدي قاتِلِه يقلبه كيف شاء بلاحراك ولانفس ! بدأالجسد العربي بعد ذلك يضمد جراحه ويلاحق أنفاسه، مقاوما ضعفه متحاملا على نفسه ، يبحث عمن يلملم شعثه ويوحد فرقته ، فاهتدى إلى فكرة تعيد الروح للجسد، وتشد الحاضر بالماضي و تبددالألم بالأمل ،ألاوهي الجامعة الاسلامية ! التي أحدثت صدى ودويا مباركا على امتداد القطر العربي والإسلامي ! وحينها فزع الغرب واضطرب ، وأدرك بالخطر من هذا المارد يتململ ، فقام بخطوة استباقية أجهز من خلالهاعلى هذه الفكرة في مهدها بتدخل ماكر ومؤامرة فاضحة واضحة من قبل مؤسس الدولة اليهودية “هرتزل” ومن استنفرهم من قادة الدول العظمى آنذاك ! وحتى يضمنوا عدم تغلغل تلك الفكرة المباركة في العقل العربي ، واقتلاع أي بادرة من بوادر الوحدة الإسلامية التي تقض مضاجعهم ، اخترعوا لهم جامعة تفرق جمعهم وتبدد وحدتهم وتفصلهم عن تاريخهم وتنسيهم حضارتهم ، جامعة تجمع العرب تحت رابطة العروبة لاالإسلام ، فكانت فكرة (الجامعة العربية ) لتحل بديلا عن قيام الجامعة الإسلامية التي أجهضها الغرب المتربص ، وأنتج عوضها مسخاًمشوهاهزيلا ، أوهى ضعفاً من بيت العنكبوت ! لينضوي العرب تحت لوائها البائس التعيس ، خشية أن يأووا تحت لواء جامعة إسلامية إلى ركن شديد ! حصل ذلك كله تحت وصاية ورعاية بريطانيا عام 1945م ومباركة العالم الغربي ومن يدورفي فلكه من العرب المستغربين ( ولتصنع على عيني ) ، والمثيرللريبة والدهشة أنهم جعلوا مقرها مدينة القاهرة ، وقت كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني آنذاك ! فعلام يدل ! طارالغرب فرحاًبإعلان هذه المسخ الخداج قبل صعاليك العرب ومغفليهم ، ويكفي أن نسمع استبشار وزيرالخارجية البريطاني “السيرأنطوني إيدن” الذي كان الأب الروحي لهذ الجامعة وصاحب فكرتها ، حيث اعتبرهذه الجامعة بصريح عبارته “خدمة للمصالح البريطانية في المنطقة ، وضمانة لاستمرارها” ! وظل الغرب يغذي هذه الجامعة وينفخ فيها من روحه وماله إلى يومنا هذا ! هذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن تعرف وتقال ! لاأن ندس رؤوسنا بالتراب كالنعام ! وبعد فإن الجامعة العربية ماهي إلاوهم وهم ، ودجل وخداع ، وتخدير للشعوب ، وحماية للأنظمة ، وتكريس للظلم والذل والتبعية والطغيان ! لقد ضاعت فلسطين ، وبيعت الجولان ، واغتصبت الأحواز ، واستبيحت العراق ، واستعمرت جزر الإمارات و...وجامعتنا الموتورة ( استأصل الله شأفتها ) تغط في سباتها العميق ! لافي العير ولافي النفير ! هذا غيض من فيض ، وليس الخبركالعيان ! بعد ذلك كله ألايحق لنا تصديق المقولة الآنفة الذكرعن العرب بأنهم مجرد ( ظاهرة صوتية ) ليس لهم من الأمرشيء ؟ أقول : بلى، وأكثر، وصدق شاعرالعروبة محمود غنيم حين رفع عقيرته خلف أسوارقصرالحمراء ناعياً الأمة العربية متذكرا أمجادها بقوله : ويح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماض نسيناه إنا مشينا وراء الغرب نقبس من ضيائه فأصابتنا شظاياه إن المراقب للمشهد السياسي اليوم في وطننا العربي اليوم ليصاب بحالة من الدوار الذهني والاشمئزاز النفسي وهو يشاهد هذه الأمة المغلوبة على أمرها تعيش حالة حادة من التيه والضياع والتشرذم ، بل التخلف على جميع المستويات والأصعدة علمياوفكرياوسياسيا وعسكريا واقتصاديا بل وأخلاقيا أيضا ! تخلفا تغلغل في سائر مفاصلها، ونخر في تضاريس جسدها المثقل بألوان الأوبئة والعلل ! من بطالة وفقر وجهل وظلم واستئثاربالأموال وفساد عريض ! وهي تنقاد طائعة أومكرهة بيد جزاريها وجلاديها الجبناء الذين وضعواحبال التبعية للغرب في رقابهم ، ورقاب شعبهم ، وطأطؤوا رؤوسهم لأسياد بني الأصفر أذلة وهم صاغرون !! حتى استمرأت الأمة هذا الضعف والاستعباد ، وألفت القهر والاستبداد ! والهبت أكفها بالتصفيق لكل سارق ومارق تحت شعار ” ليس بالإمكان أحسن مما كان ” وكان الأجدربها أن تلطم بهذه الأكف وجوهها حياء وحزنا ! وأحسن الناس حالا من عقل لسانه وأنكر بقلبه ، ورضي من الغنيمة بالإياب ! ثم لاذ محتمياً بالصمت ، مكتفياً بالاسترجاع والحوقلة ! إن الأمل معقود بالله ثم بالشباب ( العربي النبيل ) الباحث اليوم عن نسيم الحرية تحت مظلة الربيع العربي ، ليعيد للأمة مجدها الضائع وعزتها المسلوبة وهويتها المغيبة ، ويبعث في نفوس شعبهاالمكلوم الأملَ المنشود والوحدة المنتظرة تحت لواء جامعة عربية إسلامية فتية على أنقاض هذه الجامعة العربية المأزومة المهزومة ! إنه بدمائه الشابة الثائرة على الظلم والاستعباد سيضخ في عروق الأمة وشريانها إكسير الحياة ، وسيزيح عروش الاستعباد والاستكبار التي خنقت أنفاس الأمة العربية ، واستأثرت بخيراتها ، وقادتها إلى محاضن التبعية الغربية والهزيمة النفسية ! فمتى سيخاطب كل عربي حرّ السحابة الممطرة في سماء وطننا العربي الإسلامي الموحد بماخاطبها به القائد العربي الرشيد ( أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك ) ومتى يرفع االقادة العرب الأحرار مقولة الفاروق الخالدة شعاراً لهم ( لاخيرفيكم إن لم تقولوها ولاخير فينا إن لم نسمعها ) ويصرخوا بوجه كل ظالم مستبد قائلين ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .... وحينها يحق لناأن نصافح بهمتنا الجوزاء ونعانق الثريا ، ونباهي الغرب والعالم أجمع بعروبتنا وإسلامنا مرددين – ولافخر – : سل المعالي عنا إننا عرب............شعارنا المجد يهوانا ونهواه إنه حلم كل عربي مسلم أبي غيور ، فمتى يكون ، متى يكون ؟ — ومضة : قال أبو حفص رضي الله عنه : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله ) .... فمتى يعي الحالمون !! رشيد الربيش