في أواخر سبتمبر شعر طيار محنك بشركة طيران أوروبية منخفض التكلفة بالقلق عندما علم أنه سيقود رحلة جوية تمر في أجواء العراق ليلا وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل المجاورتين. وقرر الطيار الاستفسار بشأن القرار الذي جاء مع أن شركة الطيران كانت قد اعتبرت هذا الطريق غير آمن قبل ذلك بأسبوع فقط، وقال إنه ردا على استفساراته قال مسؤولو عمليات الرحلات الجوية في الشركة إن المسار الجوي صار آمنا وإن عليه التحليق عبره، دون أن يقدموا المزيد من التوضيح. وقال الطيار لرويترز مع طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من فقد وظيفته "لم أكن سعيدا حقا بهذا"، وبعد أيام أغلق العراق مجاله الجوي عندما أطلقت إيران صواريخ في أول أكتوبر على إسرائيل، وقال الطيار "لقد أكد ذلك شكوكي في أن المجال الجوي غير آمن". وردا على استفسارات من رويترز قالت الشركة إن سلامة الطواقم والركاب في مقدمة الأولويات لديها ولا يمكن المساس بها "تحت أي ظرف"، مضيفة أن القرارات بشأن أماكن الطيران تتخذ بناء على تقييمات دقيقة للمخاطر بالتعاون مع طرف ثالث من خبراء المعلومات. وقالت ويز إير في بيان أيضا "لن تحلق طائراتنا ولا أطقمنا إلا في المجال الجوي الذي يُعتبر آمنا ولن نخاطر أبدا في هذا الصدد". وأضافت شركة الطيران أنها أجرت تقييما شاملا للمخاطر قبل أن تقرر التحليق فوق المجال الجوي العراقي في نوفمبر واتبعت إرشادات المفوضية الأوروبية ووكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، التي اعتبرت المجال الجوي آمنا في 31 يوليو. وتابعت أنها تعيد توجيه بعض الرحلات بناء على توصيات وكالة سلامة الطيران الأوروبية ومراجعة تقييم المخاطر التي تجريها الشركة، ولم تذكر المزيد من التفاصيل حول المسارات والرحلات المتأثرة. وعلقت شركة الطيران رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى 14 يناير. وتحدثت رويترز إلى أربعة طيارين وثلاثة من أفراد طواقم الطائرات وثلاثة خبراء في أمن الطيران واثنين من المسؤولين التنفيذيين في شركات الطيران بشأن المخاوف الأمنية المتزايدة في قطاع الطيران الأوروبي بسبب تصاعد التوتر في الشرق الأوسط في أعقاب هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في أكتوبر 2023 والذي أشعل فتيل الحرب في غزة. وتشكل منطقة الشرق الأوسط ممرا جويا رئيسيا للطائرات المتجهة إلى الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا إذ مر من خلالها العام الماضي 1400 رحلة جوية يوميا من وإلى أوروبا، وفقا لبيانات المنظمة الاوروبية لسلامة الملاحة الجوية (يوروكونترول). ويتركز النقاش حول السلامة فيما يتعلق بالطيران عبر الشرق الأوسط في أوروبا إلى حد كبير لأن الطيارين بالقارة يتمتعون بحماية نقابية على عكس مناطق أخرى في العالم. واستعرضت رويترز تسع رسائل غير منشورة من أربع نقابات أوروبية تمثل الطيارين وأطقم الطيران والتي عبرت عن مخاوف إزاء السلامة في الرحلات الجوية عبر أجواء دول في الشرق الأوسط. وتم توجيه الرسائل إلى ثلاث شركات طيران والمفوضية الأوروبية ووكالة سلامة الطيران الأوروبية على مدار الفترة من يونيو إلى أغسطس. وجاء في رسالة موجهة إلى وكالة سلامة الطيران والمفوضية الأوروبية من نقابة أطقم الطيران الرومانية (إف.بي.يو رومانيا) بتاريخ 26 أغسطس "ينبغي عدم إجبار أي شخص على العمل في مثل هذه البيئة الخطرة ولا ينبغي تغليب أي مصالح تجارية على سلامة ورفاهية الأشخاص على متن الطائرة". وفي رسائل أخرى، دعا موظفون شركات الطيران إلى أن تكون أكثر شفافية في قراراتها بشأن المسارات، وطالبوا بالحق في رفض السفر عبر مسار خطير. ولم يسجل قطاع الطيران التجاري أي وفيات أو حوادث مرتبطة بتصاعد التوتر في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة العام الماضي. وفتحت إحدى شركات خطوط جوية أوروبية تحقيقا داخليا بعد أن حلقت طائرة لها في رحلة تجارية عبر أجواء العراق في الأول من أكتوبر خلال هجوم صاروخي شنته طهران على إسرائيل، وفي تلك الظروف سارعت شركات الطيران إلى تحويل مسار عشرات الرحلات المتجهة لمناطق متضررة في الشرق الأوسط.وأثار التوتر المستمر بين إسرائيل وإيران وهجوم المعارضة السورية الخاطف الذي أطاح بالرئيس بشار الأسد هذا الشهر مخاوف من المزيد من انعدام الأمن في المنطقة. وأعاد استخدام الصواريخ في المنطقة إلى الأذهان ذكريات إسقاط طائرة للخطوط الجوية الماليزية في الرحلة إم.إتش17 في شرق أوكرانيا عام 2014 ورحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بي.إس 752 التي كانت قادمة من طهران في عام 2020. وقال ثلاثة طيارين وخبيران في سلامة الطيران لرويترز إن إسقاط طائرة عن غير قصد وسط فوضى الحرب هو مصدر القلق الأكبر إلى جانب خطر الهبوط الاضطراري. وفي حين علقت شركات مثل لوفتهانزا وإير فرانس-كيه.إل.إم الرحلات عبر أجواء إيران، واصلت شركات أخرى عبر أجواء الدولة حتى ما يصل إلى الثاني من ديسمبر، بحسب بيانات خدمة فلايت رادار 24 لتتبع الرحلات الجوية. وتسمح بعض شركات الطيران الأوروبية، بما في ذلك لوفتهانزا وكيه.إل.إم، للطواقم بالانسحاب من الرحلات التي لا يشعرون أنها آمنة، لكن شركات أخرى لا تسمح بذلك. وذكر مارتن جاوس الرئيس التنفيذي لإير بالتيك أن الشركة تفي بمعايير السلامة الدولية التي لا تحتاج إلى تعديل. وقال لرويترز في الثاني من ديسمبر ردا على استفسارات بشأن محادثات بين الشركة ونقابات بشأن سلامة الرحلات "إذا فتحنا باب حق الرفض، فأين سنتوقف؟ عندما يشعر آخرون بعدم الارتياح للتحليق عبر الأجواء العراقية بسبب التوتر هناك؟". وأشارت شركة طيران، كانت تنظم رحلات بشكل متقطع إلى الأردن وإسرائيل حتى سبتمبر، إنها تتخذ القرارات الأمنية بناء على توجيهات وكالة سلامة الطيران الأوروبية. وقال الرئيس التنفيذي لاحدى الشركات الاوروبية لرويترز في أكتوبر ردا على سؤال حول المخاوف الأمنية للموظفين "إذا قالت وكالة سلامة الطيران الأوروبية إن (الطريق) آمن، فإننا بصراحة لا نعبأ بما تعتقده النقابات أو بعض الطيارين". وقالت وكالة سلامة الطيران الأوروبية إنها تدخلت في عدد من المناقشات بين الطيارين وشركات الطيران بشأن السلامة في الأشهر القليلة الماضية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، مضيفة أن اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الموظفين بسبب إبداء مخاوف تتعلق بالسلامة من شأنه أن يتعارض مع "ثقافة العدالة" التي تمنح الموظفين حق التعبير عن مخاوفهم. تطمينات غير كافية قال أحد الطيارين لرويترز إنه لا يشعر بمشكلة في التحليق فوق المنطقة التي تعصف بها الصراعات لأنه يعتقد أن القطاع لديه معايير مرتفعة جدا للسلامة. وقالت شركة ويز إير إن لديها لجنة للسلامة والأمن ومراقبة الامتثال بتقييم المخاطر تساعد مجلس الإدارة من خلال الإشراف على السياسات وتنفيذها. وفي إشارة إلى نظام إعداد التقارير الداخلية الخاصة بالسلامة والتحديثات المنتظمة للموظفين، قالت الشركة "نسعى دائما إلى تحري الشفافية وإطلاع طاقمنا بالمعلومات". لكن بالنسبة لبعض الطيارين وأفراد الطاقم العاملين في شركات طيران منخفضة التكلفة، فالتطمينات التي تقدمها شركاتهم ربما غير كافية. وقالوا لرويترز إن الطيارين يجب أن يكون لهم مساحة اختيار أكبر بشأن رفض الطيران في مجالات جوية ربما تنطوي على مخاطر وطلب المزيد من المعلومات بشأن تقييمات الأمن والسلامة التي تجريها الشركات. وذكر خطاب من نقابة أطقم الطيران الرومانية (إف.بي.يو رومانيا) إلى مدير العمليات لاحدى الشركات بتاريخ 12 أغسطس "حقيقة أن.. تبعث برسائل بريد إلكترونية تؤكد أن الأمر آمن لا يعني شيئا للعاملين على الرحلات التجارية.. الرحلات عبر مناطق الصراع تلك، حتى وإن كانت لمهمات إنقاذ، يجب أن ينفذها عسكريون بطائرات عسكرية وليس الطواقم التجارية". وقال ممثل للنقابة إن تلك الشركة لم ترد رسميا أبدا على هذا الخطاب ورسائل أخرى مماثلة وصلتها في وقت سابق من هذا العام لكنها أرسلت ارشادات أمن وسلامة وتحديثات للموظفين. وقال طيار وأحد أفراد الطاقم، طلبا عدم ذكر اسميهما خشية التعرض للعقاب، إنهما تلقيا تحذيرات من الشركة بسبب رفض التحليق في مسارات عبر الشرق الأوسط أو بسبب الاعتذار بداعي المرض. سماوات مزدحمة وفقا لأحدث بيانات متاحة من شركة أوسبري فلايت سلوشنز شهد الشهر الماضي إطلاق 165 صاروخا في منطقة الصراع بالشرق الأوسط مقابل 33 فقط في نوفمبر 2023. لكن المجال الجوي لا يمكن تقييد المرور به جبريا إلا إذا اختارت الدولة نفسها إغلاقه كما حدث في أوكرانيا منذ الغزو الروسي في 2022. واختارت عدة شركات طيران تعليق الرحلات لوجهات مثل إسرائيل عندنا يتصاعد التوتر مثل ما قامت به لوفتهانزا والخطوط الجوية البريطانية بعد ضربة نفذتها إيران صوب إسرائيل في 13 أبريل. لكن ذلك يحد من المجال الجوي المتاح للاستخدام في سماوات الشرق الأوسط المزدحمة بالفعل. كما أن اختيار التحليق فوق آسيا الوسطى أو مصر والسعودية لتجنب مناطق الصراع المحتدمة في الشرق الأوسط يزيد من التكلفة إذ تستهلك الطائرات وقودا أكثر وتطلب بعض الدول رسوما أعلى للتحليق عبر مجالها الجوي. على سبيل المثال، فإن تسيير طائرة تجارية من سنغافورة إلى مطار هيثرو في لندن عبر أفغانستان وآسيا الوسطى يكلف شركة الطيران رسوما تبلغ 4760 دولارا، وهو ما يزيد بنحو 50 بالمئة مقارنة مع مسار عبر الشرق الأوسط، وفقا لخطتين للطيران في 31 أغسطس راجعتهما رويترز. ولا يمكن لرويترز الكشف عن اسم شركة الطيران لأن خطتي الرحلات غير منشورتين. وتتجنب بعض الطائرات الخاصة المناطق الأكثر خطورة. وقال آندي سبنسر وهو طيار مقيم في سنغافورة يقود طائرات خاصة وعمل سابقا في إحدى شركات الطيران "في الوقت الحالي، المناطق المحظورة بالنسبة لي هي النقاط الساخنة: ليبيا وإسرائيل وإيران، لأن التوتر يتركز فيها". وقال سبنسر، الذي يمتلك خبرة لعقدين ويسافر عبر الشرق الأوسط بانتظام، إنه في رحلة قام بها في الآونة الأخيرة من مانيلا إلى كوبا، حلق من دبي فوق مصر ثم شمالا عبر مالطا قبل التزود بالوقود في المغرب لتجنب المجالين الجويين الليبي والإسرائيلي. تصدر وكالة سلامة الطيران الأوروبية، التي يعتبرها خبراء القطاع الأكثر صرامة في القواعد التنظيمية المتعلقة بالسلامة، تحديثات عامة بشأن الطيران الآمن عبر مناطق الصراعات. لكن تلك التحديثات لا تتضمن أوامر إلزامية وتقرر كل شركة طيران إلى أين ستحلق استنادا لمذكرات حكومية متفرقة ومستشارين أمنيين من شركات طرف ثالث وفرق أمنية بداخلها ومعلومات تتبادلها مع شركات طيران أخرى مما يؤدي لسياسات متباينة. وتلك المعلومات لا يتم إبلاغ الموظفين بها في العادة. يقول طيارون ومصادر أمنية إنه عندما تتوقف شركات طيران كبرى في منطقة الخليج فجأة عن التحليق فوق إيران أو العراق، فإن القطاع يعد ذلك مؤشرا يعتمد عليه لوجود خطر لأن تلك الشركات قد يكون لديها إمكانية للوصول لمعلومات مخابرات أكثر تفصيلا من حكومتها. وقالت احدى الشركات لرويترز إنها تعمل في المجال الجوي ومسارات الطيران في المنطقة المعتمدة من الهيئة العامة للطيران المدني في بلادها التي تقول إنها تراقب كل المسارات باستمرار وتعدلها وفقا لما تقتضيه الحاجة ولن تشغل رحلة جوية أبدا إلا إذا كان الوضع آمنا لتحليقها. وقالت شركة اخرى كذلك إنها لا تعمل إلا في مجالات جوية معتمدة. وتطالب جماعات معنية بحقوق الركاب أيضا بتلقي المسافرين مزيدا من المعلومات. وقال بول هدسون رئيس مجموعة فلايرز رايتس ومقرها الولاياتالمتحدة "إذا رفض الركاب السفر عبر مناطق الصراع فإن شركات الطيران لن تكون راغبة في مواصلة تسيير مثل هذه الرحلات. والركاب الذين يسافرون في مثل هذه الرحلات سيفعلون ذلك بعد الإلمام بالمخاطر".