قال ابن القيم (الشريعة عدل الله في عباده ورحمته في خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسله). وهنا سأتناول موضوع الصحوة الإسلامية، ليس من جانبها الفلسفي ولا النظري أو العقائدي، ولكن من جانب تأثيراتها السلبية علينا.... كأفراد وكمجتمع.... كطلبة وعاملين.. خلال العقود الثلاثة الماضية. وكما كان للصحوة إيجابيات كان لها سلبيات وأخطاء يجب أن نميزها ليتحسن لدينا مستوى الرؤية.. ولنقرأ جيدا هذه المرحلة بعمق واتزان ووفق معايير واضحة وموضوعية مع افتراض أن النوايا كانت سليمة... لكن نحن جيل شاهد على الصحوة، جيل يتساءل الآن عن معنى الصحوة؟ وهل كنا بالفعل على باطل؟! إن ما دفعناه ثمنا لأخطاء الصحوة كان كبيرا لأننا استوعبنا ثقافة الموت بدلا من عمارة الأرض وابتعدنا عن ديننا ولم نفهمه الفهم الصحيح.. بل غرست الصحوة فينا تعصبا مذهبيا وتعطيلا للاجتهاد في كثير من الأمور الحياتية الهامة.... ولم يكن من الإنصاف أن نصف مذهبا واحدا بأنه على صواب ونقصي بقية المذاهب والتي احتوت معظمها على تراث نفيس من الجهد والفكر.. قال الإمام مالك وهو يلقي أحد دروسه في المسجد النبوي (كل يخطئ ويصيب إلا صاحب هذا القبر) في إشارة منه إلى أن الخطأ البشري وارد.. ونحن بدورنا تعطلت عقولنا عن التفكير وعشنا على هامش الحياة والإسلام أولى خصائصه أنه دين يقوم على العقل.. وتقوقعنا على أنفسنا وخسرنا الكثير لأننا عشنا الإسلام كما تريده الصحوة لا كما هو الإسلام الحق الذي يريدنا مجتمعا قويا يجابه الغرب ويكون ندا له (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...). لقد رضينا بالانزواء والوقوف موقف المتفرجين وخلال الثلاثين عاما الماضية لم ندرك أن ديننا دين عمل وليس عبادة فقط، وتناسينا أن إسلامنا علمنا أننا أعلم بشؤون دنيانا فتسرب بعضنا من الكليات العلمية واتجه إلى العلوم الشرعية لحجج واهية.... وانسحبنا من المجتمع واعتزل الكثير منا الحياة لينتظر الموت... وتأخرنا عن العالم ليس لأننا مسلمون، بل لأننا لم ندرك عظمة الإسلام..... (لاتقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا). وأُفهمنا أن معنى الصلاح في الآية الكريمة (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) بأنه تقصير الثياب وإطالة اللحى!! وأهملنا تربية النفس والتي تعد من أساسيات الدين. بل أصبحت تغطية الوجه والتصوير والتهليل لكرامات المقاتلين الأفغان من القضايا المصيرية! أما الصحوة لبناء مجتمع متفوق علميا وصناعيا فلم يكن لها وجود.. بل كان التوسع في الفتوى والتي أدت إلى التفكك في العلاقات الأسرية والنسيج المجتمعي.. فهذا قاطع جاره وأخاه لأنهم يشاهدون القنوات الفضائية وهذا حسب الفتوى السائدة آنذاك يقضي على الدين والخلق.. ومَن مِن جيلنا ينسى أننا كنا نمنع عن التعبير عن حب الوطن في يومنا الوطني ونوصف بالمبتدعين؟! وهذه معلمة تحاصر طالبتها بنظرات الاتهام لأنها سافرت إلى بلاد الكفار بدلا من أن تعلمها أن الغرب ليس شرا محضا بل كان فيه عباقرة ممن اعترفوا بفضل الإسلام وقدروا له ما أسدى للعالم من علم... ولم ندرك إلا متأخرين أن حضارة الغرب لم تنجح إلا لأنها طبقت منطق القرآن ومناهجه التي تدعو إلى التأمل في الكون واكتشافه.. بل كرست الصحوة لدينا أن من حقوقنا ممارسة العدوان على الآخرين من مبدأ الولاء والبراء.. كم نحن بحاجة إلى صحوة إصلاحية تتناول كل همومنا ومشاكلنا لنثبت أقدامنا في عالم لا يعترف إلا بثقافة القوة الشاملة.... والمجتمع في هذا الوقت بالذات يحتاج إلى غرس ثقافة السؤال والثقافة النقدية.... لأن ممارسة حرية الرأي والتعبير هي السبيل نحو الإصلاح وسنردم الكثير من الفجوات بينا وبين المختلفين عنا إذا منحناهم الفرصة ليعرفونا بأنفسهم لنقيم معهم حوارا فعالا وفهما متبادلا يخدم المصلحة العامة.. لننطلق من الآية الكريمة (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).. والخير هنا ليس محصورا في عبادة بعينها بل هو الانطلاق نحو كل ما فيه خير لأمتنا.