إننا لا نعيش فراغاً دستورياً، منذ أن تلا رسول الله صلى عليه وسلم قوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً»، والمؤسس الأول الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه جعل القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر التشريع، وهذا ما سار عليه ويسير أبناؤه البررة، وبذل المعنيون جهودهم الكبيرة لتدوين الأحكام الشرعية في كل المجالات القضائية والتجارية والتعليمية والاجتماعية والأحوال الشخصية والتصنيع والصيد البري والبحري والزراعة والرعي والثقافة، والإعلام، وكل المجالات الأخرى قاطبة، فلم يتركوا صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة أو واردة إلا وتم تضمينها الأحكام. ونحتاج بين فينة وأخرى إلى إصدار مدونات إلحاقية بحسب نشوء مستجدات فى حياة الناس، مع تطور حياة الإنسان ومقتنياته ومستلزماته، وحاجياته الحياتية المواكبة للتطورات والتحديثات فى جميع المجالات، ولا بد أن تكون هذه الإصدارات متزامنة مع المستجدات، وليست متأخرة عنها، ولا تصدر عن جهات غير رسمية، تحت مسمى «الفتاوى»، لأن الكل – كل مسلم – يعلم بإذن الله ما له وما عليه، فلا يجوز لكل شخص أن يُصدر فتوى، لمجرد حفظه لنصوص الأحاديث النبوية، أو حفظه للآيات القرآنية، أو لأنه يحمل شهادات دراسية منحتها إياه مدارس يغلب عليها تدريس نصوص الأحاديث النبوية وحفظ سور القرآن الكريم، لأن الله جل شأنه قال «وفوق كل ذي علم عليم»، والاهتداء إلى ذي العلم الذي يُستشهد بعلمه، يتطلب خطوات ومراحل أكاديمية علمية معروفة، فلذلك يتم حصر الفئات والأشخاص الذين يستحقون حمل صفة «عالم» أولاً، ثم يتم تصنيف المؤهلين لإصدار الفتاوى، وبالتالي يُمنع إصدار الفتاوى من غيرهم. ولأننا منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نعايش أي قصور أو فراغ دستوري، استطاع المسلمون الانتشار شرقاً وغرباً، وفي كل أصقاع المعمورة، ووطدوا دعائم الحُكم الإسلامي الرشيد، وأسسوا المراكز العلمية ووضعوا أسس العلوم الحديثة، وكان مرد ذلك إلى الانفتاح والمرونة، وتقبل الرأي والنقد، وتقليب النظر في الأمور كافة بلا أى انغلاق. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، سباقاً إلى الدعوة لإقامة مجمع الفقه الإسلامي، هذا المجمع المتكامل الذى يجب أن نُحيل كل الفتاوى إليه، ونأخذ منه التفويض والإجازة، ثم نعيدها إلى مجلس القضاء الأعلى لإضفاء اللمسة الختامية، لتضاف إلى مدونة الأحكام الشرعية، لتكون المكمل والمتمم لتفصيلات وشروحات الدستور، لأنه الدستور الواحد الموحَّد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالواجب يقتضي الاستفاضة في التفصيلات والشروحات التى تلمس وتلامس كل جوانب الحياة، فالأحكام الشرعية لم تترك شيئاً إلا وفصَّلت فيه كامل التفصيل، بحيث لن نجد أمراً ما فى حياة المسلم لم تتطرق إليه الأحكام الشرعية، فلذلك، لم، ولن نعيش فراغاً دستورياً، وأما الاختلافات الاجتهادية، فيجب حصرها من خلال هيئة كبار العلماء، التي هي مهمتهم الأصلية والأساسية. واذ اننا فى عصر الحاسوب، والطباعة، والكتب، والشبكة العنكبوتية، كان لزاماً، جمع كل هذه المدونات الشرعية، التي هي «مدونة الأحكام الشرعية» الشاملة، في موسوعة، وطبعها، ونشرها، في المكتبات العامة، والجامعات، والمدارس «كمرجع أساسي»، وفى الشبكة العنكبوتية، عبر استحداث موقع «مدونة الأحكام الشرعية»، وكما هو حال أي عمل بشري، قد يحتاج هذا العمل الكبير إلى تعديلات وإضافات بحسب المستجدات، فلا يمنع هذا من إضافة التعديل والإضافه أولاً بأول، وعندئذ فقط، لن يتم إصدار حُكمين مختلفين فى القضية نفسها، سواء على مستوى الدولة الواحدة، أو مستوى الأقطار المختلفة، وسيعمل الجميع على قراءة المدونة، قبل أي قول أو فعل، أو تناول أي موضوع، من الصحافيين أو الكتَّاب أو غيرهم. ويحق لنا الفخر بأننا لا نعانى ولا نشتكي من نقص أو فراغ دستوري، فما دمنا أعلنا أن القرآن والسنة هما التشريع، ومصدر التشريع، فيجب الحرص كل الحرص على تدوين الأحكام الشرعية وإلزام الجميع للعمل بموجبه، فليس هناك – أصلاً– ما يسمَّى ليبرالياً فى الإسلام، ولا «علمانياً» ولا حداثياً، وغيرها من المسميات الدخيلة، بل لا يجوز إطلاقها على المسلم بالأساس، فكلنا مسلمون، موحدون، ولن يستطيع أحد اختطاف الإسلام وسماحته لنفسه، مهما تصور أنه يستطيع ذلك بل أن يتصور أو يتخيل ولو للحظة أنه الوحيد فى فهم الدين دون الآخرين، فهو إنما يُدلِّلُ على أنه لا يفقه شيئاً فى سماحة ووضوح وكمال الدين الإسلامي، وكل ما علينا هو أن يطبق الجميع بلا استثناء الأحكام الشرعية، فلا أحد فوق الشرع الحنيف والحكيم. [email protected]