من عمق التراث الحجازي، ومن على مسافة مئات السنين، يخرج صوت الجسيس المديني صالح عمر، مؤكدا أن التراث والتاريخ والعمق الحضاري قيمة إنسانية يمكن نقلها عن طريق ذبذبات الصوت الشجي، من جيل إلى جيل. عضو نادي المدينةالمنورة الأدبي الدكتور مدني شاكر الشريف أطلق على الفنان صالح عمر "صوت المدينة" حيث تميز بصوته الشجي، وأعده مدرسة في فن المجس، كما وصفه بأحد أبناء طيبة البارين، حيث حفظ للمدينة المنورة الكثير من القصائد التي قيلت فيها وصفا ومديحا وقدسية. ويرى مدني أن عمر حفظ أصول الفن التراثي واستقاه من منابعه ليضيف عليه إبداعه، حيث شارك في جميع المناسبات التي تقام بالمدينةالمنورة وحافظ على هذا اللون التراثي بكل إتقان، مضيفا أنه ساهم مساهمة كبيرة في انتشار فن المجس. جاء ذلك خلال تكريم فرع الجمعية السعودية للثقافة والفنون أول من أمس للفنان الجسيس صالح عمر وتقاسم النقاد والأدباء بحضور رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون الشاعر عيد الحجيلي الحديث النقدي والفني حول فنان أطلق عليه بعضهم لقب "صوت المدينة" فيما عده آخرون صوتا متجاوزا لتقاليد التعريف، مشيرين إلى أن نغمته وأصالته الفنية تكشف الأدعياء. نائب رئيس نادي المدينةالمنورة الأدبي محمد الدبيسي استشهد في حديثه عن تجربة صالح عمر بمدونات محمد حسين زيدان في كتابه "ثمرات قلم" حين قال الزيدان "كان في المدينة من يعرف النغم على أوسع وأشد من القباني وسلامة حجازي وزكريا أحمد وعلي محمود من أمثال كاظم توفيق وحسين هاشم وعمر عبدالسلام وغيرهم، مشيرا إلى أن وجود صالح عمر في ظل عدم إدراكنا لذلك الرعيل يعد آية على ذلك. واستشهد الدبيسي بما قاله له نايف فلاح الجهني قبل 10 أعوام حين سأله الأخير: هل تريد أن تسمع صوتا نازلا من السماء؟ فأسمعه قصيدة الشاعر حسن مصطفى صيرفي التي غناها صالح عمر "هزني الشوق"، مضيفا أنه لا يمكن أن تستوعب هالات الجمال وسحر النغم وعبقرية الصوت وأبعاده وروعة الأداء لدى صالح عمر. وأضاف الدبيسي "لم أستمع لكل ما أدّاه صالح عمر، لكنني كلما استمعت إليه أستعيد عبارة "نازل من السماء" لأنها قد تكون العبارة الأقرب لعبقرية هذا الفنان، ولهذه النبرة المدهشة. وانتقد الدبيسي الساحة الفنية من خلال حديثه عن تجربة الفنان صالح عمر، مشيرا إلى أننا لم نجد صورته في يوم من الأيام على غلاف كاسيت أو سي دي، مكتفيا بالقول: "هذا المديني الشاهق يوجد هنا في مثل هذا المقام وهذه الساعة الوادعة الحفية بالصادقين". نايف فلاح الجهني، والذي كان آخر المحتفين في كلمته بالفنان صالح عمر، يرى أن الأخير من غير تعريف ولا تلقيب اسم انتقل من مسمى الشخصي ليطلق على عنوان من عناوين الفن بالمدينة، فعمر –والحديث لنايف- لست بحاجة لأن تعرفه ب"الفنان" أو الأستاذ، فهو اسم متجاوز لتقاليد التعريف، عريق في بابه، طاعن في النغم والمديح، مؤكدا أنه "نغمة" وليس اسما، وهو عنوان إن لم يأخذك بالمحبة أخذك بالنغم وأخذك بالعراقة وحس الانتماء في صوته القوي الذي يجعلك تشعر بأن شيئا جميلا يحلق الجوار.