خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    ناتشو: كنا على ثقة أننا سنفوز على النصر    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    دوري روشن: التعادل الايجابي يحسم مواجهة الشباب والاخدود    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتحدث عن التجربة ونرفض الشرح والتفسير
المبدع وحدود الكلام في اللقاءات الصحفية

نذهب اليوم في محورنا الجديد.. إلى المبدع متحدثاً عن نصه أو منجزه الإبداعي، سواء كان شاعراً أو روائياً أو حتى كاتباً.. فالمتعارف عليه أن يلاحق من قبل الصحافة بمجرد أن ينتشر كتابه في الأسواق.
وهنا قد يقع المبدع في الشرك الذي ينصبه الصحافي بقصد أو بدون قصد، فغواية الأسئلة في كثير من الأحيان تجعل المبدع مضطراً لتفسير عمله، إما رغبة منه في توصيل أفكاره لأكبر مجموعة من الناس أو اعتقاداً منه أن القارئ لم يفهم عمله.
وربما يأتي إجماع غالبية من استطلعنا آراءهم على أهمية أن يبتعد المبدع عن التفسير والشرح، وإن كان البعض قد تحدث عن عدم ممانعته عن التحدث عن التجربة.
والأمر الذي اسعدنا هنا هو حصولنا على وجهات نظر متنوعة وثرية أتت من كتاب ومبدعين لهم تجاربهم المختلفة، تتراوح بين الشبابية والثرية والتجارب الكبيرة كما هي بالنسبة للحميدان وهو صاحب أكبر تجربة في مجال الرواية.
الإبداع يتسع لعدة قراءات
في البداية يرى الروائي إبراهيم الناصر الحميدان أنه عندما يكون الحديث عن الإبداع يجب أن تستبعد نظرية المنتج خير من يحلل منتجه أو عمله، لأن الإبداع يمكن أن يتسع لعدة قراءات تتنوع بتنوع واختلاف النظريات النقدية التي تتناوله، وليس المقصود هنا القراءات الظاهرة فحسب، لأن الوقوف عند كل قراءة وتحليلها يمكن من خلالها استنباط نقاط لم تكن جلية، وهنا تكون روعة الإبداع في تجلياته وآفاقه، بل وفلسفته أيضاً، ولولا ذلك لادعى كل ممسك قلم بأنه الناقد الذي لا يشق له غبار لمجرد أنه ناقش الواضح أو الظاهر في أي عمل إبداعي.
ويخلص الناصر إلى القول: لذلك لا أتصور أن المبدع مطالب بتفسير منجزه وكشف مراميه.
بالتفسير قد نخسر القارئ
وعن تأثير قراءة تفسيرات المبدع لعمله قبل الاطلاع على العمل نفسه، يقول الحميدان: القارئ حين يطلع على تفسير المؤلف من خلال حوار أو مقابلة الهدف منها تقديم تفسيرات حول عمله، ربما يدفع المتلقي إلى العدول عن قراءة العمل والاستمتاع بمجرياته، وهكذا فإن الكاتب سوف يفقد قارئه وربما يكون هذا القارئ من النوع المثابر الذي يريد أن يتابع العمل بالقراءة بدون وضع تفاسير مسبقة أمامه.
ويضيف الحميدان قائلا من هنا أعتقد أن المؤلف ليس ملزماً بتحليل أي عمل من إنتاجه، وعليه أن يدع هذه المهمة للناقد المطلع وليس أي ناقد بطبيعة الحال.
أما عن رؤيته لعلاقة الناقد بالعمل الإبداعي فيقول الحميدان في محيطنا من النادر أن تجد من نقادنا - على قلتهم - من يكلف نفسه برصد الإبداع بدون تعال أو إطلاق أحكام حسب مزاجه ورؤيته البعيدة عن النقد النزيه. ومن هنا تتضح المشكلة التي نحاول أن نتفادى إثارتها بينما هي لب المحاورات التي تبتعد عن النقد طالما دخلها التشنج والانفعال العاطفي.
شهادة حول التجربة
ومن جانبه يقول الروائي أحمد الدويحي إن الكاتب ليس مطالباً بأن يقدم تفسيراً لإبداعه، لكن ربما يكون بإمكانه أن يقدم شهادة حول تجربته أو عمله، ويضيف الدويحي قائلاً: عندما أصدرت ثلاثيتي الروائية واجهت أسئلة من النوع الذي يطلب تفسيراً وشرحاً، ولا أخفي أنني انزعجت منها وتعاطفت معها في نفس الوقت، ويتساءل الدويحي قائلاً: لماذا؟
ويجيب: لأنني كاتب أتكئ على الأسطورة، وأضع الواقع في حالة استشرافية للمستقبل ، وأعرف أن روايتي لم تصل لكل المتلقين كما ينبغي، لذلك تعاطفت مع تلك الأسئلة، لكني انزعجت لعدم وجود نقد يملك القدرة على محاورة العمل، ويكشف المناطق الخفية فيه، ويضع يده على الثنائيات الجدلية التي يشتمل عليها.
النقد يفتح المجال للأسئلة
ويضيف الدويحي إن النقد هو الذي يفتح المجال للأسئلة التي تطلب التفسير والتوضيح، ومن هنا تأتي الأسئلة من خارج النص لا من داخله.
وعن مدى تأثير ذلك التفسير على تلقي العمل الإبداعي خصوصاً لدى قارئ تسبق قراءاته المقابلة قراءته للمنجز نفسه يقول الدويحي إن الأثر كبير جداً لأن الكاتب هنا يشعر بأنه يحاور ذاته، ويحاور شخصاً لم يقرأ، ولم يتعرف عليه بالشكل الذي يسمح له بمحاورته حول منجزه، وهذا في رأي الدويحي يحدث في غياب النقد الذي يقوم بهذه المهمة وكأنه ينتج نصاً إبداعياً في النقد موازياً للنص الذي تناوله نقدياً، فتكون عملية تفسير المبدع لنصه أمام المتلقي، إنما هي عملية استباقية سريعة على طريقة الوجبات الأمريكية.
وعن إمكانية حديث المبدع عن منجزه توضيحاً وتفسيراً يقول الدويحي إن المبدع ليس عليه أن يقدم تفسيرات أو تبريرات لعمله، لكن شهادته في عمله أو في تجربته تكون جزءاً من إبداعه لأنها لا تأتي تصريحاً بخفايا العمل ودواخله.
ويشير الدويحي إلى أن الأدب العالمي والإنساني يمتلك شواهد كثيرة على مبدعين كتبوا شهادات عن تجاربهم، فكانت نصوصاً إبداعية لها خصوصيتها، ويضيف الدويحي قائلاً: أتحدث عن الكتاب الذين قطعوا شوطاً كبيراً وتكونت لديهم تجربة حقيقية، ويستكمل قائلاً إن أكثر ما يزعجني هذه الأيام أن نجد شباباً يبحثون عن الجوائز منذ العمل الأول، وإذا حصل أحدهم على جائزة من مؤسسة يدير شؤونها غير المثقفين أو مؤسسات خاصة ينفق عليها فاعلو خير، فإن هؤلاء الشباب تتلبسهم حالة من الطاووسية ويتحدث وكأنه ماركيز.
أما عن رؤية المبدع لعلاقة الناقد بعمله فيقول الدويحي: أنا من الذين يؤمنون بأن علاقة الكاتب بنصه تنتهي عند النقطة الأخيرة، ومشروع الكاتب يتمثل في وضع كل الاحتمالات والأسئلة والقراءات المعرفية داخل نصه، وعندما تنتهي مهمته هذه تبدأ علاقة أخرى هي علاقة الناقد مع النص.
ويستدرك الدويحي قائلاً: صحيح أن المتلقي متنوع لكن الوعي هو المشترك، الكاتب عليه ايجاد ذلك الفضاء الفني بحساسيته ودربته الكتابية وعلى الناقد أن يجوس داخل النص بأدواته النقدية.
غواية الأسئلة في شرك التفسير
ويقول القاص والروائي فهد المصبح من البدهي أن لا يطالب المبدع بتفسير عمله لأن من سمات المنجز الأدبي أن تتعدد القراءات فيه وتأطيره بمعنى محدد وحيد من قبل الكاتب يفضي إلى موته وانصراف القارئ عنه وربما يمجه.
ويستدرك المصبح قائلاً: هناك حالات تتطلب من الكاتب التفسير والشرح لنصه أجملها في حالات ثلاث:
الأولى: أن يكون النص مطروحا لورشة عمل أي في طور التكوين.
والثانية: خضوع النص للمحاكمة من قبل جهة ما رقابية أو شخصية كأن يدعي أحدهم أن النص مسروق
والثالثة: عندما يكون القارئ لا يعرف لهجة كاتب النص كأن يكون الكاتب من الدمام والقارئ من الرباط مثلا .
ويضيف المصبح إذا ولد النص وطرح في المشهد الثقافي بالنشر في الصحف أو الدوريات وتعامل القارئ معه عن طريق القراءة لا السماع هنا تنتفي تماماً أية حدود تلزم الكاتب بالتوضيح ولا يكون هذا إلا بالقراءة العصرية الواعية لمكنونات النص ومحمولات دلالاته أما الناقد فكما تتفاوت رؤى القراء في النص كذلك يحدث مع الناقد وحسب علمي أن الناقد بحاجة للمبدع وليس العكس فمعضلتنا في الساحة تلهف المبدع على الناقد مما ينشئ نوعاً من الشللية أو التطبيل أو التكسير.
ويرى المصبح أن الناقد ليس مطلوباً منه إلا التحدث عن العمل إذا كان يستحق بصرف النظر عن كاتبه، ويضيف: هنا يحيا النقد وتزدهر الحركة الأدبية بنقد يرتقي بالكاتب والقارئ والنص وهو الأمل والحلم الذي ننشده ولكنه نادر.
الرغبة في التواصل
ويتحدث القاص عبد الله الوصالي عن الرغبة في التواصل بالنسبة للإبداع ويقول إنها أهم البواعث الذاتية للكتابة بشتى أنواعها. وهي إذ تنحو نحواً واضحاً في المقالة الصحفية أو اغلب الشعر العمودي إلا أنها في الفن القصصي و شعر النثر وكذلك بعض التقنيات السردية تأخذ منحىً مختلفاً إذ يتطلب الأمر استخدام المجاز و لغة الإيحاء في اغلب الأحيان. ويتابع الوصالي قائلاً إن الغالبية من الناس يجدون صعوبة في فهم الأعمال التجريدية، التي يظنها البعض عبثاً رغم احتوائها على قيم فنية راقية. ويظل المبدع، بعد النشر، يتابع اثر عمله و ردود الفعل عليه مدفوعاً برغبة التواصل والتفاعل بالوسط الأكبر (المجتمع).
ويشرح الوصالي وجهة نظره متابعاً إن النص الأدبي الناضج ذو تأويلات مختلفة، وهذا لا يعني أن الكاتب لا يضمر معنىً خاصاً به دفعه لكتابة النص، و لكن يعني أن اللغة و علاقات مفرداتها ببعضها لها أكثر من تفسير. من هنا جاءت نظرية موت المؤلف وهي مجازاً تعني صمته عن التفسير. وأشار الوصالي في معرض حديثه إلى مقولة للروائي الإيطالي (امبرتو إيكو) "إن على الكاتب أن يموت ليواصل النص الحياة "
المبدع يهتك السر أحياناً
ولكن ما يحدث أحيانا أن المعنى المراد توصيله لا يجد مستقبلاً لدى الآخرين، مما يضع الكاتب تحت ضغط و توتر فيبادر إلى هتك سر النص. وكلنا نعرف مدى ندرة القراء في مجتمعنا. ويستدرك الوصالي قائلاً: ليس كل النصوص قابلة للتأويل. كما أن الناقد حين يحمّل النص فوق ما يحتمل يكون بذلك قد اضر بالنص و بالنقد.
في كثير من أمسياتنا الأدبية و الجلسات الثقافية و عندما نتناول قصة قصيرة مثلاً تجد البعض يشطح في تأويل النص إلى حد بعيد معتمدا على حريته في تأويل ما يريد و لا يمكننا قبول أي تأويل إلا بإظهار الدليل على ذلك ويمكن استخلاص الدليل من العلاقات بين مكونات النص من مفردات و زمان أو مكان إلى آخره.. وهنا ليس المقصود الوقوف أمام الناقد أو وجهات النظر الأخرى، وإنما يفترض على هذا الناقد أن يأتي برؤية من داخل النص مقدماً دليله على ذلك.
الخوف من المساءلة
ومن جانب اجتماعي يرى الوصالي أن احتراف الثقافة في مجتمعنا ليس خلواً من المحاذير، فمجتمعنا لا يزال محافظا على شتى الصُعُد و الكاتب منا تحكمه الكثير من العلاقات، ولذا نجد المبدع يسارع أحيانا إلى تفسير نصه خوفاً من المساءلة.
وعن تجربته في هذا المجال يقول: كتبت نصاً منذ فترة بعنوان ( أمشاج) وهو منشور في موقع الزومال ومجلة (النص الجديد)، وبعد قراءته استحسنه بعض النقاد وناقشني فيه البعض منهم. وقد وضعت في النص ما أعتقد انه خط سير أو خريطة لفهم النص بدءاً من العنوان و ما يحيل إليه مروراً باللغة الداخلية و انتهاءً بالحدث الأخير في النص. ولكني فوجئت بسطحية الأغلبية التي لم تر في النص أي شيء سوى القشرة العليا منه. حتى أن البعض استغرب أن اكتب أنا الشخص المحافظ ،كما يراني، هذا النص
ويكمل قائلاً إن المبدع بين نارين فهو في الوقت الذي لا يجد من يستطيع التواصل مع نصه يجد العرف الأدبي، يمنعه من تفسير النص.
وللخروج من هذا المأزق يرى الوصالي أن الحل يكمن في التعليم. ويشرح رأيه قائلاً: يجب أن تدرج داخل المناهج الأدبية في المراحل الثانوية وبالتالي في الكليات الأدبية نماذج من الأعمال الفنية المعاصرة و طريقة فك رموزها و استخلاص المعنى. وبذا نستطيع أن نكوّن قارئاً عصرياًَ يشارك بجهد ذهني في التواصل بدلاً من التلقي الكسول.
ويعود لرغبة التواصل والتي تستهدف الناقد أيضاً ويقول كل كاتب يتمنى أن يحظى ما كتبه بتناول الناقد و تمحيصه و استنطاق نصه. و النقاد، افتراضاً، ذوو ثقافة عالية، تجعلهم اختياريين فيما يتناولونه وهم في ساحتنا يميلون إلى الحذر خاصة الأكاديميين منهم. مما يجعلهم غير قادرين على الاكتشاف و الإثراء و هذا أيضاً يجعلهم يميلون اكثر إلى النقد الثقافي بدلاً من النقد الأدبي المتعلق بالنتاج الأدبي.
و لا يتحتم أن تكون هناك علاقة بين الناقد و المبدع بل بين الناقد و النص. هذه هي العلاقة المفترضة. وإن كانت ثمة علاقة بين الاثنين كأشخاص فيجب أن ترفد تلك العلاقة العمل الأدبي، لكن يجب الحذر في تأثير ذلك على الحيادية المطلوبة.
علاقة الأب بالابن
ويقول القاص حسين المكتبي إن علاقة المبدع بمنجزه الإبداعي هي علاقة الأب بابنه فهو مسؤول عنه وعن تدبير تصرفاته، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعله مستهجناً ويحوله في الوقت نفسه إلى وثيقة رسمية مؤطرة بوجهة نظر واحدة خصوصاً في المقابلات الصحفية.
ويضيف المكتبي قائلاً إن المسألة هنا في غاية التعقيد، مشيراً إلى أن المسالة تختلف من مبدع إلى آخر ومن عمل إلى آخر، ومن قارئ إلى آخر.
قراءة تعمق رؤية القارئ
ويرى المكتبي أنه ليست ثمة مشكلة إذا قدم المبدع قراءة (وليس شرحاً) رائدة عن عمله.. قراءة لا تلغي التعددية والتأويل والانفتاح نحو الأنساق المعرفية والفنية في المنجز ولا تقصي الرؤى المجددة والفاتحة في النص.. قراءة تأخذ بيد القارئ العادي وتعمق رؤية القارئ الناقد نحو النص.
ويضيف المكتبي إن مقولة موت المؤلف وميلاد القارئ في القراءة التفكيكية والقارئ في نظرية التلقي جعلت كثيرا من المبدعين يجدون مهرباً من أعمالهم الإبداعية بدعوى أن النص خرج من أيديهم وليسوا مسؤولين عنه وعن تأويلات القراء.
ويستدرك المكتبي قائلاً إذا كان عملهم لا يرقى في خطابه الفكري والفني إلى مستوى الأعمال الجادة قالوا لك هذه وجهة نظرك، مما أدى إلى ظهور طبقة من الكتاب استسهلت الكتابة بسبب هذه الدعوى.
لذا - يخلص المكتبي قائلاً - لا بد أن يعتز المبدع بمنجزه ويوضح عندما يسأل لا أن يشرح أو يفسر، فالمبدع يظل مثقفاً يقدم رؤية جادة، ولا بد أن تكون واضحة ومسئولة لأنه يتوجه بأدبه إلى المجتمع بكل أشكاله.
ثقافة المتلقي والقراءة المتنوعة
أما القاص جعفر البحراني فيعتقد أن المبدع ليس مطالبا بتفسير وكشف معاني منجزه، مشيراً إلى أن الدلالات والرموز الموجودة في المنجز تشير إلى معان معينة وعلى المتلقى أن يلتقطها بما يتوافق مع ثقافته ومعارفه مع لحظة الالتقاط، إذ ليس من ذنب للمبدع في عدم التقاط القارئ رؤى معينة كان يريدها المبدع، ولعل وصول المتلقي لرسالة معينة هو صنعها بنفسه من خلال ما التقطه من دلالات إشارة جلية على نجاح المبدع في إيصال رسالة لكل متلق وفقا لثقافته وتراكماته المعرفية والنفسية.
ويتابع البحراني قائلاً: ولهذا أعتقد أن فضح النص وكشف دلالاته ورموزه وتحديد إشاراته من قبل المبدع يفرض على المنجز قراءة واحدة فقط هي رؤية المبدع، على خلاف تام مع عدم كشف الدلالات والرموز الذي يتيح تعدد قراءات للمنجز الواحد، كما أن كشف دلالات المنجز يجعل العمل الإبداعي ذا الدلالات الإشارية والرمزية عملا عبثيا لا يهدف إلا إلى مضيعة الوقت والجهد بل يفرض على المبدع في النهاية كتابة مباشرة وإن كانت بدلالات نظرا لكون الدلالات والإشارات الرمزية مفضوحة.
وعن تحدث المبدع عن عمله قال البحراني: لا أحبذ بأي شكل من الأشكال أن يتحدث المبدع عن منجزه شارحا وموضحا دلالاته بل يجب عليه أن يستمع للقراءات المتعددة التي سيستمتع بها في النهاية عندما يعلم بأن منجزه تلقاه كل قارئ والتقط منه ما يوافق ثقافته وتراكماته المعرفية والنفسية.
ساحة النقد واسعة لجميع الرؤى
من جهة أخرى يرى البحراني أن ساحة النقد فيها مساحة تتسع لأي ناقد بأي مستوى من الثقافة ، وإن الأسلوب النقدي متعدد ولا يخضع أبدا لمعايير معينة أو إطارات خاصة، فالبعض يتناول المنجز وينطلق به كنص يحمل معاني ويقدم رسالة أيا كانت، بعيدا عن التقنيات المستخدمة فيه، والبعض الآخر ينطلق من خلال التقنيات المستخدمة بعيدا عن رسالة المنجز، فيما آخرون ينطلقون من الاثنين معا أي من التقنيات وما يعنيه النص ويقدمه من رسالة.
ويخلص البحراني بقوله: لهذا ينطلق الناقد في محاكاة المبدع من زوايا معينة ويلامس جوانب الإبداع في المنجز من زاويا متعددة.
أحمد الدويحي
فهد المصبح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.