"الكومبيوتر خرب بيتي، أصبح الناس لايتذكرونني إلا في المناسبات القليلة، لم يعد الزبائن يتهافتون على المحل كالسابق، كنت قديما ألجأ إلى دفتر المواعيد وتقييد الأعمال وأحدد وقتا لكل زبون لاستلام عمله، والآن تمر الأشهر ولا أجد من يطرق باب المحل".. بهذه العبارات الحزينة بدأ أبو معاذ حديثه مع "الوطن" عندما سألناه عن وضع مهنة الخطاط في ظل التطور التقني المتسارع، خاصة بعد أن حل الكومبيوتر محل إبداعات الخطاط، والذي طالما قصدته جميع شرائح المجتمع لينالوا من يده أجمل وأحسن الخطوط. الخط اليدوي مهارة وفن يقول أبو معاذ: الخط موهبة تتطلب العديد من المهارات لإتقانها، فقد تعلمت الخط منذ أن كنت طالبا في المرحلة الابتدائية، ولاحظ ذلك معلمي، وبدأ بتشجيعي لممارسة فنون الخط العربي، وأحضر لي كل ما يخص فنون ذلك الخط من الأدوات وغيرها. وتابع: وبالفعل مارست الخط من خلال المدرسة فكنت أخط العبارات القصيرة لمدرستي وأزينها بأنواع من الرسومات التي تجذب الطلبة والمعلمين، وبعد أن تخرجت من المرحلة الثانوية بادرتني الفكرة في أن أفتح محل خطاط، ومنذ ذلك اليوم إلى ما قبل خمس سنوات وأنا أخط أنواعا من العبارات واللافتات، والكثير من الأعمال والوسائل التي يحتاجها المعلمون لشرح الدروس، التي يستخدمونها كوسائل تعليمية للطلاب أثناء الشرح. وكانت لوحاتي تلقى استحسان العديد من الزبائن سواء كانت على الورق المقوى، أو على لوحات الفلين والأقمشة. واستطرد قائلا: منذ خمس سنوات بدأت الأعمال تتراجع، وقل عدد الزبائن في المحل، مما آثار دهشتي، إلى أن صادفت أحد الزبائن والذي اعتاد على زيارة المحل وعن سر الهجر والغياب قال لي: "ياه يا أبو معاذ، مهنة الخطاط طواها الزمن في ظل وجود الكمبيوتر، الآن غلبتك الأحرف الإلكترونية، والبرامج الخاصة بأنواع الخطوط، إضافة إلى السرعة والإتقان، فبمجرد أن يحدد الشخص المقاسات والألوان على الجهاز تسحب اللوحة بثوان معدودة". يقول أبو معاذ: ما إن سمعت تلك العبارات حتى أصابتني خيبة الأمل، وأدركت السبب في تراجع الناس من حولي. عزوف هديل السرحاني، طالبة في نهاية تعليمها الجامعي تقول: التطور الكبير الذي نشهده اليوم جعلنا نعزف عن الخطاطين. وقالت: هذا التطور قضى على هذا الفن اليدوي وأهله، بالنسبة لي أفضل الاعتماد على نفسي في كتابة ما يطلب مني من أعمال، ولا يحتاج ذلك إلى مهارة يدوية وحسن في الخط، فما أن أعطي الكمبيوتر الأوامر بنوع الخط وحجمه ولونه، حتى يبدأ بتنفيذ الأمر لثوان معدودة، فلا أحتاج إلى أن أمضي يوما أو يومين بانتظار اللوحة تخرج من تحت يدي الخطاط، ناهيك عن التعديلات التي قد تطرأ عليها جراء الأخطاء الإملائية. الخط اليدوي روح وهيبة حمدة الحبلاني، معلمة لغة عربية تقول: مهما دخل على الخط العربي من وسائل تقنيات، فإن للكتابة اليدوية رونقها وهيبتها وتبقى هي الأصل، ومهنة الخطاط لا يمكن لها أن تتوارى عن الأنظار، خاصة إذا كان الخطاط يمارس تلك المهنة وهو متخصص فيها. وقالت الحبلاني: قدرات الخط اليدوي غير محدودة، فبإمكان الخطاط أن يبدع في كثير من الأشكال والزوايا، وأن يرسم الإكسسوارت التي يتطلبها الحرف بإتقان، بينما لا يتوفر ذلك في الحروف التي حفظت على جهاز الكمبيوتر، حتى وإن كانت هناك أنواعا للخطوط بداخله. ونفت الحبلاني أن يكون التطور قد أجهض تلك المهنة حيث قالت: يمكن أن يدمج القديم بالحديث بحيث يعمد الخطاطون إلى إدخال التقنيات الحديثة إلى محالهم التجارية، وبذلك يحتفظون بالأصالة إلى جانب التقدّم. وأنهت حديثها قائلة: تبقى اللوحة التي خطت باليد ذات روح ورونق تزهو بأعيننا بمجرد النظر إليها.