حينما يوقد نار تنوره "الخزفي" من جذوع النخيل التي جلبها معه من حقله، يلتف حول صانع الخبز الشهير في واحة الأحساء، العشرات من زائري مهرجان "حسانا فله 2011م" لتذوق خبزه ومشاهدة براعته وطريقة إخراجه للخبز من وسط النار رغم تواجده في مكانٍ ملتهب زاد حوله من حرارة فصل الصيف. وبينما يقف مبتسمًا حين يطلب منه أحد الزائرين عدداً من أرغفة خبزه الأحمر، يقف آخرون ليشاهدوا تلك الأيادي الأصيلة وهي تنتج شيئًا يذكرهم بسنواتٍ خلت، كان فيها الأجداد والجدات يصنعون الخبز ليطعموا صغارهم وسط ضنك من العيش وشيء من الحلاوة. وفي ذلك الموقع انتشرت الرائحة الزكية في المكان محدثة اهتزازًا في النفس لا يمكن تفسيره بشيء سوى الحنين للماضي، حينما تختلط رائحة الخبز بالتمور والعجين والسمسم وذكريات الماضي الجميل. ولا يكاد يخلو مهرجان أو كرنفال شعبي يقام في "واحة الأحساء" من تواجد الخباز العم عبدالرحمن الربيع الذي صادق النار والخزف لأكثر من 50 عامًا أمضاها في صناعة الخبز "الحساوي" اللذيذ. ولا يزال هذا الخبز الأحمر يعيش في القرى والمدن، بجانب المساجد والجوامع، حتى إذا فرغ المصلون-وغالبيتهم من الفلاحين- من صلاة الفجر توجهوا إلى أقرب مخبز واشتروا ما تيسر وحملوه معهم إلى الحقول كوجبة إفطار يومية لا يستغنى عنها. وفي مهرجان صيف "حسانا فله"، الذي تنظمه أمانة الأحساء في متنزه الملك عبدالله البيئي على الطريق الدائري جنوبالهفوف، تعود الذكريات بصانع الخبز الشهير في "واحة النخيل والماء والبترول" العم عبدالرحمن، حيث يحرص كل منظمي المهرجانات على حضور ذلك الرجل في الأركان الشعبية، معتبرين إياه "فاكهة" تلك المهرجانات، وهو بتفننه الفريد يستطيع اجتذاب الزوار من حوله لا ليشتروا بثمن قليل وحسب، بل ليجدوا رائحة الماضي الجميل وحنينهم إليه. العم عبدالرحمن الربيع عندما تتحدث معه-إذا وجد قسطًا من الراحة لبضع ثوان- لا تجد سوى روح رجل عصامي لم تثنهِ أتعاب السنين التي تحيطه من كل حدب وصوب، أو تفل من عزيمته وتساعده على ترك هذه المهنة، بل رسم لمشاركاته في المهرجانات التراثية هدفًا واحدًا وهو إطعام زواره بيده الطيبة -كما يقول- ونقل هذه المهنة للأجيال القادمة خشية الاندثار، فهو يُعتبر آخر حلقة في سلسلة الخبازين الذين يُجيدون هذه المهنة ببراعة تامة، وما هي إلا ثوانٍ معدودات حتى يدخل يده في التنور ويسحب خبزةً ساخنة ويطعمك إياها دون مقابل سوى أنك حللت عنده ضيفًا لبضع دقائق.