لم تنزل قرارات قمة دول مجلس التعاون ال 34 التي احتضنتها الكويت يومي 10 و11 ديسمبر الجاري، برداً وسلاماً على محاور إقليميةٍ لطالما كانت حاضرةً على طاولة الاجتماع الخليجي السنوي الأبرز، وفي البيانات الختامية التي تصدر عنه لتعبر عن رؤى دول المجلس الست سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً في آنٍ واحد. قمة الكويت لم تختلف عن سابقاتها في إطارها العام، لكن ظروفاً مُحيطة كانت عاملاً حقيقياً لأن تكون أكثر أهميةً، انطلاقاً من دراسة تحول دول مجلس التعاون إلى الاتحاد، مروراً بالعلاقة الخليجية الإيرانية، والأزمة السورية وحربها الطاحنة ودخول حزب الله على خطها، وحضور مصر الضيف الجديد على القمم الخليجية الذي نال حيزاً من الاهتمام الخليجي، بصرف النظر عن التفاوت في الرؤى، الذي لا يُشكل إلا جزئيةً لا تكاد تُذكر من الغالبية الخليجية. طهران.. ونصيب الأسد إيران التي كانت حاضرةً وبقوة في القمم الخليجية، حصلت على "نصيب الأسد" هذه المرة، بعد أن أضافت دول الخليج، اتفاق إيران مع القوى الغربية حول برنامجها النووي، الذي لطالما كان يُمثل هاجساً ومصدر قلقٍ لدول المجلس، في حين كانت تحضر طهران في الاجتماعات السابقة عبر محورين: قضية احتلال الجزر الإماراتية، والتدخلات الإيرانية في الشؤون الخليجية. في هذه المرة، كان للاتفاق النووي الإيراني حضور بارز خصوصاً أن دول الخليج حكومات ومجتمعات، تنظر إليه بحذر، أو كما يحلو للساسة القول "ننظر بحذر.. ونفترض حسن النوايا"، أو كما عبر نائب رئيس الوزراء الكويتي ووزير الخارجية الشيخ صباح خالد الصباح حين قال في إجابةٍ له على سؤالٍ ل"الوطن" أول من أمس في الكويت، إن "علاقة الخليج بطهران قابلة للاختبار"، في إشارةٍ إلى افتراض حسن النوايا التي تتعامل وفق إطارها دول الخليج الست مع الجارة التي لطالما كانت مصدر قلقٍ لها. مفاجأة الجربا كان حضور رئيس الائتلاف الوطني السوري وقوى المعارضة أحمد العاصي الجربا،مزعجا بالنسبة إلى القوى الداعمة لنظام بشار الأسد، مع تصاعد وتيرة الحرب الطاحنة في سورية، ومع تفاقمها وتصاعد أعداد القتلى والمشردين والمهجرين. سورية كانت على الدوام محل اهتمام دول الخليج، لكن هذه المرة، كان لحضور الجربا وقع مختلف، تجسد في تعبيره عن رسالة واضحةً وصارمة، مفادها أن الائتلاف الوطني السوري، لا يمكن أن يكون أقل من ممثلٍ شرعي للشعب السوري. وحضور الجربا والكلمة "النارية" التي ألقاها، والبيان الختامي للاجتماع الخليجي الذي تضمن إدانةً للنظام السوري الذي فتك بشعبه عبر استخدامه كل أنواع الأسلحة المحرمة، ودخول مقاتلين أجانب "إيرانيين، وميلشيات حزب الله ومعاونيه"، استشاطت على إثره دمشق زاعمة على لسان مصدرٍ مسؤول أول من أمس أن "البيان الخليجي حزمةً من الأكاذيب"، ضاربةً بعرض الحائط كل الأزمات الإنسانية التي يتعرض لها الجزء الأكبر من الشعب السوري، مع صعود اللاجئين السوريين في دول الجوار والنازحين في الداخل السوري، إلى رقم فاق ال 7 ملايين لاجئ ونازح. وهنا اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع في حديث له مع "الوطن"، أن سورية تتعرض للدمار، عبر تطور الأزمة وتصاعد الخلافات بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية. صفعة لمحور "الممانعة" محور المقاومة أو "الممانعة" في منطقة الشرق الأوسط المُتكئ على حليفه الرئيس نظام بشار الأسد، تلقى صفعةً مدوية، تمثلت في حضور مُمثل قوى الثورة والمعارضة السورية، رئيس الائتلاف السوري، خصوصاً أنه جاء بعد 3 أيام فقط من قول الأسد إن "علاقة بلاده مع الإماراتوالكويت وسلطنة عُمان "طبيعية"، لكن حضور الجربا للقمة الخليجية، وتأكيده على أنه لا مكان للأسد في المرحلة المقبلة، ومن الكويت، سيقلب الموازين رأساً على عقب لا محالة. حزب الله.. ملف دائم لم يغب حزب الله اللبناني "الذراع الإيراني" في المنطقة، عن قمة دول مجلس التعاون، فالظروف التي تمر بها المنطقة، وتحويل بندقية الحزب لوجه الشعب السوري بدلا من إسرائيل، بالتأكيد لم يمر مرور الكرام على دول الاعتدال في المنطقة، التي تمثل دول الخليج أبرزها في الشرق الأوسط إن لم يكُن جُلها، لا سيما أن توظيف حزب الله في سورية هدفه إشعال فتنةٍ طائفية. وهنا مكمن مطالبة الحزب بالعودة إلى جادة الصواب، ويتمثل ذلك بمطالبة دول الخليج على الدوام بسحب قواته من الأراضي السورية، لاعتبارهم مقاتلين أجانب يقفون إلى جانب آلة النظام السوري التي لم تتوان عن قتل وتشريد الشعب السوري، ودعا البيان الختامي "إعلان الكويت" في ختام القمة ال 34 الخليجية، إلى انسحاب كل القوات الأجنبية من سورية، مطالبا بخروج ميليشيات "حزب الله" منها. الضيف الجديد حضرت مصر في القمة الخليجية بشكلٍ بارز كضيفٍ جديدٍ على طاولة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وتجسد ذلك في التعبير الخليجي عن الثقة في خيارات الشعب المصري الشقيق، مقروناً بحرص خليجي على كل ما يحفظ أمن جمهورية مصر العربية، واستقرارها، ومقدرات شعبها، والرفض التام للتدخلات الخارجية في شؤون مصر الداخلية، ووقوف دول مجلس التعاون مع مصر وشعبها العزيز، ودعم اقتصادها، مُبديةً ثقتها – أي دول المجلس – بأن مصر ستستعيد موقعها الريادي والتاريخي، وأهميتها المحورية للأمتين العربية والإسلامية. وهنا يؤكد المحلل السياسي مناع على أن موقف دول الخليج "ماعدا واحدة منها"، إلى جانب إرادة الشعب المصري، من منطلق الإيمان الخليجي بالدور المصري الكبير، الذي يقتضي أن تستعيد مصر عافيتها، لتعود إلى ممارسة دورها الريادي إلى جانب شقيقاتها من الدول العربية الكبرى. هدف موحد الكاتب السياسي المصري سليمان جودة يؤمن في نهاية المطاف بأن هدفاً خليجياً مرسوماً سيتم الوصول إليه، لكن برؤى خليجية مختلفة. تلك الرؤى يرى فيها جودة نوعاً من الغموض، الذي لن يؤثر على مسيرة دول مجلس التعاون، التي تعيش وحدة اجتماعية، وأمنية، وثقافية، إضافة إلى موقفٍ سياسي في الغالب ما يكون موحداً بصرف النظر عن الاختلاف في التفاصيل الدقيقة. واستدل جودة بتوقيت الإعلان عن الموقف العماني، الذي قال "إنه رفع سخونة أجواء قمة الكويت، عاش نوعاً من التأزم وإن تم احتواؤه فيما بعد". ولم يُمانع الكاتب السياسي المصري وجود ما اعتبره مصالح تتقاطع وتختلف بعضها عن بعض، مرجعاً ذلك إلى ما وصفه بالضغوط التي قد تتعرض لها دولة خليجية هنا، أو هناك، وهذا أمرٌ طبيعي. الموقف العماني يختلف مناع وإن بشكلٍ مُبطن مع الموقف العماني، مستندا في ذلك على المادة الرابعة من نظام دول مجلس التعاون الخليجي التي تنص على "الجانب الوحدوي" بين دول المجلس الست. وسأل مناع: "لماذا لا تكون (عمان) جزءاً من تلك الوحدوية الخليجية التي وافقت عليها في الأساس، حتى في مرحلة الانتقال من التعاون، إلى الاتحاد الخليجي، الذي سيزيد هيبة وقوة دول المجلس الخليجي؟". القضايا الداخلية ويؤكد مناع على ضرورة تطوير الإنسان الخليجي، وخدمته بما يعزز الوحدة الخليجية المنشودة، فالقضايا الخليجية الداخلية هي أهم ما سنسأل عنه يوماً ما، حسب رأيه، وهنا تجدر الإشارة إلى ما أقرته قمة الكويت من إنشاءٍ لجهازٍ أمني موحد "الأنتربول الخليجي"، إضافة إلى قيادة عسكرية موحدة تخدم مصالح دول الخليج الست العسكرية، ومشاريع أخرى تنموية، من المفترض أن ترى النور بعد نقاشها باستفاضة، كفكرة إنشاء سكة قطارٍ موحدة تربط دول المجلس، وتفعيل بعض الاتفاقات الاقتصادية الموحدة، كالسوق الخليجية المشتركة، وتوحيد المبدأ والتعامل الجمركي الخليجي، وغير ذلك الكثير من الاتفاقات التي تم تفعيل البعض منها، ويخضع البعض الآخر للنقاش والتشاور منذ سنوات. .. وإجماع على رفض اتهامات حزب الله للمملكة الكويت، الرياض: واس، أ ف ب أبدت دول مجلس التعاون الخليجي استنكارها للاتهامات "الباطلة" التي وجهها الأمين العام لحزب الله اللبناني الشيعي حسن نصرالله، للسعودية بأنها تقف وراء تفجيرين انتحاريين استهدفا سفارة إيران في بيروت الشهر الماضي. وأكد وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في بيان، استنكارهم الاتهامات "الباطلة (...) بشأن العمل الإرهابي الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت" وأوقع 25 قتيلا في 19 نوفمبر الماضي. واعتبر المجلس الوزاري أن "هذه الأكاذيب تجاه المملكة العربية السعودية، المعروفة بجهودها الكبيرة ومواقفها المشهودة في مكافحة الإرهاب والتطرف إقليمياً ودوليا، تأتي في إطار محاولات حزب الله المستمرة لتغطية أدواره وسياساته العدائية داخل لبنان وخارجه"، مؤكداً أن "مثل هذه الاتهامات الواهية لن تتمكن من تشويه صورة السعودية، إنما تعبر عن سقوط وتخبط يمارسه الحزب في محاولة يائسة للإساءة والتشويه". وكان نصرالله قد صرح في مقابلة تلفزيونية أن "كتائب عبدالله عزام" التي تبنت العملية ليست "اسما وهميا، هذه الجهة موجودة بالفعل، ولها أميرها وهو سعودي، وقناعتي أنها مرتبطة بالمخابرات السعودية التي تدير مثل هذه الجماعات في أكثر من مكان في العالم". كما اعتبر أن "تفجير السفارة له علاقة بالغضب السعودي من إيران"، لأن المملكة "تحمل إيران تبعات فشل مشاريعها في المنطقة"، لاسيما في سورية حيث يقاتل حزب الله إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران.