مثلما هي الحال في الأعياد الماضية، في بلد تتنازعه الصراعات والانقسامات ناهيك بالتفجيرات والعمليات المسلّحة، نسي العراقيون فرحتهم، وتوجهوا نحو المقابر لتذكّر ذويهم ممن سقطوا نتيجة عمليات العنف المتواصلة. وكأن القبور أصبحت المتنزه الأكثر استقطاباً للعائلات خلال العيد في العراق... العيد الذي يشكّل مناسبة لتذكّر أحباب رحلوا، وغالباً قبل الأوان. ففي الزبير، المدينة القديمة ذات التاريخ الإسلامي والغالبية السنّية في جنوب العراق، مقبرة وحيدة اشتهرت بكثرة مدافن الصحابة والتابعين والأولياء والأمراء والولاة والعلماء والشعراء فيها، وهي مقبرة الحسن البصري. قد لا يشكل دخولها قضية مهمة عند البعض، لكن بالنسبة إلى الذين يعرفون تاريخها، فهي تعدّ بالغة الأهمية، ويزورها كل عيد الآلاف من أهالي جنوب العراق، حيث يبكون ويوزعون الأزهار ويشعلون البخور ويقرأون آياتٍ من القرآن الكريم. لمياء أحمد (33 سنة) من أهالي البصرة، زارت المقبرة، وكانت تقف قرب قبر والدها وتتحدث إليه بصوت عالٍ: «جئت اليوم لأخبر أبي بما حدث معي»، تقول ل «الحياة»، «لطالما سمعني، واعتدت في كل عيد بعد وفاته أن أزوره في مقبرة الحسن البصري وأتحدث إليه عن كل ما يجول في خاطري». ويأتي إلى المقبرة كثيرون من أهالي جنوب العراق، من البصرة وميسان وذي قار، بحسب أحد مسؤولي المقبرة، راضي عبد الله. ويقول: «لا يقتصر الأمر على اليوم الأول للعيد، بل يستمر بقية أيامه». وإلى مدينة النجف الأشرف، التي تضم أكبر المقابر في العراق والشرق الأوسط، أي مقبرة وادي السلام، اعتاد العراقيون في أول أيام عيد الفطر شدّ الرحال من مختلف المحافظات، نحو قبور أحباب رحلوا. وبدلاً من الحلوى والمعجنات، تحضر الشموع ومعها ماء الورد والبخور. مقبرة وادي السلام في النجف، والتي ما زال الدفن فيها مستمراً حتى يومنا هذا، اكتست هذه السنة أيضاً باللون الأسود الذي ارتدته غالبية الزوار. ويقول قاسم أحمد، الآتي من بغداد لزيارة المقبرة، إن «أكثر الناس توجهوا في العيد إلى المقابر لزيارة موتاهم، وأنا جئت لزيارة ولدي الوحيد الذي قتل في تفجيرات بغداد الأخيرة». وعند التجول في المقبرة القديمة، تجد من رسّخوا في طقوس زيارة الموتى مصدر رزق، إذ تنتشر بسطات لبيع البخور والشموع وماء الورد، إضافة إلى أشخاص يقرأون القرآن مقابل بدل مالي. ويقول البائع أحمد أمين إن الاستعدادات لزيارة القبور بدأت قبل أيام، وإنه جمع بضاعته من شموع وبخور وماء ورد وتوجه إلى المكان في صباح اليوم الأول للعيد. فمن عادات زوار المقابر، وضع البخور والشموع وماء الورد على شواهد أضرحة الأحبّة، في طقوس تحترم الموت وتذكّر بالحياة.