منذ أكثر من عقد وفرحة العيد مختفية في العراق تحت وطأة العنف والموت الذي غيب الأحبة ليجبر العراقيين على قضاء يوم العيد الأول في المقابر لزيارة من فقدوهم وهي العادة التي لازمتهم منذ ثمانينات القرن المنصر بسبب سنوات الحرب مع إيران. ولا يستقبل العراقيون العيد بارتداء ملابسهم الجديدة أو زيارة دور السينما والمسارح أو المتنزهات كما هي عادتهم سابقا، بل أصبح العيد مناسبة لإثارة الحزن والشجون على الأحبة الذين غيبتهم الحروب وسنوات العنف الطائفي والإرهاب الأعمى. واللافت أن جميع المذاهب العراقية (سنة وشيعة) تشترك في هذا الأمر، حتى إن صباح أمس اليوم الأول من العيد تجد مراكز المدن والمتنزهات تكاد تكون خالية، والازدحامات تكون داخل المقابر وفي الشوارع المحيطة بها أو المؤدية لها. وهذا العيد زاد من مأساة هذا الشعب المنكوب، لا سيما في ظل وجود نحو أربعة ملايين نازح داخل العراق غالبيتهم يسكنون بالعراء للعام الثاني على التوالي بسبب احتلال داعش لنحول ثلث مساحة البلاد. رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يبدو أنه شعر بهذا الحرج الكبير لذلك أعلن مكتبه رفضه لاستقبال المهنئين بالعيد كنوع من المواساة للنازحين وعوائل الضحايا. وذكر مكتبه في بيان: أن العبادي يعتذر عن استقبال المهنئين بمناسبة عيد الفطر، ويدعو إلى زيارة عوائل الشهداء والجرحى في المستشفيات وزيارة المهجرين والنازحين. ويقضي العراقيون غالبا ما تبقى من يوم العيد الأول بالمنازل، أو استئنافه في بعض الأحيان بزيارة الأهل والأقارب والجيران لتهنئتهم بالعيد ولتناول "الكليجة "(نوع من الكعك يصنعه العراقيون في المنازل في كل عيد) ويتم تناول الغداء عند أحد الجيران أو الأقرباء. لكن رغم كل شيء ورغم الخوف من السيارات المفخخة التي دخلت حتى البيوت، ألا أن العراقيين ما زالوا يحتفظون ببعض عادات وتقاليد العيد، فبعضهم يخصص اليوم الثاني منه لاصطحاب الأطفال إلى المتنزهات وأماكن اللعب والترفيه مثل حدائق الزوراء التي تقع في جانب الكرخ من بغداد. لكن سنوات العنف والاستهداف من قبل المسلحين لهذه الأماكن جعلت إقبال الأهالي عليها شحيحا، وأصبحوا يفضلون سلامة أطفالهم على حساب نزهتهم ومتعتهم والاحتفال بالعيد. وانتشرت في السنوات الأخيرة في بغداد وأغلب المحافظاتالعراقية ألعاب صغيرة وبسيطة في جميع الأحياء السكنية، واستخدمها الأهالي بديلا عن المتنزهات الكبرى التي منعهم منها ليس فقط الخوف من التفجيرات بل درجات الحرارة العالية والإجراءات الأمنية المشددة التي جعلت الوصول إلى هذه المتنزهات يأخذ ساعات طويلة من الانتظار، ما يرهق الأطفال والأهل على حد سواء ويفسد أية متعة. ميدانيا، شنت طائرات التحالف الدولي أمس 16 ضربة جوية ضد مواقع تنظيم داعش بالقرب من مدن الفلوجة والحبانية وكركوك والموصل والرمادي وسنجار وتل عفر. وأسفرت تلك الغارات عن تدمير عدد من المباني والمواقع القتالية وأحد الأنفاق التابعة لداعش، إضافة إلى بعض المركبات والآليات.