أسئلة كثيرة تثيرها العملية الإبداعية، لعل أهمها تلك المتعلقة بالعملية الإبداعية، والعلاقة بين ثالوثها (المبدع/ النص/ الكاتب)، فمنذ أعلن رولان بارت في عام 1968 في مقاله (موت الكاتب) أن الكتابة نقض لكل صوت، وبالتالي فإن فكرة موت المؤلف في النص الإبداعي قامت على قطع الصلة بينه وبين نصه الإبداعي، حتى بدأت تظهر مقولات مهمة، في مقدمتها الكتابة التي أطلق عليها بارت تسمية (النصوصية) التي ترى أن اللغة هي التي تتكلم، وليس المؤلف. وبهذا يصبح معنى الكتابة هو أن تبلغ نقطة تتحرك فيه وحدها، ويصبح النص فضاء لأبعاد متعددة تتزاوج فيها كتابات مختلفة تتنازع دون أن يكون أي منها أصليا، انطلاقا من كونه مصنوعا من كتابات مضاعفة وثقافات متعددة تتداخل مع بعضها في حوار ومحاكاة وتعارض أحيانا، أطلقت عليه جوليا كرستيفا تسمية (التناص)، هذه التعددية المختلفة يجب أن تتجمع في القارئ الذي حلّ محل الكاتب. انطلاقا من هذه الرؤية الحيوية نرى أن على النص الإبداعي بأنواعه المختلفة كي يحقق تلك البنية النصية العابرة بفنيتها أن يلتزم بشروط الإبداع الحقيقي، القائمة على الموهبة والانزياحات اللغوية والشعرية، كما أن على القارئ لكي يحقق سلطته في القراءة أن يدرك أن حيوية النص في انفتاحه على القراءات المتعددة، وتنتهي سلطته عندما يفرض عليه مدلولا نهائيا يغلق الكتابة، فالمطلوب هو أن نجوب فضاء الكتابة، لا أن نخترقه، فالكتابة تصنع المعنى باستمرار، ولكن من أجل تبخيره، ليفتح مجالا لقارئ جديد. إن من مآسي كثير من كتاباتنا النقدية التي تلقفت مقولات بارت، والتي راجت حاليا أنها اغتنمت مقولة موت المؤلف، لتصبح مطية وذريعة لتبرير كثير من القراءات السطحية التي تكتفي من الغنيمة بالإياب، من دون أن تدرك أن (القراءة) بالمفهوم الثقافي لكي تصبح منتجة تعني أن يمتلك القارئ صفات تؤهله لفعل القراءة، وبالتالي لإعادة إنتاج النص الأدبي، ولعل في مقدمتها الوعي الجمالي واللغوي والثقافة العالية، وهذا ما يمنح القراءة النقدية تعددا وتنوعا بحسب الثقافة والخبرات التي تشكل خلفية كاتبها، فيفرض سلطته على النص/ قراءته، وهذا ما يثير أسئلة مهمة أخرى تحتاج إلى إجابات، منها أسئلة التلقي، وأسئلة إعادة الإنتاج، وكثير من إجاباتها لا يزال غامضا وغير محدد في أذهان كثير من قراء/ نقاد أدبنا العربي، من هنا يبرز تساؤل الإبداع الحقيقي هل مات المؤلف وقوضت إمبراطوريته الدلالية، فبات النص مفتوحا على القراءات المتعددة؟ وهل استطاعت هذه المقولات في كتابتنا النقدية أن تنتج قراءات حقيقية أنبأت بولادة القارئ الذي ينجز مقولة ولادة القارئ الحقيقي، أم أن أغلب كتاباتنا اتخذت من هذه المقولات دُرْجَة (موضة)، فصار حالنا كحاطب الليل؟ أرى أن هذه الأسئلة وغيرها مطروحة على كثير من كتابتنا وقراءتنا النقدية التي تستدعي حوارا ودراسات أكاديمية علمية للإجابة عنها، ورب إشارة خير من ألف عبارة.