اعتبرت مؤسسة الفكر العربي أن تقريرها الرابع للتنمية الثقافية يجيء في وقت تجتاح فيه المجتمع العربي تغييرات سياسية واجتماعية سريعة ومتلاحقة، مشيرة إلى أن الشباب كان السمة الغالبة لمعظم ملفات تقريرها، ولافتة إلى ذلك أمر فرضه منطق الأحداث التي شهدها العديد من البلدان العربية منذ أوخر العام الماضي. وحاول التقرير، المعني أصلا برصد حالة الثقافة والمعرفة في دول العالم العربي، معرفة كيف كان الشباب حاضرا بقضاياه واهتماماته وهمومه في ملفات عدة، لذا خصص ملف التعليم في نسخته الحديثة، لرصد قضية البطالة تحت عنوان " التعليم الجامعي وسوق العمل: اختلالات على الجانبين". وأظهر هذا الملف افتقاد التناغم وغياب السياسات المتكاملة بين نظم الالتحاق بالتعليم الجامعي وتوزع التخصصات داخله من ناحية، وبين سوق العمل من ناحية أخرى. كما لفت إلى أن الجامعات العربية تضخ كل عام في مجالات مهنية معينة أعدادا هائلة من المتخرجين بأكثر مما يحتاجه سوق العمل، في الوقت الذي لا تلبي فيه الجامعات العربية ما يحتاجه سوق العمل في مجالات مهنية أخرى. وبما اعتبره نتيجة لهذا الخلل، أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات، مستشهدا بأن مصر بلغ فيه معدل بطالة خريجي الجامعات 18.4 % من إجمالي العاطلين عن العمل في مقابل معدل بطالة بلغ 1.2% للأميين الذين لم يتلقوا تعليما. ولفت التقرير إلى شدة تواضع الاهتمام بالتعليم الفني والمهني في المرحلة ما قبل الجامعية، وهو المجال الذي اعتبره مساهما مهما في دفع عجلة التنمية، مشيرا إلى أن ما ينفق على هذا المجال التعليمي في السعودية، لا يتجاوز 3% من إجمالي ما ينفق على كل أنواع التعليم الأخرى في البلد. إلا أن التقرير لفت إلى نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم العالي البالغة 3.8% من مجمل الإنفاق، أي 23619 دولارا، معتبرا أن الطالب السعودي يحظى بأعلى المعدلات العالمية في حجم الصرف على التعليم من قبل الحكومة. وعلى الرغم من المؤشرات السلبية التي استعرضها التقرير بشكل تحليلي وتفصيلي، إلا أنه عاد ليؤكد على عدد من التطورات التي وصفها بالإيجابية على صعد تعليمية أخرى، مستشهدا بتجربة السعودية في ابتعاث نحو 120 ألفا من مواطنيها إلى الجامعات الأجنبية، ومعتبرا أنها احتلت بذلك المرتبة الثانية عالميا في عدد المبتعثين الوطنيين الدارسين في الخارج. وفي ملف المعلوماتية، الذي خصص لرصد قضايا الشباب العربي على الإنترنت، استند التقرير على ثلاثة مصادر هي: فيس بوك، والمدونات، والمنتديات. ولفت إلى نشاط ملحوظ ومتنام لتواصل العرب عبر الفضاء الإلكتروني، مستشهدا على ذلك بالأرقام التي أظهرت معدل تواصل العرب عبر الإنترنت البالغ 29 مليونا و600 ألف حالة تواصل عبر المنتديات الإلكترونية، استحوذت قضايا الاقتصاد على نصيب الأسد من هذه التعليقات حيث بلغت 32.7% من الإجمالي. وكشف التقرير عن ما أسماه بالمفاجأة وهو يشير إلى أن التدوين النسائي اكتسح 9 دول عربية، جاءت السعودية أبرزها، حيث سجلت المدونات السعوديات نسبة 70% مقابل 30% للمدونين الرجال. وبرزت "قضية المذهبية" بحسب التقرير كأكبر قضية تتداول بين الصفحات الجماعية في الفيس بوك، حيث وصلت نسبة المشاركة إلى نحو 95%، في حين جاءت قضية " الخواطر والمشاعر الشخصية" كأكبر قضية تتداول في الصفحات الفردية، وهو الأمر الذي اعتبره التقرير إشارة واضحة إلى أن قضايا الشأن العام تحظى بقدر من "الهندسة والتنظيم على فيس بوك لا تحظى به قضايا الشأن الخاص"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن ذلك يفسر كيف كانت شبكة فيس بوك سلاحا إلكترونيا استخدمه الشباب لتنظيم المظاهرات الحاشدة في بعض البلدان العربية. أما إحدى أبرز الملاحظات التي لفت إليها التقرير في هذا الملف، فهي المكانة المتدنية لقضية حقوق الإنسان في سلم أولويات المدونات العربية، إذ جاءت في المرتبة 28 لدى المدونين العرب ولدى المنتديات العربية في المرتبة 38. وعلى صعيد كتابات الشباب العرب، رصد التقرير نماذج عدة من دول عربية مختلفة، بهدف التعرف على الحقول المعرفية والإبداعية التي تنتمي إليها، مشيرا إلى طفرة في الكتابة الشبابية في السعودية، حيث بلغ عدد إصدارات الشباب فيها 294 احتل الإبداع الإدبي نسبة 52%، بينما لم تتجاوز كتاباتهم في العلوم نسبة 1%، إلا أنه اعتبر أن كتابات الشباب السعوديين متقدمة بفارق كبير على كل ما كتبه الشباب الخليجي مجتمعا (66 كتابا). وفي الملف الإبداعي تناول التقرير ما أسماه بالتقدم النسبي الذي حققته صناعة السينما وتوزيعها في عدد من الدول العربية، لكنه نبه إلى أن الغلبة في سوق عرض السينما ما زالت للأفلام الأجنبية. أما في ملف المضمون الثقافي للأغنية العربية، سمى التقرير الغناء العاطفي العربي كأكثر المجالات استئثارا بنسبة 69%، وجاء الغناء الشعبي بنسبة 22% والديني ب7%. في حين لفت إلى ما وصفه ب"الظاهرة المفجعة" وهي التدني الذي "بلغ حد الانحطاط في كلمات كثير من الأغاني العربية"، معتبرا أنها تجد رواجا يصعب تفسيره لدى الجمهور، وهو الأمر الذي اعتبره مفارقة مقلقلة. وأشار التقرير إلى أن عام 2010 شهد حضورا بارزا لقضية اللغة العربية، وحالة استنفار لدى جهات ومؤسسات عدة "انطلاقا من الشعور بمستويات الأزمة المتفاقمة التي تحق بتخوم الضاد". وجاء في التقرير ملف خاص حول أزمة اللغة العربية في الحاضر، تحت مسمى "اغتراب اللغة أم أغتراب الشباب"، وذلك بناء على استطلاع أجرته مؤسسة الفكر العربي في 9 دول عربية. وكشف الاستطلاع عن عدد من المؤشرات التي اعتبرها "مهمة ومثيرة"، كان أولها: أن 53% من الشباب العربي يستخدم اللغة الإنجليزية أو لغة أجنبية أخرى في التواصل عبر الإنترنت ب"الدردشة"، ومتوصلا إلى أن "الكتابة عبر الإنترنت وباستخدام أجهزة الهاتف المحمول تتم بالحروف اللاتينية لمفاهيم تدرك باللغة العربية في ظاهرة تستدعي التوقف والقلق".