أشغل الشاب خالد نفسه واستغل وقته باشتراكه في أحد الأندية الرياضية الخاصة لتطوير مهارته في السباحة وذلك خلال فترة الصباح بالإضافة إلى إنجاز احتياجات المنزل، وفي المساء يقضي معظم وقته أمام شاشات التلفاز والتجول في الشبكة العنكبوتية، منتظرا حصوله على وظيفة كونه يحمل شهادة بكالوريوس تربوي. خالد استغل طاقته عندما وجد من يوجهه، وهناك مجالات عدة للاستفادة من الطاقات المهدرة للشباب التي يستغلها بعضهم فيما يضره ولا يعود عليه بالنفع مضيعا وقته ومستقبله. ومن منطلق أن "الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل" تشكل طاقات الشباب المهدرة قلقا في الأوساط الاجتماعية في المجتمعات، حيث هم الوقود والمحرك للقوة في أي مجتمع. صنع المستقبل من جانبه قال عضو مجلس الشورى سليمان بن عواض الزايدي "الجميع يعمل للشباب والأمة كلها تؤسس للجيل، وطالما أننا نؤسس للجيل فيجب أن نشرك الشباب في صنع المستقبل، فكيف نصنع مستقبلهم ونحن لا نستمع إليهم، بل بيننا وبين الجيل قرن من التفكير". وأضاف "أن العالم اليوم يتحدث عن نظرية التمكين وهي تمكين الشباب من القيام بأدوارهم خاصة فيما يتعلق بشؤونهم وأن نعطيهم حقهم في التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي"، واصفا الشباب بأنهم الوقود والمحرك للقوة في أي مجتمع، وقال "إننا لم نفهم هذه الطاقة حتى الآن"، وبين أنه "لا بد أن نفكر فيما يسمى بالتمكين، فهناك جهود عالمية وعربية ومحلية لاستثمار طاقات الشباب". متطرقا للخطة الخمسية التي تحدد ملامحها كيفية العمل للشباب وقال "الخطة تتحدث عن رؤى ومنطلقات تقدم بصورة متوازنة وفق تحديد للمهام والمسؤوليات لكل جهة"، وأشار أن الاستثمار الحقيقي ليس في الحجر والخرسانة وإنما يكون في الشباب وأضاف "يمثل 61% من سكان المملكة فئة الشباب ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة التعليم العالي ووزارة الشؤون الاجتماعية لديها خطط للشباب، ولكن لا يوجد من التنسيق المفيد بين هذه الجهات، فالكل يعمل ولا يسأل ولا يقدم أي معلومة ولا الدعم للقطاع الذي يشترك معه في العمل من أجل الشباب". استراتيجية الشباب وذكر الزايدي أن هناك عملا قائما على صناعة الاستراتيجية الخاصة بالشباب وهي موجودة في هيئة الخبراء وبين أن هذه الاستراتيجية ملحة وأصبحت ضرورة في هذه الظروف التي نعيشها ونواكب ما يتم حولنا والتعامل مع الشباب بحيث نطمئن على مستقبلهم وبما يخدم هذا الوطن ونحن في تحولات مجتمعية وأسرية وأن كثيرا من أجهزتنا تقف موقف المتفرج. وأوصى الزايدي بالمسارعة لدراسات جادة لتبحث في المستجدات التي تواجه الشباب وطالب بتفعيل الاستراتيجية الخاصة ببناء الشباب وإنشاء وزارة خاصة بالشباب. الإعلام ينقض المناهج وقال الزايدي إن من المشاكل التي تؤثر على الشباب هو الإعلام "المرئي والمسموع" وأضاف "أصبح الإعلام ينقض في المساء ما تلقاه الطلاب والشباب والفتيات في المناهج صباحا"، مشيرا إلى أن الإعلام يتناقض في أطروحاته من خلال برامجه المرئية والمسموعة مع الأهداف السلوكية داخل النص المنهجي في المدرسة، مؤكدا على أنه لا بد من وجود تكامل بين التربية والتعليم وبين الإعلام ودوره فالمتضرر الوحيد من ذلك هم الشباب على كل حال، والإعلام لا يراعي الأهداف السلوكية وخاصة الموجهة للشباب وقال "ينبغي أن نحظر على الإعلام نشر ما يتعارض مع المناهج التعليمية وأن تكون هناك أنظمة تحمي الشباب وصغار السن مما قد يسببه الإعلام من تشويش ذهني على المناهج الدراسية"، مشيرا إلى أننا "بحاجة لأن نعيد قراءة أهداف سياسة التعليم والأهداف التعليمية والإعلامية وأن نحرص على التكامل بينهما وأن نحمي الشباب مما يبثه الإعلام ويشوش فيه على المعارف المدرسية والسلوكية". من المسؤول؟ وقال عضو مجلس الشورى "إن التكامل بين حلقات التربية الأولى والتدريب مع محاضن التربية اللاحقة يهيئان الشباب للتعامل مع الحياة بإيجابية وتفاعل ويكشفان عن كفاءة ومهارة ولكن على هذه الدوائر المتعددة سواء المنزل أو المجتمع أو المدرسة ونحوها أن تكون برامجها الموجهة للشباب غير متعارضة مع بعضها وتكون على أساس علمي وتدرس بعناية فائقة". وبين أن الشاب أو الفتاة يتكيف مع الحياة المستقبلية وفقا لإعداده الأول وهذا ما نص عليه الحديث الشريف "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" مؤكدا أنه ينبغي أن يعرف الشباب والفتيات حقوقهم حتى يستطيعوا تأدية واجباتهم وحتى يمكن استغلال طاقات الشباب والفتيات وخاصة من المدارس فعلى كل معلم ومعلمة معرفة أهداف المرحلة والأهداف السلوكية ومتابعة تحقيق الأهداف على حياة النشء وأضاف "يجب أن تكون عوامل الجذب في البيئات المدرسية أقوى من عوامل الطرد، وكلما كانت عوامل الجذب قوية لاحظنا مدى تأثر الطالب بالمعارف والعلوم المؤثرة إيجابيا على السلوك حتى في خارج المدرسة بل إن السلوك المناقض لا يتغلب عليها في المجتمع." جهات ثلاث إلى ذلك، أشار عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة الدكتور عادل باناعمة أن قضية الشباب من القضايا التي ينبغي ألا تكون قضية شعارية وأحاديث جميلة فهي قضية مهمة وتحتوي عدة أسئلة.. وهي لماذا وكيف وماذا بعد ذلك؟ وبين أن استثمار طاقات الشباب لا يوجه فيها الخطاب لجهة واحدة بل لثلاث جهات "فهناك خطاب للشباب أنفسهم، وآخر للمجتمع، وخطاب للدولة". وعن الخطاب الموجه للشباب قال "إن الحديث عن الشباب يأخذ صورة الواجب من غيرهم تجاههم دون الحديث عن واجبهم أولا"، وأضاف "هناك 3 أشياء ينبغي أن تكون حاضرة في أذهان الشباب وهي الشعور بالمسؤولية فردية كانت أو مجتمعية، والثانية تحديد الهوية وحسم الصراعات - صراع هوية بين قيم في حاضرية وأخرى ماضوية - يفني الشباب طاقاته في هذه الصراعات دون الوصول لشيء إيجابي والثالثة شرارة التغيير ويحمل الشاب في قلبه شرارة التغير ونقصد بالتغير الإيجابي والانتقال من حالة لحالة أفضل من الأولى". واقعية المجتمع وأشار باناعمة إلى أن "المجتمع ينبغي أن يفهم الشباب بما هو عليه وأن يستثمر طاقاتهم لا أن ينظر إليه نظرة سلبية وأن يكون واقعيا في نظرته لهم وأن تكون هناك ثقة متبادلة بين الطرفين وتنويع الفرص في الاستثمار لطاقات الشباب وليس لها أطر محددة. وبين أن خطاب الدولة يتناول الاستقرار الوظيفي والمادي وضبط الحرية مع رفع سقفها، إضافة إلى توسيع إطار مؤسسات المجتمع المدني لأنها المتنفس للشباب لكي يتحركوا. وذكر عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى أن هناك مشروع الحاضنات التنموية الذي يتمنى أن يفعل لأنه يهيئ الفرص الممتعة لتحقيق الفرص للشباب ومشروع آخر اسمه البرلمان الشبابي ويتم انتخاب للشباب على غرار الانتخابات البلدية. تحد وتمرد ورفض من جهته ذكر مدير التعاون الدولي بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور صقر بن محمد المقيد بأن قضايا الشباب تعد من أكثر القضايا تعقيدا في المجتمع، كما تثير هذه القضايا جدلا واسعا بين أواسط الأسرة والباحثين على حد سواء، فالشباب هم من أصحاب الفئة العمرية من 15-30 عاما وقال "إن المرحلة الأولى تمثل بين الشباب من 15-20 بمثابة مرحلة التحدي والتمرد والرفض بعيدا عن الواقع المعاش، وهذه المرحلة تقل فيها مرحلة العطاء، ويعيش فيها الشاب حياة مختلفة ليست مقتصرة على مرحلة المراهقة، بل تتعداها إلى مراحل وردية بعيدا عن الواقع". وأشار إلى أن الوضع في المجتمعات المعاصرة مغاير تماما، خاصة وأن التطور الذي شهده العالم ابتداء من منتصف القرن العشرين يعد مذهلا بكل المقاييس حتى وصل إلى ما وصل إليه في العقد الأول من القرن العشرين مما جعل هذا الجيل يوصف بالجيل الإلكتروني من خلال تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الحياة الاجتماعية وحتى على طرائق الفكر. الأسرة النووية وأضاف "وقد ذهبت الأسرة الممتدة التي تضم الجد والجدة والأعمام والأحفاد، وذهب معها الضبط الاجتماعي، وحل محل هذه الأسرة ما يسمى بالأسرة النووية التي تتكون من الزوج والزوجة و(الخادمة والسائق)"، وعادة ما يستمد الأبناء ثقافتهم من القنوات الفضائية التي انتشرت كالهشيم وكذلك من شبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية المختلفة (يوتيوب، فيس بوك، تويتر وغيرها)، ويبدو أن الباحثين والتربويين لم يستطيعوا سبر أغوار شخصية هذا الجيل وبالتالي بات التعامل معه أكثر تعقيدا وطفت مشكلات الشباب على السطح، وبين أن "مشكلات الشباب هي جزء من كل، فهي من مشكلات المجتمع التي برزت على السطح كالاستهلاك المفرط، ومحدودية الإنتاج والاتكالية حيث ثبت أن معظم الشباب ومنهم المتزوجون ما زالوا يعتمدون على آبائهم في كثير من أمورهم الحياتية". توجيه صحيح وقال مدير التعاون الدولي بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية "إننا أمام تحديات جسام تستوجب مشاركة العديد من المؤسسات الحكومية وأصحاب الرأي لوضع هؤلاء الشباب على عجلة التنمية كي نباهي بهم الأمم وأولى هذه التحديات المناهج التعليمية التي لا بد وأن تتماشى مع عقلياتهم، بمعنى الاستثمار الأمثل لطاقات الشباب من خلال تطويع المناهج التعليمية لتفجير طاقاتهم وإبداعاتهم بعيدا عن الرتابة والجمود". وأضاف "ولا بد من استراتيجيات للمواجهة الإعلامية في ظل وجود أكثر من ألف قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية وكثيرا من هذه القنوات تضع نصب أعينها استهداف الشباب، وأنا أرى أنه يجب إطلاق قنوات بنكهات شبابية تراعي التطور الحضاري وتوائم بين متطلبات العصر ونسائم الماضي والموروث الاجتماعي". وأشار إلى أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب بما لديها من إمكانات مادية وبشرية مطالبة بإفساح المجال أمام الشباب للانخراط في الرياضة والثقافة عبر تدشين العديد من المرافق الرياضية والثقافية في الأحياء، قائلا "فمدينة جدة على سبيل المثال بحاجة إلى عشرات المراكز الشبابية كي يقضي فيها الشباب أوقات فراغهم بدلا من المقاهي التي بدأت تزكم الأنوف مستنفدة الصحة والمال". الأمر الآخر هو التطوع ويعد التطوع من المحفزات الوطنية التي تذكي ثقافة الانتماء لدى الشباب، وتجعل منهم عناصر فاعلة في المجتمع وتعزز لديهم ثقافة الإنتاج ويمكن تخصيص ساعة شهريا لطلبة الثانوية أو حتى المتوسطة للإسهام في النظافة وتنظيم حركة السير وزيارة المستشفيات فهذه بلا شك سوف ترتقي بشخصية الشباب وترتقي بالتالي بالوطن. استراتيجية وبين أنه يتحتم علينا الشروع في بناء مراكز دراسات استراتيجية لرعاية الشباب ومن ثم إطلاق استراتيجية شاملة لرعايتهم تسهم في تنفيذها كافة مؤسسات الدولة، مضيفا "هذه الاستراتيجية إذا ما توافرت لها الخطط المرحلية التنفيذية سوف تكون كفيلة بالإسهام في مكافحة الإرهاب والتقليل من مخاطر المخدرات والجريمة بشكل عام، وهذا يتطلب تبادل الخبرات بين المراكز المتخصصة وكذا إشراك الشباب أنفسهم في وضع الخطط المناسبة وينبغي ألا نهمل الفئة المهمشة من الشباب كالأيتام وذوي القدرات الخاصة ومجهولي الأبوين".