في رمضان تتبدل أشياء كثيرة، وتتغير العديد من العادات، وتبرز بعض المظاهر، وتأتي مجالدة النفس وتطويعها على رأس تلك المتغيرات، لتضفي على هذا الشهر أحد أهم مظاهره، التي يتسابق الكثير لتحقيقها، متمثلة بشعيرة "الاحتساب" التي تنطلق من دافع ذاتي، حقيقته الخدمة، والبذل، والتقديم الطوعي، البعيد عن النفعية المادية. كثير هم من يتشربون روحانية شهر رمضان، ويسخرون طاقاتهم وجهودهم نحو كسب المزيد من فضائل وخيرات هذا الشهر، لتأتي ظاهرة "الاحتساب" في خدمة وتفطير وتسهيل أمور الصائمين، كأحد أهم العادات النبيلة التي تسعى لتحقيقها فئة الشباب، قبل غيرهم من المراحل العمرية المختلفة، قاصدين بذلك وجه الله. وباتت مشاريع تفطير الصائمين، ومراكز ونقاط خدمة عابري الطرقات لحظة أذان المغرب، أحد أهم ميادين الاحتساب والخدمة الاجتماعية التطوعية عند الشباب، وفي بعض الأحيان عند صغار السن، وهو الأمر الذي يظهر الوجه المشرق للشخصية الصالحة التي يمتاز بها الكثير من الشاب السعودي، إذا ما عقد العزم على التغيير، وسعى نحو الإيجابية. الكثير من الشباب، يسخر طاقته البدنية لتفطير الصائمين، ويقومون بتوزيع الوجبات على المسافرين على الطرق السريعة، طيلة شهر رمضان المبارك، وأصبح البعض منهم يقف لساعات تحت لهيب حرارة الشمس، احتساباً للأجر والمثوبة، فالبعض ترك الإفطار مع أسرته، وفضل الوقوف على الطرقات لتوزيع وجبات الإفطار. يروي ل "الوطن" الشاب تركي العمشاوي من شباب مركز قبة شرق بريدة، الذي أمضى قرابة أربع سنوات في توزيع الوجبات على المسافرين في شهر رمضان المبارك، أنه يحرص كل عام برفقة مجموعة من محبي الخير، على التطوع ونذر أنفسهم، منذ دخول شهر رمضان المبارك، حتى نهاية الشهر، بتوزيع وجبات الإفطار على المسافرين، الذي يسيرون على الطرق السريعة. وقال العمشاوي، إنهم يحصلون على وجبات الإفطار من قبل جمعية البر الخيرية بقبة، وبعض المحسنين الذين يحضرون الطعام من منازلهم، مشيرا إلى أن الوجبات التي يقومون بتوزيعها على المسافرين أشبة ما تكون بسلة غذائية مصغرة، تحتوي على الماء والتمر والعصير وغيرها. وبين الشاب العمشاوي، أنه ورغم حرارة الجو، إلا أنه يجد لذة في ذلك احتساباً للأجر، مضيفاً، أن المقابل الذي يشحذ هممهم، ويزيل التعب عنهم، دعوات التوفيق والأجر، التي يسمعونها من قبل المسافرين وسائقي المركبات، ويقول الشاب أبو لؤي الذي اكتفى بالكنية لأنه لا يرغب بذكر اسمه، أنه يشارك كل عام في شهر رمضان المبارك إخوانه من محبي الخير ومحتسبي الأجر، في توزيع وجبات الإفطار على المسافرين، ويضيف، إننا نعمل بروح الفريق الواحد المحب للخير، منذ بداية دخول الشهر حتى غياب شمس آخر يوم من أيام الشهر الفضيل، مؤكداً أن الوجبات لا تقتصر على ما يقدم من قبل الجهة المعنية بإفطار الصائمين فقط، بل هناك أسر محبة للخير، تقوم بإعداد الوجبات، ومن ثم إحضارها للتوزيع من قبل الشباب المحتسبين للأجر، ويؤكد أنه يجد المتعة في التوزيع.