أنس محمود الشيخ العراق بعد أن أصبحت نهاية نظام الأسد قاب قوسين أو أدنى، تتسارع وتيرة العمل بالنسبة لروسياوإيران لإيجاد بديل عنه، يكون في استطاعته تقديم ما كان نظام البعث السوري يقدمه للجانبين من خدمات كبيرة، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. وإذا أخذنا مسيرة الواقع السياسي في العراق نرى أن الظروف أصبحت مواتية تماما في أن تحقق هاتان الدولتان ما تصبوان إليه من دور لنظام المالكي في المنطقة. فروسيا المتطلعة إلى لعب دور دولي تحاول الدفاع عن مواطئ أقدامها الباقية في المنطقة، فتساقط معاقلها في ليبيا وعراق صدام حسين وأخيرا في سورية، تدفعها إلى الاندفاع بشكل كامل لفتح قنوات دبلوماسية ساخنة مع الحكومة العراقية متمثلة بالمالكي، لا سيما وأن تقاطع مصالح إيرانوروسيا في المنطقة تجعل من العراق نقطة الالتقاء المثالية للطرفين، بما يمتاز به النظام الحالي من أفكار مذهبية تجعله يرتمي إلى الحضن الإيراني، ويبتعد عن الحضن الأميركي الذي أتى به للحكم، وبالتالي فإن العلاقات المميزة بين إيرانوروسيا تجعل من إمكانية إنشاء حلقة ثلاثية إيرانية عراقية روسية أمرا ممكنا بشكل كبير. هنا يجب علينا أن نتساءل: هل هناك مصلحة للعراق كدولة من التحالف الجديد هذا؟ أم هي لمصلحة المالكي الشخصية للبقاء أطول مدة على سدة الحكم في العراق؟ ولغباء الإدارة الأميركية الحالية وعدم درايتها الكافية للتعامل مع الملف العراقي، فقد قامت بأخطاء فادحة جعلت من إيران تتحكم بالشأن العراقي بشكل كامل، لا سيما وأن الأغلبية الشيعية السياسية في العراق مستعدة في الأساس للارتماء في الحضن الإيراني لأسباب لا مجال لشرحها هنا، خاصة وأن المالكي استطاع أن يلعب على التناقضات الإيرانية الأميركية بشكل يجعل من الطرفين حريصين على بقائه في الحكم ويفضلونه على أي سياسي عراقي آخر. استطاع المالكي تلبية متطلبات المصالح الأميركية، التي تتلخص بالحفاظ على المصالح الاقتصادية أكثر من أي متطلبات أخرى، في الوقت الذي أصبحت الاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا الحبل الذي شنقت به أميركا نفسها، فانسحبت قواتها على ضوء هذه الاتفاقية، ومن ناحية أخرى أبقى الباب مشرعا لإيران للتصرف كما يحلو لها في الشأن العراقي، وسيطرتها الأمنية والسياسية على العراق، وتلبية طموحها بأن يكون العراق ساحة مفتوحة للانطلاق عبرها للتآمر على أمن وسلامة الدول العربية، وبذلك استطاع المالكي جمع الضدين الأميركي والإيراني في سلة واحدة. والمالكي يعي جيدا أن البقاء في منتصف الطريق بين أميركا وإيران قد يكون ممكنا لبعض الوقت ولكن من الصعب الاستمرار في هذا الوضع كل الوقت، وما جعل البقاء في منتصف الطريق مستحيلا الآن هي الثورة السورية، وحتمية اتخاذ موقف محدد منها، وبما أن المالكي يعتمد في شعبيته على الشارع العراقي الشيعي، فيظهر أن إيران هي المرشحة لأن تكون الدولة التي يضحي من أجلها المالكي بعلاقاته مع أميركا، عبر محاولاته الانفلات من الضغوط الأميركية التي لم يبق منها سوى الجانب التسليحي الذي نصت عليه الاتفاقية الأمنية بين الطرفين، وحتى نقطة تسليح الجيش العراقي هي غير ملزمة للجانب العراقي، ما جعل المالكي طليق اليد في التقرب من الطرف الإيراني بعد قيام الثورة السورية. لقد شحذت الأزمة السورية الجهد الإيراني مع الجهد الروسي للوقوف بجانب بشار، مما جعل المالكي يلتقي مع أجندات الدولتين في هذا الموضوع، وبالنسبة لروسيا فإن المالكي يمثل لها المرشح الأوفر حظا ليحل محل بشار مستقبلا، وسترحب بأي محاولة تقارب يقوم بها المالكي أيا كانت أهدافه. ومن الطبيعي أن روسيا لا تملك أية شروط للبدء بهذه العلاقة، بعكس طرف المالكي الذي يستطيع فرض شروط كثيرة على روسيا سواء اقتصادية أو حتى سياسية، وحينها يستطيع اللعب بأوراق كثيرة سواء على الجانب الأميركي أو الروسي. وبما أن المشتركات بين المالكي من جهة وإيرانوروسيا من جهة أخرى هي أكثر من المشتركات بين المالكي وأميركا، إذا فإن إمكانية ابتعاد المالكي عن أميركا والاقتراب من روسيا هي أكثر احتمالا الآن. كل الاحتمالات تشير إلى أن انتصار الثورة السورية سوف تعني إيذانا بتغيرات كثيرة في المنطقة تبدأ بسيطرة المالكي تماما على الداخل العراقي، يتبعها دخول كلي للمالكي ضمن المعسكر الإيراني الروسي، مما سيشكل تكوين حلف إقليمي جديد يصعب من خلاله على أميركا أن تتحرك بردة فعل قوية ضده. فأميركا لا تمتلك القدرة مرة أخرى لشن حرب جديدة في العراق لإزاحة المالكي، وكذلك فإن المالكي لن يقطع شعرة معاوية بينه وبين أميركا إلا بعد أن ينتهي من القضاء على خصومه السياسيين في العراق. الأمر الذي لن يكون لأميركا حينها خيار للضغط سياسيا عليه عبر خصومه، ولن يكون أمام أميركا إلا أن تعالج وبغبائها المزمن نتائج هذه التطورات وليست التطورات نفسها كما هي حالها دائما.