تكاد تكون صورة العيد في العراق ثابتة منذ تسع سنوات تقريباً، هي عمر التغيير في هذا البلد. فالعراقيون يمضون اليوم الاول في المقابر لزيارة من غيّبه الموت وخصوصاً بسبب الحرب او العنف. وقسم كبير من الناس يخصص اليوم الاول ايضا لزيارة الاولياء والعتبات المقدسة، فتزدحم منطقة الكاظمية التي تضم مرقد الإمام الكاظم بالزائرين مثلما تزدحم منطقة الاعظمية، حيث مرقد الامام ابو حنيفة، والشيخ عمر حيث مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني. اما اليوم الثاني فيخصص لزيارة الاهل والاقارب والاجتماع في منزل الاب او اكبر العائلة سناً لتناول غداء العيد. وتفضل غالبية العائلات البغدادية تمضية العيد في منازلها بسبب هاجس العنف والتفجيرات الانتحارية والاجراءات الامنية المشددة التي تتخذها السلطات في الاعياد والمناسبات، ما يجعل الوصول الى المتنزه الوحيد المفتوح وهو «حدائق الزوراء « امراً في غاية الصعوبة. يقول علي الانصاري: «زوجتي وأطفالي الثلاثة هم الذين رفضوا هذه المرة الخروج من المنزل او الذهاب الى اي مكان، بعدما أفسدت عليهم الاجراءات الامنية متعة الخروج في العيد السابق وجعلتنا نعاني نحو 5 ساعات قبل الوصول الى الزوراء. فالوقوف في طابور التفتيش وحده يحتاج اكثر من ساعتين، ناهيك عن اغلاق جميع الطرقات في محيطه، ما يجعلك تحتاج الى السير راجلا نحو 5 كيلومترات للوصول الى نقطة التفتيش الاولى». الاجراءات الامنية المعقدة وهاجس العنف جعلت الكثيرين يفضلون التوجه الى مدن الالعاب البدائية التي تنصب في ساحات الاحياء في الاعياد، لأنها على صغرها ومحدودية استيعابها توفر تعويضاً مناسباً واكثر أمناً للاطفال، عن غياب او شحة اماكن الترفيه. ولا يقف الامر عند هذا الحد فحسب، فالارتفاع الجنوني للاسعار أجبر الاهالي بدوره على الاقتصاد في مصاريف العيد. نجم الحمداني، اب لاربعة اطفال يعمل مدرساً ثانوياً، يصف معاناته بالقول ان راتبه وبعد 12 عاما في الوظيفة أقل من 600 الف دينار (نحو 500 دولار). ويضيف: «ما يعني انني احتاج أكثر من نصف الراتب اذا فكرت في اخذ اسرتي لتناول الغداء في مطعم». نجم كغيره من العراقيين يصب جام غضبه على السياسيين، ويرى انهم «بنهبهم المال العام ورواتبهم وامتيازاتهم غير المعقولة قادوا الى هذا التمايز الطبقي، اذ جعلوا 10 بالمئة من الشعب تستحوذ على اكثر من نصف موازنة البلاد. هؤلاء الساسة وحاشيتهم هم من أحرق الاسعار، وجعلوني حبيس الدار مع اسرتي حتى في العيد».