أجساد نحيلة تكسوها ملابس رثة، يعيشون على ما تجود به أيادي المحسنين، يرضون بما يقدم لهم من بقايا الطعام على أبواب الفنادق والمطاعم، لا أهل لهم ولا مأوى بعد أن تخلى الجميع عنهم. هم مرضى نفسيا وكثر تواجدهم أخيراً في كافة الأماكن الحيوية والمنطقة المركزية بالمدينةالمنورة، يخالطون الحجاج يرددون عبارات وكلمات غير مفهومة، يثيرون الخوف والفزع في نفوس الكبار والصغار. وهناك من يشير إلى إصابتهم بالمس أو السحر، وآخرون يعزون حالتهم إلى الإفراط في تناول المخدرات والمسكر، وأيا كان السبب في وصولهم إلى تلك الحالة يتساءل الكثير لماذا يتركون هكذا دون رعاية، يسيرون في الطرقات، يشوهون المظهر الحضاري للمدينة ويهددون الأمن. ويقول المتحدث الإعلامي لشرطة المدينةالمنورة العقيد فهد بن عامر الغنام: إن الشرطة ليس لها علاقة بالمعتلين نفسياً الذين يجوبون شوارع المدينة ولا تتدخل في أمرهم إلا إذا ارتبطت بأحدهم حالة جنائية أو ورد بلاغ يفيد بأنهم يشكلون خطرا على أنفسهم أو على غيرهم. أما غير ذلك فإنهم مسؤولية ذويهم وليس للشرطة علاقة بهم. وأضاف أن الشرطة تتدخل في حال تعرض المريض لحالة هياج للسيطرة عليه وتسليمه للهلال الأحمر فقط دون القبض عليه. وعلى الجانب العلاجي أكد مدير مستشفى الصحة النفسية بالمدينةالمنورة الدكتور أحمد رضا حافظ أن المعتلين نفسياً الهائمين في الشوارع ليسوا مسؤولية مستشفى الصحة النفسية، وتقتصر رعاية مستشفى الصحة النفسية على من يحضر باحثاً عن العلاج أو يحضر لها وليس من صلاحيتها البحث عنهم أو القبض عليهم وتقديم الرعاية الصحية لهم. وعن تزايد أعدادهم في المدينةالمنورة قال نشاهد أحياناً بعضهم في شوارع المدينة ولا نملك إحصائية تثبت ازدياد أعداد هؤلاء المرضى من عدمه. وأضاف حافظ المعتل نفسياً مثله مثل أي مريض يحتاج لعلاج فإن تأخر عن عرض نفسه على الطبيب النفسي يكون مذنباً في حق نفسه لأنه من الطبيعي أن تسوء حالته النفسية، وإن كان غير مسؤول عن تصرفاته وغير مدرك فمسؤوليته تقع على ذويه وإن كان من المقيمين غير معروفي الأهل تنتقل المسؤولية عنه إلى الشؤون الاجتماعية. وقال عضو المجلس البلدي وأستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية سعود بن عبدالمحيي الصاعدي: كرم الله الإنسان وميزه بالعقل عن باقي المخلوقات فإن ذهب عقله بمرض أو جنون فحكمه يلحق بالسفيه والصغير غير المميز ويسأل عنه ذووه نظاماً وشرعاً. ومن المؤسف حقاً أنه يلفت نظري بصفتي مسؤولا عن الحي الذي انتخبت فيه عدد من المعتلين نفسياً والهائمين على وجوههم يجوبون شوارع الحي بلا مأوى ولا سكن ويتخذون من المزارع القريبة وتحت عبارات السيول والكباري أماكن تحميهم من شدة البرد. وأضاف للأسف الشديد كثير من الجهات الحكومية تتنصل من مسؤوليتها عنهم بالرعاية وتوفير السكن والحماية، خصوصاً مع دخول الشتاء وموسم المطر الذي يزيد من معاناتهم، وطالب الصاعدي دور الرعاية الاجتماعية وجمعية حقوق الإنسان بالمدينة بالتحرك بشكل عاجل لتحديد جهة مسؤولة عنهم توفر لهم المكان المناسب للسكن. حقوق المرضى نفسيا "الوطن" خلال جولتها بشوارع المدينة رصدت بعض هؤلاء المرضى هائمين في شوارع وميادين المدينة وأماكن تواجد الحجاج والزوار. وطالب عدد من المواطنين وأصحاب الفنادق بمركزية المدينة بتحرك كافة أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة الصحة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية لاحتواء هؤلاء الذين يتزايد عددهم يومياً ويتخذون من المنطقة المركزية مركز تجمع لهم. ويطالب محمد اللقماني (صاحب فندق بمركزية المدينة) بنظام يحفظ حقوقهم ويحدد جهة معنية تكون مسؤولة عنهم كالشؤون الاجتماعية، كما يرى أن هيئة الآثار والسياحة معنية أيضاً بمتابعتهم بالمنطقة المركزية خصوصاً وهم يتواجدون في مواقع حيوية وأثرية بالمدينة تمثل واجهة سياحية للدولة.