«الفساد الإداري» «الرشوة» «الواسطة» لا يجد خبراء في مجال الإدارة وحقوق الإنسان مجالاً لوأدها والقضاء عليها، إلا بالإسراع في استصدار «النظام الجديد لتأديب الموظفين» بعد أن تم تعديل بعض فقرات النظام القديم من قبل مجلس الشورى، وتم الرفع للمقام السامي لاعتماده، حيث إنّ النظام المعمول به حالياً تم إقراره قبل أربعين سنة بناءً على المرسوم الملكي رقم م /7 وتاريخ 1/2/1391ه، ويهدف النظام لوضع حدٍ لقضايا الفساد الإداري، والرشوة، والواسطة التي يمارسها بعض الموظفين، مخالفين بذلك النظام، الأمر الذي يعرضهم للعقوبات. صلاحيات التطبيق بداية يقول المختص في مجال حقوق الإنسان الأكاديمي «ذاكر الحبيل»: «إنّ نظام تأديب موظفي الدولة الجديد المزمع صدوره في الفترة القريبة القادمة، يجعلنا نطرح تساؤلاً مهما، وهو هل سيقدم النظام المزيد من مكافحة الفساد الإداري والمالي لموظفي الدولة»، مؤكداً على أنّ ذلك يعتمد على توفر ثلاثة شروط موضوعية، أولها استيعاب ذلك النظام لكل أشكال التعدي المفترضة للموظفين الحكوميين بجميع طبقاتهم الوظيفية، وكافة مسؤولياتهم المقررة نظاماً، وثانيها مدى تمتع جهات إنفاذ القانون بصلاحيات وافرة لتطبيقات ذلك القانون أو النظام، وعلى الجميع بدون استثناء حرصاً على مبدأ سيادة القانون، أما النقطة الأخيرة فتتعلق بوجود آلية تنفيذية لذلك النظام أو القانون ملزمة للتطبيق في جانبها الإجرائي المشتمل على فرض عقوبات جزئية أو كلية قادرة على المحاسبة والعقاب والردع ومنع التكرار؛ لأنه ومع الأسف قد تصدر كثير من الأنظمة والقوانين القوية والممتازة، ولكن غالباً ما يتأخر صدور آليات تنفيذية لها، ما يعوق سبل تنفيذها، ويعطي مبرراً كافيا للتهرب من تطبيقاتها الإجرائية الفاعلة. المعالجات الجادة وعن رؤيته لأهمية وجود النظام، يشير «الحبيل» إلى أنّ تعقيدات الحياة وبروز مشكلات إنسانية جديدة، أو تضخم القديمة منها، يحتم على الإنسانية تقديم علاجات على ضوء ذلك، وإلا عصفت تلك المشكلات بالإنسانية، وأحالتها إلى نتائج لا تحمد عقباها، ونحن في المملكة لسنا بدعاً من البشرية حتى لا تطالنا تلك المشكلات وتلقي علينا بظلالها، لذلك نحتاج إلى كثير من المعالجات الجادة حتى لا تتفاقم مشكلاتنا وتكون عصية على الحل والمعالجة، ومن بين أهم طرق العلاج وجود المزيد من الأنظمة والقوانين الفاعلة والضمنية التي تنظم العلاقات والسلوك الإنساني»، مضيفاً بأنّ وجود الأنظمة والقوانين وآلياتها التنفيذية والتنظيمية بشكلها الكمي والكيفي في أي مجتمع وأي دولة، خصوصاً إذا ما سعت الدولة بجدية التطبيق والإنفاذ القانوني، وسعى المجتمع إلى الاستجابة والإمعان للأنظمة والقوانين، فسيتحقق بذلك مبدأ سيادة القانون والنظام، ويكون المجتمع والدولة قد سعيا إلى تجنب أي من القلاقل وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. مشاكل الفساد ويرى المختص في مجال الإدارة المهندس «عبدالشهيد السني» بأنّ النظام الجديد عند إقراره سيحل الكثير من مشاكل الفساد المستعصية التي وصفها ب»المعقدة جداً»، مضيفاً بأنّ للفساد تعريف لغوي، إذ إنه نقيض الصلاح، والمفسدة هي خلاف المصلحة، أما الفساد الإداري في الوظائف العامة فهو سوء استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب شخصية، إما على شكل مكاسب مادية مباشرة، وهو ما يعرف بالرشوة، أو للحصول على مغانم شخصية من خلال محاباة الأقارب، أو الأصدقاء، أو أبناء القبيلة، أو الطائفة مباشرة، أو من خلال التوصية بهم وهو ما يعرف ب»الواسطة»، والدين الإسلامي يحذرنا باستمرار من الفساد، فلا بد أن يحارب النظام المرتقب أشكال الفساد الإداري كافة، ومنها الرشوة، الاعتداء على المال العام، والتحايل على النظام، والتزوير، والتحيز والمحاباة وتسخير الموظفين للمصالح الشخصية. تاريخية النظام ويشير «السني» إلى تاريخية نظام التأديب، حيث إن النظام المعمول به حالياً صادر في عهد المغفور له بإذن الله الملك فيصل عام 1391ه، وصدرت عليه منذ ذلك الحين العديد من التعاميم الوزارية وأسند تطبيقه إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة تأديب موظفي الدولة، كما أنشئت المباحث الإدارية بعد ذلك من أجل مراقبة السلوك الإداري والمالي لكل المواطنين والوافدين، مؤكداً على أنّه مع كل تلك الخطوات الهامة إلا أننا نشهد استفحالاً لهذه الظاهرة يوماً بعد آخر، وهو ما يوجب الإسراع في إخراج مثل هذا النظام المرتقب الذي يجب أن يكون مختلفاً، مشيراً إلى جملة من الأسباب التي تؤدي لنشوء الفساد الإداري، منها غياب القدوة الحسنة، وغياب الرقابة الحقيقية الشاملة والعادلة، وتشابك المصالح الشخصية وتقاطعها، والتأثير على بعض منسوبي الجهات الرقابية، وإفلات أصحاب المصالح الكبرى وأصحاب النفوذ الكبير من العقاب، وضعف الوازع الديني، وبالتالي غياب الرقابة الذاتية، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي المعقد. تحديد العقوبات وأوضح بأنّ الخروج من هذا النمط يستدعي مراعاة جوانب عدة، أهمها استقلالية الجهات الرقابية والقضائية في الدولة ومنحها الحصانة الكاملة، واختيار الجهاز الرقابي والقضائي من ذوي النزاهة والمشهود لهم بوطنيتهم، وعدم تأثرهم بميول قبلية، أومناطقية، أوطائفية، مشيراً إلى أنّه من المهم أن يراعي القانون المرتقب مسألة تجريم جميع أشكال الفساد، وتحديد العقوبات بشكل واضح لا يقبل التأويل والاجتهادات الشخصية، كما يجب أن يكون الجميع متساويين أمام القانون، وأن لا أحد فوق ما يسن من نظم وقوانين، ولا حصانة لأي شخص أمام جرائم الفساد، وإنشاء وحدات رقابية مستقلة داخل الأجهزة الحكومية يكون لها دور في الرصد والمراقبة والإبلاغ، داعياً إلى ضرورة إصلاح أنظمة وأساليب الاختيار والتعيين بشكل مهني محترف بحيث تكون بعيدة عن السلوكيات الخاطئة، كالقرابة والمعارف والقبيلة والمنطقة والطائفة، وتدريب وتربية القائمين على تطبيق هذه الأنظمة إلى المستوى الذي يولد لديهم القناعة بأهمية ذلك. نظام صارم ويرى المواطنون بأنّ صدور قانون من هذا النوع سيحل مشاكلهم التي تعترض طريقهم في الحصول على الوظائف أو الحقوق التي يجب أن تكون لهم، بيد أنّ «الواسطة» تحول دون تحقيق ذلك، ويقول الناشط الاجتماعي ماجد الشبركة: «إن النظام المرتقب سيجعل الشاب مطمئناً أكثر، إذ أنه وحين يتخرج من الجامعة سيعرف بأن الواسطة لن تقصيه بسبب وجود نظام صارم تم إقراره، وجيله والأجيال القادمة ستستفيد منه»، مشيراً إلى أنه من مؤيدي إصدار مثل تلك القوانين الناجحة التي تجعلنا نتقدم على الصعيد القانوني؛ لتجعل مجتمعنا في حلة رائعة يطمح الجميع الوصول له.