عطاف المالكي صحوت فجرا على صوت قهقهة ولجلجة مع صدى نسيم الصباح الباكر صوب نافذتي.. ضحكة صادرة من الأعماق وقلب خال من الهموم، يا إلهي.. معتوه حارتنا! وصدق القائل (الجنون فنون) فالمجنون لا يحاسب على هفواته ولا أخطائه التي تورطه من جراء فلتات لسانه! رباه.. لماذا يضحك؟! هل يضحك من شر بليته! أم يضحك على منظره وهو رافع ثوبه بأسنانه! أم يضحك على هؤلاء البشر لأنه استغنى عما يشغل تفكيرهم ويرى نفسه مميزا عنهم، وقد (رفع عنه القلم)! وباع عقله وتفكيره غير مأسوف عليه، وكأني به يقول: "دعوا أفكاركم السوداوية تنفعكم، حرمتكم السعادة الأبدية وولدت لكم الضيق والألم وخداع النفس"! فتحت نصف عين وأغلقت الأخرى لكمية النوم الجاثمة على جثتي، لأتابع ذلك المجنون وهو ما يزال يطلق ضحكته برنة مميزة وكأنه يشاهد مسرحية هزلية كوميدية.. فقلت ما أجمل الجنون في حالات يحتاجها الإنسان.. إنها تخلصه من عقد كثيرة وأحداث مكبوتة، تخلصه من الكراهية والشكوك والانفعالات والخوف. هذا المجنون لا يهمه نظرة المجتمع ولا سياط رقيب.. يعيش ليأكل وينام ليصحو ويلبي نداء الطبيعة في أي مكان يحلو له بلا حسيب ولا رقيب، ويظن أن كل من حوله مجانين، لا يشعر بالنقص.. يسرح ويمرح يجوب الشوارع طولا وعرضا، يمسحها مسحا بأقدامه العارية الملونة ويشعر بسعادة منقطعة النظير! والابتسامة لا تفارق شفتيه، لا يكبت انفعالاته، يضحك ويبكي، يثور ويهدأ. الأيام سواسية في نظره، ليست دقائق ولا ساعات، إنها لحظته التي يستمتع بها، وفوق ذلك له حسنات ليلها كنهارها. يوقف المارة ويسألهم: هل وجدتم قطتي؟ أبحث عنها من العام الماضي.. يقولون له ما لونها؟ يجيب أنتم مجانين وهل للقطة لون؟! ثم يهرول مسرعا ليسأل الآخرين هل صليتم الفجر؟ يجيبونه: نعم.. وفي كل خطوة يسأل سؤالا يختلف عن الآخر.. ثم يردد أتدرون ماذا أتمنى؟! أتمنى لو أن زوجة أبي دمية صغيرة وأحطم رأسها وأقطع شعرها.. أفصح بكل أريحية تامة عن أمنيته.. فما أجمل الجنون في لحظات كثيرة؟!