لفتت انتباهي عبارة تنسب للعالم الفيزيائي (ألبرت أنشتاين 1955م)، وسواء أصحّت نسبتها له، أم لغيره، فهي مفتاح لكل ما قد يستغلق أمامنا، وباب لكل ما نسعى إلى استيضاحه، وهي أداة مهمة في سبيل التعلّم، وطلب المعرفة، كما أنها أسلوب ينتهجه الصغير والكبير، والمعلّم والتلميذ، والمفكّر، والمهندس، والطبيب، والإنسان على نحو عام، وهي علامة على التفكير، ودليل على الاستنتاج، وطريق إلى الاستنباط، ومسلك يقود إلى الحقيقة، وكشف غير المعروف، والوصول إلى معرفة الشيء، هذه العبارة هي: «علينا ألا نتوقف عن السؤال»، أو «الشيء المهم هو ألا نتوقف عن السؤال». ولقيمة السؤال وأهميته رأيناه كثيراً في آيات من القرآن الكريم، كما في قوله تبارك وتعالى: «لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ»، وقوله عز وجل: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»، وقوله - سبحانه وعزّ شأنه - في سورة المعارج: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»، وفي سورة النبأ قال الله تعالى: «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»، وقال جلّ في علاه في آية أخرى: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»، وقال تعالى: « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ»، وقال سبحانه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا»، وقال عز وجل: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ»، وقال تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ»، وقال عز وجل: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا»، وقال تبارك اسمه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا»، وقال تعالى جدّه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ»، وقال سبحانه: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ»، وغيرها من الآيات الكريمة. كما جاء السؤال في أحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في مواضع كثيرة، كما في حديث (إنما الأعمال بالنيات) الذي نهض على السؤال: « ثمَّ قال: يا محمدُ أخبرْني عن الإسلامِ؟ (...) فقال: يا محمدُ أخبرني عن الإيمانِ؟ (...) قال: فأخبرني عن الإحسانِ؟ (...) فقال: أخبرني عن الساعةِ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال فأخبرني عن أماراتها؟»، وفي آخر الحديث ذكر – صلى الله عليه وسلم – أن السائل هو جبريل، «أتاكم يعلّم دينكم»، وهنا تلوح لنا قيمة السؤال، ومنزلته، والغاية منه. ولو بحثنا في أحاديث كثيرة لبرزت لنا أدبيات السؤال وجمالياته واضحة في أحاديثه – صلى الله عليه وسلم – وهو ما يكشف عن بلاغة الخطاب النبوي وبيانه. إن السؤال أمر مهم في حياة الإنسان؛ لأنه يكشف له الصواب، ويدله على المعنى، ويفتح له المجال، غير أنه لا بد أن نعرف أن للسؤال أصوله وضوابطه، كما أن له أدبياته وجمالياته؛ لذلك فإن هناك سؤالاً ينبغي أن يُدرك، وآخر ينبغي أن يُترك، وهناك سؤالٌ قد يقود إلى طريق مفتوح، وسؤال قد يؤدي إلى طريق مسدود، وبعض الأسئلة تغذّي، وبعضها تؤذي؛ لذلك علينا اختيار السؤال بعناية بالغة، مراعين في ذلك مقتضى الحال، والمقام، وأحوال المخاطب (المسؤول) وظروفه، وما يرتبط بذلك - أحياناً - من مراعاة المكان، والزمان، والميدان، فلا يكون السؤال فيما لا يعني، أو فيما لا يفيد، أو فيما يضرّ ولا ينفع، أو فيما يؤدي إلى إشكال، أو حرج، أو لبس، وإنما يكون السؤال دائماً في كل ما يحقق هدفاً نافعاً، أو غاية محمودة.