ناصر العنزي يعدّ الفساد آفة من الآفات المنتشرة في كثير من المجتمعات، وهو داء متفشٍّ للأسف في كثير من الدول والمجتمعات، على اختلاف طبقاتها، ويظهر هذا الداء ويتولد من رغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية دون مراعاة لسبب حصولها، وهل يستحقها أم لا، لذا فهو يلجأ إلى أي وسيلة موصلة إلى هدفه، ودون مراعاة لشرعية أو نظامية هذه الوسيلة. والفساد الإداري هو استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، لذلك المقصد العام من الفساد يتعلق غالبا بوجود خلل في أداء أعمال الوظيفة العامة، واتباع الشهوات، والسعي وراء المال، وغالبا ما يرتبط الفساد بعدة جرائم جنائية أبرزها: الرشوة، الاختلاس، استغلال النفوذ الوظيفي. والمملكة العربية السعودية -كغيرها من الدول- عانت حقبة من الزمن من انتشار الفساد، رغم وجود جهات مختصة لمحاربته، مثل هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد، ودائرة جرائم الوظيفة في النيابة العامة، ووجود عدة تشريعات وتنظيمات مختصة تجرّم مثل هذه الأفعال مثل نظام مكافحة الرشوة، وكذلك المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/ 11/ 1377، المحدد للجرائم الإدارية التي تشمل تجريم عدة أفعال، منها استغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية، وسوء الاستعمال الإداري، واستغلال العقود لمصالح شخصية. وقد يصعب في وقت سابق على الجهات المعنية اجتثاث هذا الفساد لاعتبارات، منها أن غالب مرتكبيه من الطبقات المخملية، وأصحاب الحصانة القانونية أو الاجتماعية، إلا أننا في عهد العزم والحزم، لن ينجو أحد تورط في قضية فساد «كائنا من كان» كما ذكر سمو ولي العهد، وتطبيقا لهذا النهج صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/38 وتاريخ 15-2-1439، المتضمن إنشاء لجنة عليا لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وتأتي هذه اللجنة بصلاحيات واسعة لا تملكها الجهات السابقة، من ناحية القبض والتحقيق والمنع من السفر والكشف عن الحسابات وتتبع الأموال، ولها الحق في اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تراها، فهي بذلك تتجاوز بعض القيود النظامية، مثل القبض والتحقيق مع أصحاب الحصانة، وجاء التأسيس والتشكيل النظامي لهذه اللجنة استنادا إلى عدة أنظمة منها النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام محاكمة الوزراء، ونظام الإجراءات الجزائية، وربما يستتبع هذا القرار قررات أخرى تتعلق بالجهات المختصة بمكافحة الفساد، إما بإعادة هيكلة بعض الجهات، أوالنظر في صلاحياتها واختصاصاتها، لتفعيل دور هذه الجهات، ولتتوافق مع عمل هذه اللجنة. إن القرارات الحاسمة والصارمة التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة أخيرا في مواجهة الفساد، وكونها بدأت من الأعلى، وبدأت بشخصيات اجتماعية وقيادية بارزة، فهي بذلك تعبّر عن الجديّة في اجتثاث الفساد من جذوره، وتعقب ومحاسبة الفاسدين، وكل من أضر بالمملكة، وتفسح المجال لجهات الاختصاص لممارسة كل صلاحياتها دون قيود، وتشعر الجميع بأهمية دوره في هذا الأمر، ورفع مستوى الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وجعل محاربة الفساد نهجا راسخا للجميع ليتوافق هذا النهج مع مستقبل الوطن والرؤية الوطنية 2030. وباستعراض الوسائل والحلول المناسبة لمكافحة الفساد، يظهر جليا أن السلطات التشريعية والتنفيذية هي صاحبة الدور الأبرز في مسؤولية كشف الفساد ومحاربة المفسدين، ومع ذلك نقول إن هذا الأمر ليس مسؤولية جهات الاختصاص فقط، بل هو واجب يجب أن تشترك فيه جميع مؤسسات الدولة، ويشترك فيه المواطن والمقيم على حد سواء، ويجب أن تعيه الشركات والمؤسسات حتى نتمكن من مواجهة الفساد والقضاء عليه، للحفاظ على مكتسباتنا وثرواتنا الوطنية من الهدر والضياع، وتفعيلا لقيمنا الدينية والاجتماعية. خلاصة القول يجب أن نعي كمواطنين أهمية المراحل الانتقالية، وأنها ستعود بالنفع العام اقتصاديا واجتماعيا للجميع، وأن نستوعب ذلك ونستشعر الحس الوطني في كل تصرفاتنا.