ظل (العقيق) وهو واد بالحجاز، يمثل أهمية في الوجدان الاجتماعي. ولعل ذاكرة المجتمع ما زالت تتقد ب(الدانة) التراثية الشهيرة التي صدح بها صوت الفنان الراحل محمد علي سندي (على العقيق اجتمعنا). غير أن الناقد محمد الدبيسي غاص في وادي العقيق عبر مركب علمي بوصف العقيق أحد أهم معالم المدينةالمنورة التاريخية، وأنجز حوله دراسة علمية حملت عنوان (الوادي المبارك - مراثي الشعر وجماليات المكان) وأصدرها في كتاب عبر نشر مشترك بين نادي المدينة الأدبي والدار العربية للعلوم ناشرون، وأهداه إلى (رفيق الروح والأمكنة عيد الحجيلي). في التمهيد للكتاب يبحث الدبيسي في فضل العقيق كواد مبارك، ليخلص إلى أن فضل العقيق وبركته أمر مقرر قطعا بمقتضى التقرير الإلهي، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره. أما الأهمية الجغرافية فتنطلق من أنه إذا كان للمدن تاريخ هو على وجه التحديد تاريخ موقعها الذي ينظر إليه باعتباره تاريخ الحضارة نفسها، فان موقع العقيق الجغرافي قد شكل أهمية إستراتيجية للمدينة المنورة، فقد انتشرت المزارع والحقول في المدينة وحولها، وخاصة في بطون الأودية الرئيسة كالعقيق الذي ترتكز فيه مزارع أهل المدينة، وقد قام عمر بن الخطاب والخلفاء والولاة من بعده، بتوزيع الأراضي المجاورة لوادي العقيق باستغلالها في الزراعة، فازدهرت في المنطقة خصوصا في عهد الدولة الأموية. ومن هنا نستخلص سر التغني بالعقيق على نحو ما أشرنا إلى الدانة الشهيرة. ومن التاصيلي إلى الجغرافي والتاريخي يصل الدبيسي وعبر فصلين تعمقا في المكان وما فاض على ضفتيه من شعر وإبداع إلى الأدبي، متحدثا عن (شعراء أسرة الوادي المبارك) حيث اختار ثلة من شعراء المدينةالمنورةالوادي المبارك ليكون هوية أدبية لهم، محققين بذلك هدفين يؤكدان وعي هذه المجموعة بمكانة العقيق، وإرادة بعثها وتأكيدها ليس بالشعر فقط، بل عبر التنظيم الجماعي لهذه الأسرة، وهما إشهار وجود الجماعة الأدبية من خلال اسم يميزها، والتعويل على الدلالة الأدبية للصفة (المبارك). ثم يؤكد الدبيسي أن الأسرة تحولت بفضل تنوع اهتمامات وإسهامات أعضائها، ونبوغ الشعراء منه إلى حالة أدبية تشير إلى وجودٍ فاعل لجماعة أدبية في مجتمع المدينةالمنورة.