يقتحمون المحارم، ويقتلون الأنفس، وفي النهاية تجير الجريمة ضد «مريض نفسيا» علته كبش الفداء لارتكاب الجرائم، بل إنه يشكل الغطاء لمرتكبيها وطوق نجاة لمجرمين يحاولون النجاة من الأحكام القضائية. في مكةالمكرمة، هزت جريمة اقتحام مريض نفسيا مسجدا واحتجز مصلين وخلف قتيلين، صورة واحدة من عشرات القصص التي يقشعر لها البدن، وفي الآونة الأخيرة طغت سمة المرض النفسي على غالبية الجرائم المرتكبة بل أضحت تشكل المبرر الحقيقي الذي دفع الكثيرين لارتكاب جرائم بشعة أو ذات صفات غريبة. فقد أمه في البدء يذكر المواطن (ع. ف) أن احد أقاربه كان من المتفوقين في الدراسة إذ تخرج من الثانوية العامة بنسبة 99% وتجاوز التميز الحياة الدراسية ليشمل باقي مناحي الحياة، وإثر ظروف عائلية تمثلت في حادث مروري شاهده بعينه لأفراد أسرته وأمه مضرجة في الدماء (توفيت لاحقا)، فأصيب بانتكاسة، واكتئاب جعله يترك الدراسة ويعتزل المجتمع ويتحول إلى شخص يعاني من اضطرابات متفرقة لكنه لم يقدم على أي عمل يهدد حياة الآخرين نظرا لخضوعه لعلاج مستمر. العقاب البدني أما (ع. م) الشاب في العقد الرابع من العمر فقد بدأت معاناته مع المرض النفسي بعد أن كان يتعرض للضرب المستمر على يد والدته ومع مرور الوقت تحول إلى عقد نفسية تطورت إلى كراهية للمجتمع وفقدان للثقة وتحول إلى شخص عدواني. متسولون يقول يوسف البلوى: يوجد عدد من المرضى النفسيين ينتشرون في شوارع المدن والمحافظات والقرى وبعضهم لا عائل لهم يتسولون المارة، ويطلبونهم السجائر والطعام، والمشكلة أنهم في تزايد ولا توجد جهات تراقبهم أو أسر تحتويهم حيث إن غالبية الأسر تتنصل من مهمة العناية بهم خشية العيب الاجتماعي. قنابل موقوتة من ناحيته، يقول فهيد الرسلاني: المرضى النفسيون يشكلون خطورة كبيرة على المجتمع، وهم يسيرون بيننا كقنابل موقوتة من الممكن أن تنفجر بأية لحظة، فهذا المريض نفسيا المتروك هائما على وجهه في شوارعنا قد يرتكب أبشع الجرائم مثل القتل والاغتصاب والإيذاء الشديد للغير وخصوصا للنساء والأطفال من خلال التعرض لهم والاعتداء عليهم، ومع ذلك لا يمكن تطبيق القانون على المريض نفسيا إلا بالحد الأدنى من العقوبة، أو حتى إطلاق سراحه بحجة أن لديه تقارير طبية تثبت أنه مريض نفسيا وغير واع ومدرك لتصرفاته! وأقل تقدير لخطر المريض نفسيا هو أن يقوم بتكسير السيارات والمحلات التجارية. تهديد السلاح ويقول فهد محسن هناك حوادث احتجز فيها مرضى نفسيا بعض أفراد عائلاتهم تحت تهديد السلاح، وفي إحدى المرات هدد مريض أفراد أسرته مستخدما سلاحا (رشاش) وبعد مداولات مع والده استمرت لساعات انتهت الأزمة بسلام. الاستشاري النفسي ومدير مستشفى الأمراض الصدرية في الطائف الدكتور حميد القرشي أشار إلى أن كل شخص في المجتمع يوجد لديه أمراض نفسية مثل الاكتئاب ولكنها بمستويات مختلفة حيث تراوح ما بين 30-70 (المعدل الطبيعي) وفي حال تجاوزت ذلك فإنها تصبح خطرة ويتوجب علاجها. ذهانية وعصابية وأضاف الدكتور القرشي أن الأمراض النفسية تنقسم إلى قسمين ذهانية وتصنف على أنها خطرة وغير معروفة أسبابها، وعصابية تنشأ بسبب الظروف الاجتماعية. وأشار إلى أن الفصام الظلالي من الأمراض الخطيرة جدا حيث يخيل للشخص أن من أمامه عدو له ما يدفع المريض إلى القتل دون سبب وارتكاب الجرائم، ويساعد على زيادة المرض العقلي، المخدرات، الظروف الاجتماعية، عدم انضباط المريض في العلاج بشكل منتظم. مسؤولية المجتمع واعتبر القرشي أن المجتمع بكافة فئاته ومؤسساته مسؤول عن المرضى النفسيين أو الهائمين في الشوارع حيث توجد هيئة يطلق عليها (الهيئة الوطنية لرعاية المرضى النفسيين وأسرهم)، هذه الهيئة تهتم بالمرضى ورعايتهم ولكنها تحتاج لوقت ليتم تطبيقها في كافة المدن بالإضافة إلى أن هناك جمعيات خيرية في المملكة في هذا المجال. خلل مجتمعي ويقول الدكتور صبحي سالم إن تواجد الكثير من المرضى نفسيا بالشارع ينتج عنه نسق سلوك مضطرب وغير سوي يخل بتوازن المجتمع كله. لذلك ليس هناك حل إلا باحتضانهم بالدور المخصصة للعلاج ومن بعدها في دور النقاهة وللأسف أن عالمنا العربي يفتقر لمثل تلك الدور المتخصصة لنقاهة المريض نفسيا. وعلى الأسرة بداية أن تتقبل وضع المريض وتهتم بعلاجه دون تأخير او تأجيل كي لا تتفاقم المشكلة. علاقة المريض ويشير الدكتور محمد عبد العليم إبراهيم إلى أن اختلال الصحة النفسية، سواء كان بسبب أمراض نفسية أو عقلية، يجعل أسرة المريض تتألم، ولا يوجد مرض في أي فرع من فروع الطب يسبب ألما وإزعاجا وحيرة للأسرة مثل المرض النفسي أو المرض العقلي.. فأي مرض عضوي محصور في جزء من الجسم، وبالتالي فهو محصور في صاحبه، ولا تمتد آثاره إلى الآخرين (ما عدا طبعا الأمراض المعدية).. وأعراض المرض العضوي إما ألم أو خلل في الوظيفة.. أما أعراض المرض النفسي أو العقلي فإن آثارها تمتد مباشرة إلى الآخرين، وتؤثر على حياتهم، إنها أعراض تشتمل في بعض الأحيان على اضطراب علاقة المريض بالآخرين خاصة أفراد أسرته.. وبقدر ما تتأثر الأسرة بالمرض النفسي أو المرض العقلي فإنها أيضا تؤثر في مسار المرض ونتائج العلاج.. بل قد تكون من أسباب المرض، أو على الأقل من العوامل التي فجرت ظهور المرض، لذلك فإن الإهمال وإنكار المرض أو إنكار حق المريض في أن يمرض وأن يتألم، قد يكون سببا في مزيد من معاناة وآلام المريض! وتتباين حالات المرضى النفسيين بحسب نوع المرض النفسي الذي يعانيه والمرحلة العمرية كما أن الأسباب الأولى للإصابة غالبا ما يكون لها أثر في سلوكيات الشخص وتطورها ومدى الاستجابة للرعاية الطبية والاجتماعية لمراحل العلاج والمدة اللازمة لكل حالة وفي حالات عديدة كان للتحولات النفسية نتيجة للقصور في الرعاية أو إهمال ذوي المرضى متابعة حالاتهم بدقة بعد خروجهم آثار سلبية على سلوك المريض وتعاطيه مع المحيط أدت إلى حوادث مأساوية تسببت في حالات كثيرة إلى إلحاق الضرر بالمريض نفسيا كما تعدت في حالات أخرى إلى الأضرار الجسدي بمن يتعايشون مع المريض حديث الخروج من المستشفيات النفسية إلى المجتمع. سلوك المريض فيما أكدت مصادر في صحة جدة ل«عكاظ» أن المرضى نفسيا النزلاء في المستشفيات النفسية التابعة لوزارة الصحة لا يتم إخراجهم من التنويم في المستشفى لاستكمال العلاج مع أسرهم إلا بعد التأكد طبيا من وصولهم إلى مرحلة يمكن لهم مواصلة العلاج خارج المستشفى، كما أن قسم الرعاية المنزلية بعد خروج المريض يتابع بشكل مباشر مع ذويه مراحل علاجه المنزلي من خلال زيارات منتظمة للمريض في منزل أسرته وفي حال وجود أي ملاحظة على سلوك المريض في جانب عدم التعايش مع المجتمع أو عدم انسجام أو قصور في الانتظام على تناول العلاج تتم إعادته إلى المستشفى لإكمال العلاج إلى أن تصل الحالة إلى الاستقرار بشكل يمكنه من المغادرة وممارسة الحياة بشكل طبيعي. وعزت المصادر بعض الانتكاسات النفسية التي تعرض لها بعض المرضى وأدت إلى عدم فعالية فترة العلاج داخل المستشفى وخارجه إلى القصور الكبير من بعض أسر المرضى وعدم تعاونهم مع المستشفى خلال فترة العلاج بدوره كما كشفت المصادر أن ما يفوق ال50% تقريبا من أعداد المرضى المنومين في مستشفيات الصحة النفسية لا يجدون قبولا من ذويهم بالرغم من دور أسر المرضى الفعال في رفع معنوياتهم ومدى التجاوب مع العلاج، وأرجعت ذلك إلى اعتقادهم بصعوبة شفاء حالات مرضاهم والشعور بالخجل منهم أمام المجتمع. وقال المصدر: في مثل الحالات التي لا تلقى قبولا من ذويها هناك إجراءات تختص بهذه الحالات حيث يتم الرفع إلى إمارة المنطقة لأخذ التوجيه اللازم للجهات المعنية لتكليف أحد ذويهم لاستلامهم. الخلل العقلي من جهته، أوضح ل«عكاظ» قاضي محكمة عفيف والرس (سابقا) فضيلة الشيخ سليمان بن إبراهيم المهوس أن الحالات النفسية للأشخاص تؤخذ بعين الاعتبار وقال «لاريب أن الخلل العقلي النفسي معتبر في إجراءات التحقيق والمحاكمة للمتهم وفقا لما قرره العلماء». وأضاف: اطلعت على كتاب لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان بعنوان (حال المتهم في مجلس القضاء) أشار فيه إلى بعض الجوانب التي تراعى في مجلس القضاء منها تلك العلل. القاعدة الفقهية وقال المهوس إن المجنون مرفوع عنه القلم حسب النصوص الشرعية، وبعض الخلل العقلي النفسي أشد من الجنون ولذلك لا يعاقب المختل عقليا حسب ما نص عليه الشرع لأنه غير مؤاخذ في أفعاله الجنائية إنما يتحملها غيره في بعض الأحوال من ناحية الديات ونحوها أما الحدود فلا تقام عليه، والقاعدة الفقهية نصت على أن عمد المجنون «كالخطأ». مسؤولية المستشفى من جهته، قال أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور عمر الخولي إن المسؤولية تطال المستشفى النفسي إذا ثبت إخراجه لأي مريض نفسيا قبل أن يكون في حالة نفسية ملائمة للاندماج مع المجتمع في حال ارتكابه لأية جريمة جنائية، كذلك مما يقع ضمن مسؤوليات المستشفى متابعة الحالات المرضية بعد التصريح لها بالخروج إلى أن يتم التحقق من السلامة النفسية والعقلية للمريض السابق وإذا ما استشعر عدم تمام الشفاء عليها إعاده عاجلا لاستكمال العلاج درءا لخطره على نفسه والآخرين. تقدير الحكم وأشار الخولي إلى أن الأوضاع الصحية النفسية لأي متهم مأخوذة في الاعتبار في مرحلة المحاكمة وتحديدا عند تقدير الحكم إذ إن مسؤولية الشخص عن تصرفاته في أحوال معاناته أعراضا نفسية أو عقلية قد يكون من شأنها إسقاط المسؤولية الجنائية عنه أو الانتقاص منها كونه يعاني من مرض يؤثر على أهليته في تحمل المسؤولية عن تصرفاته. من جهته، أوضح الناطق الإعلامي لشرطة جدة اللواء مسفر الجعيد الناطق الإعلامي باسم شرطة جدة أن الدوريات الأمنية تقوم بتحويل مثل هذه الحالات إلى مستشفى الصحة النفسية بالتعاون مع الهلال الأحمر، مؤكدا في الوقت نفسه أن البلاغات من هذا النوع تعد محدودة جدا وليست كثيرة بحسب قوله. المخرج من الخطر وقال اللواء الجعيد إذا كان الشخص المبلغ عنه معرضا نفسه والآخرين للخطر فإن الدوريات الأمنية تقوم بالقبض عليه فورا وإبلاغ الهلال الأحمر لنقله إلى مستشفى الصحة النفسية بينما إذا كان تحت تأثير الخمر فإنه يتم التحفظ عليه في قسم الشرطة. وفي ما يتعلق بالتأكد من الشخص وعما إذا كان الذي يعاني منه مرضا نفسيا أو نتيجة لوقوعه تحت تأثير المخدر أشار الجعيد إلى أن هناك عدة مؤشرات يمكن التمييز من خلالها بين المريض نفسيا والمدمن كالمظهر الخارج للشخص ورائحته وتصرفاته إلى جانب استدعاء أقاربه أو عائلته إذا ما أمكن، لافتا إلى أن أصحاب المخدرات مباشرة تتم إحالاتهم من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر وليست الشرطة.