في الوقت الذي تتلقى فيه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد تقارير أسبوعية من جميع المناطق عن أهم وأبرز ما قيل في الخطب، لضبط أي شذوذ تجاه المنهج الشرعي المعتدل، بحسب ما ذكره نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد الدكتور توفيق السديري في حوار سابق مع "الوطن"، أكد إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة الشيخ صالح المغامسي ل "الوطن" أن الخطابة في المساجد متروكة حالياً لمن يحسن ولا يحسن في الخطبة، مطالباً الوزارة بوضع تعميم يرجع إليه الخطباء تبين فيه الأطر العامة لما هو مسموح الجهر به على المنبر من عدمه، ليتم بعد ذلك محاسبة المقصرين، محذراً من ترك الأمر لاجتهاد الخطباء بحسب قدراتهم ثم يحاسبون إذا أخطؤوا "فهذا لا يستقيم شرعا ولا نظاما". وفي الوقت نفسه يرى عدد من الأكاديميين والباحثين المهتمين بالقضايا الفكرية في المجتمع أن ملف الخطاب الديني وخصوصا المتعلق بالخطابة في المساجد، من أهم الملفات التي يجب أن تتضافر الجهود لتقييمها بشكل شفاف لكي تتواكب مع التغيرات العصرية. اجتهاد طالب المغامسي باختيار خطب ونماذج موفقة وتعميمها، وبيان دراسة مواطن القوة فيها، حتى يسير الخطباء على منوالها في الطريقة وليس في النص، قائلاً "لا أعلم أن الوزارة لديها تعميم واضح يرجع إليه الخطباء ليبين لهم الأطر العامة، بحيث يمكّن بعد ذلك من محاسبة المقصرين، أما أن يترك الأمر لاجتهاد الخطباء بحسب قدراتهم ثم يحاسبون إذا أخطؤوا فهذا لا يستقيم شرعا ولا نظاما، وليس من المقبول أن يقال بأن هذا الأمر معلوم، مما حدده الفقهاء من عناصر الخطبة في كتبهم، فهذا إحالة لما هو شائع ويصعب ضبطه". دروس يرى المغامسي أنه يشوب الموافقات الرسمية على المحاضرات والدروس الشرعية في المساجد "عدم الوضوح أحيانا". وقال "أعتقد أنه ينبغي أن توافق الشؤون الإسلامية على أن يقيم كل من أسندت له خطبة جمعة محاضرته في مسجده، وذلك جيد من ناحية أمنية ومن الناحية العلمية. تبليغ لفت المغامسي إلى أن الوزارة تبذل جهودا كبيرة تشكر عليها، ولكن من باب الكمال والوصول إلى الغاية المطلوبة، يجب على الوزارة أن تحافظ على العلماء والدعاة، ولا تتركهم لغيرها، وأنه على كل فرع أن يخبر وزارة الشؤون الإسلامية عن داعية أو خطيب، إذا حاد عن الطريق القويم. واستدرك "لكن لا ينبغي أن يعاد الأمر مع كل عالم أو داعية فهذا صعب جدا". محاربة التطرف بدوره، يشير أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الملك سعود الدكتور خالد الرديعان، إلى أن أهم ملف يفترض أن تهتم به وزارة الشؤون الإسلامية هو ملف الخطاب الديني، "إذ يفترض تجديده ليكون عصريا ومتوافقا مع توجه المملكة نحو التحديث والعصرنة". وتابع: "هذا الملف يستوجب تنقية الخطاب الديني من التفسيرات المتطرفة والمتشددة لقضايا العصر والتي تهم الناس، وأن يعمل الجميع وخصوصا الدعاة على إشاعة التسامح المذهبي بين طوائف المجتمع والابتعاد عن التكفير والتفسيق للمخالفين". أئمة معتدلون يؤكد الدكتور الرديعان على أهمية اختيار الأئمة المعتدلين والمتسامحين ممن يرفقون بالناس ويتفهمون ظروفهم، بشرط أن يبينوا للمخطئ خطأه ولكن برفق، وأن تكون خطبهم مما يقرب الناس من بعض ولا يفرقهم، مشددا على أن يكون الخطيب "منفتحا تجاه جميع المذاهب الإسلامية وغير متشدد في مذهبه، طالما أن بعض الأمور فيها خلافات فقهية لا تخرج من الملة"، ويحبذ أن يكون الخطيب أو الإمام ملما بلغة أجنبية ومطّلعا على علوم العصر الدنيوية، بالإضافة إلى تمكنه من العلوم الشرعية حتى يرى المسألة الفقهية من عدة زوايا وأن لا يكون جامدا، بل مجتهدا في حدود ما يسمح به الشرع دون تنطع أو تشدد لرأي محدد". صراع ثقافي أكد المغامسي أن الصراع اليوم الذي يواجهه العالم هو صراع ثقافي، فالإسلام يحتاج إلى من تشبعه حقا وعرف يسره ووسطيته وعظمته وسعة عباءته، وإذا كان الخطيب يجهل هذه المفاهيم فمهما أقر من أنظمة وقرارات فلن يقتنع، فهو يرى أن هذه أمانة ولكن الصواب هو بيان ما الديانة الحق والأمانة الحق حتى لا يضر الإسلام في الوقت الذي يظن أنه ينفعه. انسجام يشير أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالسلام الوايل في حديثه ل "الوطن"، إلى أن أبرز مشكلة لدى بعض الخطباء في المملكة هي عدم انسجام خطبهم التي يلقونها مع توجهات الدولة. وقال "من الواضح ميل المجتمع نحو الوسطية في كثير من أمور حياته، ومن غير المنطقي أن يحيد خطباء المساجد في منابرهم عن هذا الخط الصحيح، فعليهم صناعة خطاب ينسجم ويتلاءم مع هذا الانتقال نحو الوسطية دون أي تضاد". ويرى الوايل أنه "من غير اللازم" أن يكون الإمام أو الخطيب متخصصا في الشريعة الإسلامية، ويكفي أن يكون لديهم المعرفة الشرعية الكافية. وقال: "الأئمة الذين يقلقون الناس هم المتطرفون، ومن المهم أن تجذب الوزارة الأئمة الوسطيين مهما كانت تخصصاتهم". خطاب روحي طالب الوايل خطباء المساجد بالتركيز على الخطاب الروحي والتثقيف في جانب العبادات "دون الهجوم على أي دين ومذهب آخر"، ليتم بذلك العمل على تقريب العبد لربه وتسليحه بالطاقة الروحية لمواجهة ضغوط الحياة الحديثة، حيث إن الناس بحاجة إلى توظيف الدين في هذا الجانب، كون الإنسان أصبح يتعرض لضغوط عديدة جراء تأثيرات الحياة المدنية. مطالب لتطوير الخطابة في المساجد - إلمام الخطيب والإمام بلغة أجنبية واطلاعه على علوم العصر الدنيوية - انفتاح الخطيب تجاه جميع المذاهب الإسلامية - الإلمام بالعلوم الشرعية وقياس المسائل الفقهية من عدة زوايا - محاربة التطرف وتجديد الخطاب الديني - مواكبة الخطيب لتطورات العالم والتماشي مع القيم العالمية - اجتهاد الخطيب في حدود الشرع دون تنطع وتشدد لرأي واحد - إقامة دورات للخطباء لتقوية مهاراتهم اللغوية في النحو والبلاغة - انسجام خطب الجمعة مع توجهات وقرارات الدولة - التعاون مع الجامعات لإعداد دورات تثقيفية للخطباء في كل ما يتعلق بالخطبة - نشر الكتب التي تحث على التسامح بدلاً من تلك المتوفرة في الأسواق