لا شك أن العام 2010 كان عام الشباب العربي المؤثّر بامتياز، إذ شكّل الحراك الشبابي في المجتمعات العربية انعطافه عميقة وبنيوية، واكبها التقرير العربي السنوي للتنمية الثقافية، الذي يصدر عن مؤسّسة الفكر العربي للعام الرابع، بتحليل ورؤى ومؤشرات إحصائية تتصل كلّها بواقع الشباب العربي وقضاياه التي استحوذت على ملفات التقرير ومعالجاته. وخصّص التقرير ملفاً حول موضوع البطالة محوره "التعليم الجامعي وسوق العمل: اختلالات على الجانبين"، وملفاً آخر حول "قضايا الشباب العربي على الإنترنت"، وملفاً ثالثاً حول "كتابات الشباب العرب"، إلى ملف محوره اللغة العربية "اغتراب الشباب أم اغتراب اللغة"، وملفي حركة الإبداع الأدبي والحصاد الثقافي في العام 2010. الملف الافتتاحي في التقرير هو "المعلوماتية وقضايا الشباب على الإنترنت" وتركّز البحث فيه على أبرز القضايا التي انشغل بها الشباب عبر الإنترنت، وفي مقدّمها قضايا الأدب والثقافة وقضية فلسطين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأفرد الملف نفسه حيزاً واسعاً لقنوات التواصل الرقمية الثلاث (المدونات، المنتديات، الفيس بوك)، التي أصبحت تشكّل الفضاء الأوسع لملايين العرب للتعبير عن همومهم وهواجسهم وقضاياهم. المملكة الثانية عالمياً في إعداد الدارسين في الخارج.. والأولى عربياً في براءات الاختراع لعام 2010 ومن النتائج الإحصائية اللافتة في ملف المعلوماتية، أن أكثر المدوّنات العربية اهتماماً بقضايا الثقافة هي المدوّنات العُمانية، تليها الإماراتية ثم البحرينية والفلسطينية والسورية، أما أقلها اهتماماً فهي المدونات العراقية واليمنية والمغربية والجزائرية والموريتانية، وأظهرت المدوّنات العراقية أنها الأكثر اهتماماً بالقضايا الإسرائيلية مقارنة بالمدوّنات العربية الأخرى، تليها المدوّنات السودانية ثم المغربية، أما المدوّنات الأقل اهتماماً بإسرائيل فكانت المدوّنات البحرينية والجزائرية والموريتانية والسورية والسعودية. واللافت أن التدوين النسائي اكتسح تسع دول عربية، إذ سجّلت المدوّنات النسائية السعودية 70 بالمائة مقابل 30 بالمائة للمدونين الرجال، وفي قطر تقدّمت المدوّنات النسائية بنسبة 76% وفي الإمارات 75% وفي المغرب 82% وفي تونس 52%، أما التدوين الذكوري فقد تقدّم في بلدان مثل سورية والعراق والمغرب وليبيا والأردن ومصر واليمن.. كما يلفت التقرير إلى أن قضية المذهبية هي أكبر قضية يتم تداولها بين الصفحات الجماعية للفيس بوك وتصل نسبة المشاركات فيها إلى أكثر من 95%، فيما احتلت الخواطر والمشاعر على الصفحات الفردية نسبة عالية وصلت إلى أكثر من 95% واحتلت قضايا الأدب والثقافة المركز الأول في لبنان والثاني في المغرب واليمن وعُمان والثالث في الإمارات والبحرين وسورية وليبيا وموريتانيا، والرابع في الأردن والسودان والكويت وتونس وقطر والخامس في الجزائر والسعودية والسابع في فلسطين والثامن في مصر.. وأورد التقرير فيما يتعلق بالتعليم الجامعي في السعودية تضاعف عدد الجامعات الحكومية من 9 إلى 25 جامعة منذ بداية القرن، وارتفع عدد مؤسّسات التعليم العالي والجامعات الخاصة من 2 إلى 18، كما تجاوز عدد المبتعثين إلى الخارج إلى نحو 100 ألف مبتعث يدرسون في جامعات 21 دولة، إذ تحتل السعودية المرتبة الثانية عالمياً في نسبة الدارسين في الخارج.. وينسحب هذا التطور على مخرجات التعليم، إذ بلغ عدد الخريجين السعوديين 120797 في العام 2010 مقارنة ب 56753 في العام 1999 أي بزيادة قدرها 113%. ونجم عن تحفيز المبتكرين في المملكة ارتفاع النسبة المئوية لبراءات الاختراع التي مُنحت في المملكة 16و5%، كما احتلت المملكة المرتبة الأولى عربياً في عدد براءات الاختراع في العام 2010 وسُجل منح 287 براءة.. أما في ملف كتابات الشباب العرب رصد التقرير ما خطّه الشباب تبعاً لواقع كل بلد وخصائصه والقضايا التي انشغل بها الشباب، خصوصاً المرحلة التي سبقت الربيع العربي في غير بلد والاضطرابات السياسية والاجتماعية.. وتُظهر الكتابات عموماً تعبيرات واضحة عن الانسحاق الاجتماعي وهموم الشباب العربي، إلا أن هذه الكتابات ابتعدت عموماً عن النفَس النضالي والثوري الذي طبع كتابات الجيل السابق، خصوصاً أن هذا الجيل بعيد عن الانتماء الحزبي المباشر، باستثناء كتابات الشباب الملتزمين عقائدياً وأيديولوجياً. أما في مصر فقد سجّلت الرواية أعلى درجات الانتشار والزخم، وتشير الإحصاءات إلى صدور كتاب واحد لكلّ 5000 مواطن مصري كل عام، ويُطبع من كل عمل جديد 500 إلى 1000 نسخة، ويتجاوز الطبع هذا الرقم إذا ما كان المؤلف معروفاً.. ويبدو الشباب المصري متأثراً إلى حدّ كبير بشخصيات مصرية من جيل الستينيات مثل أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين ويوسف إدريس، واللافت أن الكتاب الديني الإسلامي والمسيحي لا يزال يحتلّ في مصر المرتبة الأولى بين منشورات الكتب منذ عشر سنوات.. أما في السودان يُنشر كتاب واحد لكلّ 100 ألف مواطن سوداني على الرغم من أن غالبية السودانيين لا ينشرون في بلدهم إلا نادراً، وقد أنشأ بعض الناشرين السودانيين صفحات ومواقع لهم على شبكة الإنترنت لكن غالبيتها دور نشر أكاديمية تابعة للجامعات أم تابعة للدولة قدراتها التنافسية محدودة.. وفي المغرب العربي عموماً تنعكس معوّقات التعاون وعملية التوزيع بين بلدان المغرب العربي غالباً على عزيمة الكتّاب الشبان. وفي السعودية ودول الخليج عموماً اتّسمت كتابات الشباب بالتجديد والتحديث والاعتناء باللغة، وطغيان النوع الأدبي على الكتابات، خصوصا القصة والرواية، مع الابتعاد عن العلوم البحتة والسياسة. وقد بلغ إجمالي إصدارات الشباب العربي نحو 360 كتاباً أسهم فيها الشباب السعودي وحده ب295 كتاباً أي ما نسبته 80% من إجمالي كتابات دول الخليج. في الملف الخاص هذه السنة "اغتراب الشباب أم اغتراب اللغة"، تركّز البحث على استطلاع للرأي أجرته مؤسّسة الفكر العربي، وهو يؤشّر إلى واقع التدهور البالغ للغة العربية لجهة تدهور جودة العملية التعلمية، وتراجع المعايير المهنية في الحرص على اللغة، ومخاصمة الفنون الإبداعية لمقتضيات اللغة العربية، وتراجع المنظومتين الحاميتين للغة العربية، وتفشي ظواهر سلبية تُضعف روح التجانس القومي والوطني مثل الثنائية والازدواجية اللغوية، إلى عزوف الشباب العربي عن التمسك بلغته الأم مقابل الافتخار بالتحدث بلغات أجنبية. ازدهار السينما وتراجع المسرح ملف الإبداع تضمن هذا العام ثلاثة محاور هي: "السينما عشية الربيع العربي"، و"المسرحيون العرب والنفق المظلم"، و"مدخل منهجي لتنظير الموسيقى العربية". يتّضح في ملف السينما أنه من بين 100 فيلم أنتجته البلدان العربية كافة خلال العام 2010، لم يتجاوز المميّز بينها 18 فيلماً كحد أقصى. واللافت في هذا القطاع نشوء مؤسّسات عربية في الإمارات وقطر لدعم السينما، إلى جانب الازدياد المطرد لأعداد المؤلفين والمخرجين، وفي حين تراجع الإنتاج السينمائي المصري في العام 2010 إلى 27 فيلماً كأدنى رقم سنوي حقّقته السينما المصرية، إلا أن معظم المشتغلين في هذه الأفلام كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، كانوا في طليعة الشبان المصريين الذين بدأوا ثورة مصر، إضافة إلى دور السينما في تحسّس ما سيحدث والقيام بما يشبه الإعداد له. في المغرب وصلت السينما إلى سن الرشد بمعنى الانتقال من الهواية إلى الاحتراف، في الوقت الذي تراجع فيه عدد الصالات من 400 إلى 71 صالة تشهد إقبالاً كثيفاً على الأفلام المغربية. مهرجان قرطاج لم يقدّم جديداً هذا العام، فيما اقتصر النتاج السينمائي الجزائري على فيلمين وحيدين. أما في لبنان فقد جاء العام 2010 غنياً بالإنجاز وواعداً بقدرة السينما اللبنانية على تجاوز الحرب الأهلية وذكرياتها، بدوره بقي الإنتاج السينمائي السوري متواضعاً على الرغم من زيادة الميزانية المخصّصة لقطاع السينما (نحو 3 ملايين دولار)، في وقت لم يتجاوز فيه مجمل الإنتاج الفني السينمائي في الأردن منذ سنين عدد أصابع اليد، أما السينما الفلسطينية فسجّلت نجاحاً من الناحية الإنتاجية كرّست الحضور المتطور لسينما تُصنع في المنافي الداخلية والخارجية. وظهرت السينما العراقية في العام 2010 بوصفها السينما الأكثر حضوراً في المهرجانات العالمية والأكثر حصداً للجوائز. وجاءت السعودية كواحدة من البلدان الأكثر استهلاكاً للأفلام في العالم لكن عن طريق الأسطوانات المدمّجة وليس العروض السينمائية.. أما المسرح العربي لم يخرج من وضعه المأزوم، وهو لا يزال يتخبّط في خصائصه المشؤومة، إذ لا مدينة لبعض المسرحيين العرب، لا مسرح في غياب المدينة، لا مسرحي لا...أما المهرجانات العربية فهي فقدت حضورها وروّادها. الأغنية العربية جاءت غالبيتها باللغة العامية أو المحكية، واستأثر الغناء العاطفي العربي بنسبة 69% من إجمالي الغناء قبل الغناء الشعبي 22% والديني 7%. حصاد واعد ملف الحصاد السنوي للعام 2010 أثار أسئلة تتعلق بالزخم الثقافي المتراكم في أشكاله، وصُنّف العام الماضي بالناشط ثقافياً والحيوي على الرغم من بعض التحفظات، وجاءت أبرز المعطيات الإيجابية لهذه الحركة الثقافية بتبلور قناعة بأن أمن الوطن العربي يبدأ من أمن كل دولة عربية على حدة، وأن الثقافة تشكّل ركناً أساسياً في هذا الأمن، إضافة إلى تبلور أطر عملية للحوار والنقاش وتبادل التجارب في القضايا الثقافية العربية، تعد بالانتقال من التنظير إلى تفعيل العمل الثقافي العربي.. وفي الحصاد تقاطعت المقاربات إزاء الثقافة مع مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وتمحورت حول إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر، جدلية الاندماج والتنوع، الثقافة في ظل وسائط الاتصال الحديثة، الثقافة العربية المستقبل والتحديات... وغلبت قضايا أساسية على النقاش مثل المعرفة والعقل والعلم بوصفها مكوّنات أساسية للحداثة، في حين تراجعت قضايا أساسية مثل قضايا المرأة والديمقراطية لمصلحة اللغة والعروبة والإسلام والشباب والثقافة. ويبيّن التقرير أن نقص المعرفة في الوطن العربي يشكّل المعوق الرئيسي الثالث الذي يعترض طريق التنمية الإنسانية العربية، فضلاً عن تراجع موقع اللغة العربية في الخارطة الثقافية والتربوية.. ولقد شهد العام 2010 عدداً من المؤتمرات تبحث في الحوار بين الحضارات، وخمسة مؤتمرات تبحث عن هاجس العروبة، وكان للغة العربية حصّتها في الأنشطة، كما احتل موضوع الشباب العربي حيزاً مهماً.. وفي تحليل المقروء من الإنتاج الثقافي على مستوى الصحف والدوريات، تمثّلت أبرز الموضوعات الفلسفية والفكرية والنظرية التي تناولتها هذه الدوريات خلال العام 2010 بموضوع الأنا والآخر، سواء تمثّل ذلك بين العرب وأوروبا أم بين الإسلام وغيره.