ليس غريبا بالنسبة لطفل يعيش ويتربى على أنه بطل كبير وعاقل؛ أن يكبر وقد ترسخت بعقله فكرة استحقاقه لألقاب هي ليست له، بل إنك تجده يعمل بصلاحيات في إطار هذا اللقب أو خارجه بكل أريحية، إلى درجة أن كلمات اللغة العربية كلها استهلكت بصناعة الألقاب ومسميات مناصب غير مفعلة ولا وظيفة لها. أتعجب كثيرا عندما أرى عجز المترجمين عن تفسير بعض المسميات التي انتشرت بالوسط الاجتماعي والنخبوي لدينا. فالألقاب الكثيرة في حياتنا أنتجت نسيجا اجتماعيا يحب التصنيف.. هذا من جماعة الملتزمين.. أصبح فضيلة الشيخ.. والآخر أصبح ليبراليا وعلمانيا، وحتى من لا مجال له أصبح له تصنيف، فهو يعد ناشطا اجتماعيا. الأكيد أن هذه الألقاب أصبحت تُعطى بغير حق؛ كيف لا والشخص نفسه يستطيع منح نفسه هذه الرتبة، ويستطيع منح نفسه صلاحيات تميزه عن غيره بناء عليها، فهي شهادة غير مطبوعة ووظيفة لمن ليست له وظيفة، حتى إن كانت هذه الصلاحيات تتعدى مجاله، لا ضير في ذلك، فحامل اللقب يحق له ما لا يحق لغيره في زمن أصبح فيه الشاعر محللا رياضيا، وتحول الفنان إلى مهرج! وأضحى الشاب الملتزم يحلل ويحرم ولا يحق لأحد كان أن يجادله أو يراجعه في رأي صدر عنه، طالما أن هذا الشاب يحمل لقب فضيلة الشيخ.. وغير ذلك من الأمثلة التي ينطبق عليها مبدأ ثقافة الألقاب.. فهم امتلكوا خبرة وشهادات وعلما ومزايا لا ترى إلا من خلال غشاء وهمي قاتم، هو اللقب الذي يحمله أحدهم. أثق تماما أن أحدا لا يستحق لقبا عرّف به عن نفسه منذ أن خاضت زنوبيا "الملكة المحاربة" حروبها في طرد المرتزقة من الجبال في سورية!