"الخط هندسة روحانية وإن ظهرت بآلة هندسية". إنها عبارة شهيرة تناقلها الخطاطون وصدقوها، ومن خلالها اندرج فهم أدى إلى ظهور نسيج فني ما زال الخطاطون يقفون حائرين أمامه. فمن خلال ابن مقلة وابن البواب فُرضت مرجعية حرف "النون" كأساس للخط العربي ببناء معادلة الخط على أساس هندسي بديع، فمثلاً هناك خط النسخ، وهو خط وظيفي تم استنباط حروفه لخدمة كتاب الله، وفيه يتساوى حرف الألف و "نون + نون" عمودياً، بينما حرف الباء يساوي "نون + نون" أفقياً.. وهكذا إلى آخر الحروف. فهناك متوالية هندسية تحمل في طياتها عظمة من أبدعوا". بهذه الكلمات راح الخطاط الأردني إبراهيم أبو طوق يشرح المعادلة في محاضرته "الخط العربي بين ماض متجذر وحاضر متغير" الخميس المنصرم في مهرجان "صيف أرامكو 31" الذي ضم معرضاً فنياً وخطياً وضوئياً و231 ورشة فنية. وحسب با طوق فإنه بالمعادلة السابقة استطاع الفنان المسلم تطبيق مفهوم "ن والقلم وما يسطرون" تطبيقاً سليماً فتحت معه آفاق جديدة في الكتابة الكونية ذات الزخم العلمي والفني التراكمي الذي أثرت به الحضارة الإسلامية من خلال العلماء والنوابغ. وأضاف أبو طوق أن خط النسخ أخذ زخماً قوياً وبعداً فنياً هائلاً على يد الخطاط الراحل "ابن الشيخ" الذي أغلق باب الإبداع في هذا النمط من الكتابة، حتى إن من جاء بعده أضاف إضافات بسيطة على شكل الحرف ونسبته. وقال أبو طوق إن هناك محاولات على يدي رسامي أواسط القرن الماضي نحو ملء الفراغ الذي تركه الخطاطون، وبعدما أحس الرسامون أن الخطاطين توقفوا عن الإبداع بدأت المحاولات من خلال معالجة نص خطي ضمن مسطحات لونية لا تمت للخط العربي بصلة، فالسواد الأعظم منهم لا يعرفون أبجدية الحرف العربي، وكثير منهم تأثر بالفن العربي تارة أو بفنون الشعوب الأخرى تارة أخرى. وأوضح أبو طوق أن هناك تجارب ومحاولات منها تجربة التونسي نجا المهداوي والعراقي محمد الصقار لتكون بمجملها تجارب بحاجة إلى رعاية واستمرار، فالمهداوي تعامل مع الحرف بشكل مجرد وليس كنص له جذور مرتبطة بمخرجه لمن نطق به، فتعامله مع الحرف كان كشكل موسيقي، وأهمل النص الذي يمثل التدوين والتاريخ، ولم يتعامل معه كفن له قدسية. وعمل الصقار باتجاه معاكس للمهداوي فكان تعامله مع الحرف كنص له دلالة.